الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون قريناً للآخر، ما صلح الحال بينهما، فلا يتطَلَّبان إلا ما يعين على دوامه إلى أمد مقدور (1).
ونُهي عن نكاح اليتامى لما ورد فيه من أحكام وعلل وأسباب. وهو الذي بيّنته عائشة بقولها: هي اليتيمة تكون في حجر وليّها، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها من غير أن يقسط في صداقها، فيعطيها أقل مما يعطيها غيرُه. فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يُقسطوا إليهن، ويبلغوا بهن أعلى سنّتهن من الصداق. فأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء من سواهن (2).
هذه صور لبعض الأحكام المتعلّقة بالنكاح أردنا التنبيه إلى مقاصدها والتنويه بأهميتها. ولا نقف عند كل مسائل الباب التي تعرّض إلى ضبط أحكامها الإمام الأكبر. فهي مفصّلة في محالها من كتابيه المقاصد والتحرير والتنوير. ويمكن أن نعدّ منها: تعدد الزوجات، والمحرّمات من النساء، ومراجعة المطلقات، والطلاق بلفظ الثلاث، وعدة المتوفَّى عنها زوجُها، وعدة الحوامل، وضرب المرأة ونحو ذلك، وحُسن المعاشرة بين الأزواج، والقوامة على النساء، وحكم إنفاق الرجل على زوجه، واعتبار الزوجية سببَ إرث ببقاء
آصرة النسب
والقرابة. والنسل المعتبر هو ما كان طريقه الشرعي عقدَ النكاح المعتمد.
آصرة النسب:
ولاختلاف الأوضاع التشريعية والاجتماعية بين العصرين الجاهلي والإسلامي كان لزاماً الاعتراف بصحة النسب في مثل البغاء
(1) المقاصد: 431.
(2)
خَ: 5/ 176 - 177.
والاستبضاع لوثوق الناس في جاهليتهم بهذا النسب، ولأن الثقة بالنسل قبل تحديد قواعد الإسلام في النكاح موكولة إلى ما في الجبلة من إباية الناس التحاق من ليس منهم بأنسابهم. ولكون أصناف المقارنة الواقعة في الجاهلية قد اختلط نادرها بغالب الأنساب الصحيحة، ووثق أهلها بالأنساب الملحقة بهم من جرائها.
ومن أجل الحفاظ على حرمات البيوت والأنساب سكتت الشريعة عما اعتمده واعتاده أصحاب الجاهلية، وارتضت لهم ما ارتضوه لأنفسهم، قبل أن يُضبط النكاح على الوجه الشريف الكامل، وما حفّ به من اهتمامات وسلوكيات لم تُبق لغيره من الأنواع حظاً ولا وجوداً معتبراً. وأُلحق التسرّي في صحّة النسب، وارتفعت منزلة أم الولد عن أن تكون مجردَ أَمَة.
ومن أحكام آصرة النسب مَنعُ الشريعة الزوجَ الحر من التزوج بالأمة إذا كان ذا طولٍ. وورد في هذا قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (1) دفعاً لما في اجتماع سِيادتَين على المرأة من شبه تعدّد الرجال. ومن القصد الأول عند الشيخ ابن عاشور أن صدق انتساب النسل إلى أصله سائقٌ النسل إلى البرّ بأصله، كما هو سائق الأصلَ إلى الرأفة والحنوِّ على النسل سوقاً جبلياً. ولهذا المطلب بل المقصد معنى عظيم نفساني من أسرار التكوين الإلهي علاوة على ما فيه من إقرار نظام العائلة، ودرء أسباب الخصومات الناشئة عن الغيرة المجبولة عليها النفوس، وكذلك رفع الشك عند الأصول في انتساب النسل أو عدمه إليها.
(1) سورة النساء، الآية:25.
وأُلحقت آصرة الرضاعة بآصرة النسب. وذلك لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (1)، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يحرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب"(2).
والمقصد الشرعي من تحريم ما حَرُم تزوّجُه، مختلف بحسب اختلاف أنواع المحرّمات. وهي عندنا ثمانية:
(1)
المحرّمات من النسب كالأمهات والبنات: ذكر الفخر الرازي في تفسيره: أن السبب في تحريم الأمهات الوطءُ لأنّه إذلال وإهانة. وإذا أوجب الرحمن الإحسان إليهن وصونَهن فلأنّ إنعامهن على أولادهن كان أعظمَ وجوه الإنعام، فوجب صرف الأمهات عن هذا الإذلال. وقال في البنات مثل ذلك: لأن البنت جزء من الإنسان وبعض منه، فيجب صونها عن الإذلال؛ لأن المباشرة لها تجري مجرى الإذلال (3).
وعلق الشيخ ابن عاشور على هذا بقوله: وتحرير ذلك حيث كان معظم القصد من النكاح الاستمتاع. فكانت مخالطة الزوجين غير خالية من نبذ الحياء. وذلك ينافي ما تقتضيه القرابة من الوقار لأحد الجانبين والاحتشام لكليهما. وهو ظاهر في أصول الشخص وفروعه وفي صنوان أصوله.
(2)
وأما محرّمات الصهر فملحقة بمحرّمات النسب وهن سبعة: الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت.
(1) سورة النساء، الآية:23.
(2)
انظر المقاصد: 169 تع 1.
(3)
الرازي: 10/ 27.
(3)
والمحرّمات بالصهر والرضاع هن: الأمهات من الرضاعة، والأخوات من الرضاعة وأمهات النساء والربائب، وحلائل الأبناء، ونساء الآباء، والجمع بين الأختين. وذلك لدفع ما يعرض من شقاق يفضي إلى قطع الرحم. قال الطحاوي: وجلُّ هذا من المحكم المتفق عليه (1).
وفي هذه الصور يسري وقار الآباء إلى أخواتهم وهن العمات. ووقار الأمهات إلى أخواتهن وهن الخالات. ويرجع تحريم هؤلاء إلى قاعدة المروءة التابعة لكلية حفظ العرض من قسم المناسب الضروري وذلك من أوائل مظاهر الرقي البشري (2).
(4)
وأما المحرّمات للرضاع فلأن آصرة الرضاع نُزِّلت منزلة النسب.
(5)
وأما المحرّمات لأجل حق الغير فأمرهن ظاهر.
(6)
وأما الملاعنة فلأن ما جرى بين الزوجين بسببها يتعذّر بعده حُسن المعاشرة بينهما.
(7)
وأما ما كان من المحرمات رعاية لحق الله فمثل المطلقة ثلاثاً على من طلقها (3).
ومثل ما تقدم في الحرمة تعدّد الأزواج للمرأة الواحدة، وإباحة تعدّد الزوجات للرجل إلى حدّ معيّن.
ومن مقاصد الشريعة حفظ حقوق النسل من تعريضه للإضاعة والتلاشي وفساد الشأن.
وكما بيّن الشيخ ابن عاشور المقاصد من هذه الأحكام في
(1) القرطبي. الجامع لأحكام القرآن: 5/ 105 - 106.
(2)
التحرير والتنوير: 4/ 296.
(3)
المقاصد: 437.