الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: المقاصد والتجديد
مع علم مقاصد الشريعة:
الموضوع الأساس لعلم مقاصد الشريعة هو حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان، كما سبق بيانه، ذكر ذلك الشيخ في كتابيه مقاصد الشريعة الاسلامية، وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ولفت إليه النظر أيضاً في كتب أصول الفقه عند حديثه عن المناسبة والإخالة من مباحث المسالك ونحوها. وقد عدّوا من ذلك مباحث كثيرة، لها اتصال بالمقاصد وإن كانت تبحث أساساً في كتب علم أصول الفقه. وهي المصالح المرسلة والمتواتر والمعلوم بالضرورة وحمل المطلق على المقيد إذا اتحد الموجِب والموجَب، أو اختلفا (1). وأشار الإمام إلى مقاصد أخرى كثيرة وردت في طوالع الأبواب من كتب علم أصول الفقه، تعتبر مِن مقاصد أنواع المشروعات. وهي بلا شك دون مقاصد التشريع العامة (2).
ونقد صاحب المقاصد علم أصول الفقه بما عرفناه عن طريقه من أسباب أوجبت ضعفاً أو نقصاً في هذا العلم، أو أوجب اختلالاً في تعاطيه. من ذلك:
(1) المقاصد: 15.
(2)
المقاصد: 10 - 11.
أولاً: توسيع علم أصول الفقه بإدراج ما لا يُحتاج إليه فيه، حيث قصدوا منه أن يكون علم آلات الاجتهاد، فضمّنوه مسائل كثيرة من علم المنطق والكلام والعربية والأحكام.
ثانياً: تأخّر تدوين علم أصول الفقه على تدوين الفروع. وقد أدّى هذا إلى ما زاد به الاختلاف بين المذاهب، بظهور كثير من التعارض، وحمل المؤلفين عند حصول ذلك منهم، أو عند أخذ أحدهم بغير ما يجري على أصول مذهبه على القول بأن فلاناً خالف أصلَه، وفلاناً طردَ أصلَه. وربّما قال كما عبر عن ذلك البخاري في تعليقاته على مثل هذه الحال ناقضَ فلان أصلَه. وهو في الحقيقة ما خالفَ ولا طردَ، وإنما تأصَّل الأصلَ من بعد الفرع.
ثالثاً: تضمُّنُ علم أصول الفقه مسائل خارجة عن حدِّه، لا علاقة لها بموضوعه. وذلك كالتساؤل عن حال النبي صلى الله عليه وسلم هل كان متعبّداً بشرع قبل نبوءته.
رابعاً: الغفلة عن إيراد مقاصد الشريعة، إذ لم يدوّنوها في الأصول. وهي الأحرى بأن تكون الأصلَ الأول.
ومن ثم استدرك أبو إسحاق الشاطبي، على الأصوليين، فخصّ جزءاً من كتابه الموافقات بالتعريف بالمقاصد الشرعية، وبحثَ قضاياها في الجزء الثاني منه.
خامساً: ما انتشر بين الفقهاء من قعود وكسل حُرِموا به الاجتهاد في القضايا المستجدّة التي كان عليهم شرحها لأهل الملة، حتى يأخذوا بها، مقدّمين لها على غيرها، حماية لشريعة ربنا، وتمسكاً بأصول هذا العلم وقواعده.
وقد عُدّت قوادح أخرى أسرعت إلى هذا العلم مع توالي ما مرّ
به من مراحل تاريخية، وجرت بالحديث عنها الألسن. وهي في جملتها ترجع إلى عدم الأخذ بالقياس الكلّي والاكتفاء بالجزئيّ منه (1).
والموضوع الأساس هو ما نبّه إليه الإمام الأكبر عند تعريفه للمصالح المرسلة.
وقد تقدّمَ الإمام الأكبر باقتراحه العلمي الدقيق طالباً أولاً تجديد علم أصول الفقه على أساس تطويره (2) وجعلِه صالحاً للاستفادة منه والاستعانة به في استنباط الأحكام وضبطها، وفي حرصه ثانياً على المصالح ضبطاً لأحكامها. فقد قضى العلماء ردحاً من الزمن يعملون على تحكيم علم أصول الفقه في المنازعات والاختلافات كما فعل القدامى من علماء الدين أو الفقه فلم يظفروا بطائل.
وفي هذه الفترة ظهرت الدعوة مرّة أخرى إلى تطوير علم أصول الفقه وتجديده، والتزم الشيخ تداركَ علم أصول الفقه مما لَامَسه من ضعف، وخالطه من مسائل لا صلة له بها، ومحاولةَ تطويره تطويراً علمياً واضح المعالم وصفه به في التمهيد من مقدمة كتاب المقاصد (3). وإن اختيار هذا المنهج لتطوير علم أصول الفقه، أو جعلِه وعلمَ المقاصد علماً واحداً، ليضع به الإمام خطة لمن يأتي بعده حتى اليوم ممن يحاول التجديد. وتتمثل هذه الخطة على النحو الذي يراه، أو على وجه قريب منه فيما يزيل ما تراكم على علم أصول الفقه من إضافات كان ينبغي حذفها.
(1) أليس الصبح بقريب: 203 - 205.
(2)
المقاصد: 21 - 22.
(3)
المقاصد: 22 - 23.