الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: من طرق إثبات المقاصد الشرعية
ولإكمال هذا الجانب المهم من البحث نتعرض مع المؤلف إلى طرق إثبات المقاصد الشرعية. وهذا لا يكون بالاستناد إلى الأدلة المعروفة المستخدمة في علم أصول الفقه أو في تقرير مسائل الخلاف، وإنما يكون بما رسمه بعد التأمل والرجوع في ذلك إلى صنيع أساطين العلماء من طرائق الاستدلال على صحة المقاصد الشرعية. والطرق المعتمدة في هذا الغرض ثلاثة وهي:
أولاً: الاستقراء. وقد فصلنا القول فيه وأشرنا إلى أقسامه قبل.
وهو نوعان: استقراء علل الأحكام، واستقراء علل أدلة الأحكام.
الأول: يكون بتتبع العلل المثبتة بطرق مسالك العلّة، لما يحصل باستقرائها من استخلاص حِكمة واحدة تنتهي إليها، وبالجزم بأنها مقصد شرعي. وقد مثّل لهذا بعلّة تحريم المزابنة. وهي الجهل بمقدار أحد العوضين، وبعلّة النهي عن بيع الجزاف بالمكيل وفيه أيضاً جهل أحد العوضين، والنهي عن خِطبة المسلم على خِطبة أخيه وسومِه على سومِه نفياً للوحشة، وحرصاً على دوام الأخوة.
والثاني من الطريق الأول يكون باستقراء علل أدلّة أحكامٍ اشتركت في علّة واحدة، وحصل لنا اليقين بأن تلك العلّة مقصد مراد للشارع. ومثال هذا النوع النهي عن بيع الطعام قبل قبضه خوفاً من فوات الرواج، والنهي عن بيع الطعام نسيئة تفادياً من بقاء الطعام في
الذّمة، وهو سبب كافٍ للحيلولة دون رواجه؛ والنهي عن الاحتكار الذي بسببه يقلّ الطعام في الأسواق، وفيه من التضخّم ومن أسباب الإضرار بالناس ما فيه. ومن أجل هذا اعتبر الشارع الرواج وتيسير تناول المبيعات مقصداً ثابتاً من مقاصد الشريعة.
والطريق الثاني يُتوَصَّلُ به إلى تعيين المقصد الشرعي ورفع الخلاف عند الجدل فيه. ويتكوّن من انضمام ظنّية الدلالة إلى قطعيّة المتن. ومثّل لهذا بجملة من الآيات جاءت إما مصرّحة بالمقصد الشرعي، وإما منبّهة إليه. قال تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1)، وقال:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2)، وقال تعالى:{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3).
والطريق الثالث يقوم على الاعتداد بالعمل الشرعي القريب من المعلوم بالضرورة. وهذا كمشروعية الصدقة الجارية المعبّر عنها بالحبس.
تلك هي الطرق الثلاثة التي يعيّن بها المقصد الشرعي عند الأئمة الفقهاء.
ويلفت الشيخ ابن عاشور الأنظار إلى جهات طلب المقاصد التي تتحقّق بها معرفة تلك الطرق. ويحدد الجهات الثلاثة لذلك قائلاً:
هي: (1) الأمر والنهي الابتدائيان، (2) عللهُما، (3) ما يقع بين أيدي الفقهاء من مقاصد شرعية كالأصلية، والتابعة.
وهذه المقاصد الأصليّة والتابعة واردة في الشرع إما بالنصّ عليها، وإما بالإشارة إليها، وإما بما يكونُ مِن استقرائها من النصوص (4).
(1) سورة فاطر، الآية:18.
(2)
سورة البقرة، الآية:185.
(3)
سورة الحج، الآية: 56
(4)
المقاصد: 56 - 65.