الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر الشيخ ابن عاشور الشاطبي، معلقاً على المقدمة الأولى من كتابه الموافقات، منبّهاً إلى الاستدلال فيها على كون أصول الفقه قطعية ضعيف. وأن خلاصة ما جاء فيها أن أصول الفقه في الدين قطعية لا ظنية. والدليل على ذلك أنها راجعة إلى كليات الشريعة، وما كان كذلك فهو قطعي (1). ويفسّر كلامَ الشيخ ابن عاشور في تضعيف مقالة الشاطبي ما ذكره المحقق الشيخ دراز من قوله تعقيباً على قول الشاطبي: بيان الأول ظاهر بالاستقراء المفيد للقطع (2): إنما يبدو هذا صحيحاً؛ لأن استقراء جميع الأفراد فيه ممكن، فإنها مسائل محصورة، وكذلك ما أورده بعدُ من أن ما هو راجع إلى الاستقراء الكلي من أدلة الشريعة قطعي، ولكن المطلوب هنا هو القطع أي الجزم. ووصف دراز كلام الشاطبي بالخَطَابي لأنه لا يتأتّى اعتبار ذلك في جميع مسائل الأصول حتى ما اتفقوا عليه منها، وأن المعتبر في كل ملة بعض القواعد العامة فقط، وهي داخلة في حفظ الضروريات (3). وقد تقدم الحديث عن الفرق بين القطعي والظنّي من الأدلة.
تعريف الشيخ ابن عاشور بأنواع المصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا:
عرّف ابن عاشور المصلحة والمفسدة. فقال في الأولى: إنها وصف للفعل يحصل به الصلاح أي النفع منه دائماً أو غالباً للجمهور أو الآحاد، وقال في الثانية: هي ما قابل المصلحة. وهي وصف
(1) المقاصد: 21.
(2)
الشاطبي. الموافقات: 1/ 29.
(3)
الشاطبي. الموافقات، المقدمة الأولى مع تعليقات دراز:(3) 1/ 31 - 34.
للفعل يحصل به الفساد؛ أي الضر دائماً غالباً للجمهور أو الآحاد. ثم عرض علينا تعريفات أخرى للعضد وللشاطبي وغيرهما معقّباً على هذا بقوله: "إن تعريف أبي إسحاق هو ما يتحصل منه بعد تهذيبه أن المصلحة ما يؤثر صلاحاً أو منفعة للناس، عموميةً أو خصوصيةً، ملائمة قارةٌ في النفوس في قيام الحياة".
وبعد ذكر الشيخ العديد من التعريفات للمصلحة، وصف تعريف الشاطبي بكونه أقرب التعاريف السابقة على تعريفه. ووسمه رغم ذلك بكونه غير منضبط (1).
وبجانب هذا الموقف الأساسي من التعريف بالمصلحة ننتقل مع الشيخ ابن عاشور إلى قضايا أخرى منها:
إن المصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا على مقتضى ما غلب. وهو لا ينكر وجود المصلحة المحضة ولا المفسدة المحضة، مثله مثل الإمامين العز بن عبد السلام والشاطبي في ذلك. ولكنه يرى من الضروري أن توضع ضوابط للمصلحة تبرزها وتتحقّق بها. وذلك:
° بأن يكون النفع أو الضر محقّقاً ومطّرداً في المصلحة.
° وأن يكون النفع والضرّ فيها غالباً وواضحاً.
° وألا يمكن الاجتزاء عنه بغيره في تحصيل الصلاح وحصول الفساد.
° وأن يكون أحد الأمرين النفعُ أو الضر، مع كونه مساوياً لضده، معضوداً بمرجح من جنسه.
(1) المقاصد: 199 - 201.
° وأن يكون أحدهما منضبطاً محققاً والآخر مضطرباً (1).
وبعد ذكره لأنواع المصالح من خاصة وعامة وتعريفه لهما، انتهى إلى أن الشريعة تسعى إلى تحقيق المقاصد في عموم طبقات الأمة بدون حرج ولا مشقة، كما أنها جاءت بمقاصد تنفي كثيراً من الأحوال التي اعتبرها العقلاء في بعض الأزمان مصالح، فتثبت لذلك، عوضاً عنها، مصالح أرجح منها (2).
ويتبع الإمام الأكبر قوله هذا بتوجيه نصيحته لعلماء الأمة قائلاً:
ومن حق العالِم بالتشريع أن يَخْبَر أفانين هذه المصالح في ذاتها وفي عوارضها. وأن يسبر الحدود والغايات التي لاحظتها الشريعة في أمثالها وأحوالها (3).
وقسَّم المصالحَ باعتبار آثارها في قوام أمر الأمة، فذكر كغيره ممن تقدمه الأقسام الثلاثة: الضروريّات والحاجيّات والتحسينيّات، وعرّف كل واحد منها تعريفاً مميّزاً، باحثاً عن طرق المحافظة على الكليّات الخمس وعلى الحاجيّات والتحسينيّات واحدة بعد الأخرى (4).
وربط بين المشروعات المأذون فيها من قبل الشريعة، فأناط أعمال الناس بها قائلاً: ويلخِّصُ هذه المعاني أن الأعمال كلها منوطة بأسباب، وأن الأسباب ما جعلت أسباباً إلا لاشتمالها على الحِكم والمصالح التي ضبطها الشرع بها، وجعلَها علامة عليها ومعرّفاً بها (5).
(1) المقاصد: 206 - 210.
(2)
المقاصد: 228.
(3)
المقاصد: 230، 231.
(4)
المقاصد: 231 - 236.
(5)
المقاصد: 321.