الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
كونه حقيقةً في التمثيل، مجازاً في الشمول. وبهذا قال الغزالي وأبو محمد.
2 -
وعند ابن حزم حقيقة في الشمول مجاز في التمثيل.
3 -
والأصح الذي عليه الجمهور أنه حقيقة في التمثيل والشمول.
وقياس التمثيل يصدق على ما فيه إلحاق الشيء بنظيره، وقياس الشمول عبارة عن إدخال الشيء تحت الحكم العام الذي شمله. وكل منهما متصل بالآخر. والقياس ثابت فيهما وهو التقدير والاعتبار والحسبان (1).
أقيسة الاستدلال:
وقسم ابن القيم الأقيسة المستعملة في الاستدلال، وهي التي تختلف باعتبار ذكر العلّة فيها وعدم ذكرها، إلى ثلاثة أقسام هي:
(1)
قياس العلّة. وهو ما صرح فيه بالوصف الجامع بين الأصل والفرع.
(2)
قياس الدلالة. وهو الذي يجمع فيه بين الأصل والفرع بدليل لعلّة وملزومها.
(3)
قياس الشَّبَه. وهو ما ألغي الفارق فيه، بأن كان الوصف الجامع لم يصرّح به في القياس، كما في إلحاق الأَمَة بالعبد في تقويم نصيب الشريك على العتق بواسطة نفي الفارق بينهما.
وهذه الأقيسة الثلاثة واردة بأمثلتها في القرآن الكريم.
(1) الفتاوى: 9/ 259.
أما قياس العلّة فكثير في القرآن. قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} (1).
وردت في هذه الآية إشارة إلى من كان قبلنا من القرون. ثم الحديث عمن لحق بهم من غيرهم. وتبيّن أن ذلك كان لمعنى القياس وهو ذنوبهم في الأصل. والجاهليون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم هم الفرع، والذنوب العلة الجامعة، والحكم الهلاك. فهذا محض قياس العلة (2).
ومثل قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (3).
وقوله جل شأنه: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (4).
وأما قياس الدلالة فهو الجمع بين الأصل والفرع بدليل العلّة، وملزومها. ومنه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (5). وبيانه: إنكم إن كنتم في ريب من البعث فلستم ترتابون في أنكم مخلوقون، ولستم ترتابون في مبدأ خلقكم من حال إلى حال
(1) سورة الأنعام، الآية:6.
(2)
ابن القيم. إعلام الموقعين: 1/ 134.
(3)
سورة آل عمران، الآية:59.
(4)
سورة آل عمران، الآية:137.
(5)
سورة الحج، الآية:5.
إلى حين الموت والبعث الذي وعدتم به نظير النشأة الأولى. فهما نظيران في الإمكان والوقوع، فإعادتكم بعد الموت خلقاً جديداً كالنشأة الأولى التي لا ترتابون فيها، فكيف تنكرون إحدى النشأتين مع مشاهدتكم لنظيرها. وقد أعاد سبحانه هذا المعنى وأبداه في كتابه بأوجز العبارات وأدلها وأفصحها وأقطعها للعذر وألزمها للحجة (1).
فالتمثيل في القرآن ضبط لمن تدبّره. وجملة صور ومبادئَ وأحكام دعا الله إليها عباده وأمرهم بالاستماع إليها من أجل تعقّلها والتفكّر فيها والاعتبار بها. ومن ثم عندما يبرز الطرفان في التمثيل ينظر في تسوية أحدهما بالآخر. وأساس ذلك في بناء الأحكام هو التسوية بين المتماثلين، وإلحاق النظير بنظيره، واعتبار الشيء بمثله، والتفريق بين المختلفين وعدم تسوية أحدهما بالآخر. وهذا روح القياس. وقد فطر الله الناس على هذا السلوك ودعاهم إلى إلحاق النظير بنظيره. وأنكر التفريق بين المتماثلين، والجمع بين المختلفين. فالعدل والميزان الذي أنزله الله سبحانه شرعاً وقدراً يأبى ذلك (2).
ومنه قوله جل وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} (3).
وأما قياس الشَّبَه فلم يحكِه الله إلا عن المبطلين. وبالجملة فهو مردود ومذموم، إما لكون التساوي فيه مجرد شَبَه صوري كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي
(1) ابن القيم. إعلام الموقعين: 1/ 119 - 120.
(2)
ابن القيم. إعلام الموقعين: 1/ 144.
(3)
سورة فُصلت، الآية:39.
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} (1).
وجاء ذكر أعضاء الأصنام في القرآن في صورة عاطلة عن حقائقها وصفاتها. وذلك قوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} (2).
فالحقائق والصفات المذكورة في هذه الآية معدومة فارغة خالية عن الأوصاف والمعاني. فاستوى وجودها وعدمه. وفيما ذكرناه من الملاحظات ما يدحض قياس الشبه، الخالي عن العلة المؤثّرة والوصف المقتضي للحكم. والله أعلم (3).
وقسّموا القياس أيضاً باعتبار قوّته وضعفه إلى قسمين: جليّ: ومن تعريفاته أنه ما عُلِم فيه نفي الفارق قطعاً، وخفيّ: وهو ما لم يُقطع فيه بنفي الفارق، ولم تكن علّته منصوصاً عليها أو لم تكن مجمعاً عليها.
وأطلقت الحنفية على الجلي لقب القياس، وعلى الخفي لقب الاستحسان.
وإلى أقسام القياس الفقهي الأصولي المبيّنة قواعده وأسسه بصورة دقيقة علمية على ما عند علماء الأصول، وإلى ظهور مذهب الظاهرية وانقسام العلماء بعده طائفتين مثبتة ونافية. أضاف الإمام
(1) سورة المؤمنون، الآية: 33 - 34.
(2)
سورة الأعراف، الآية:195.
(3)
ابن القيم. إعلام الموقعين: 148 - 152.