الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنهما طريق لتعرّف الحالة الملحوظة وقت التشريع، وسبيل إلى معرفة الوصف المرعي للشارع في بناء الحكم عليه.
وبعد لفته النظر إلى هذه القاعدة الكلية يأتي المؤلف إلى الجزئيات وإلى الأمثلة التطبيقية، فلا يطلق اسم الساحر على المشعوذ بل يفرّق بينهما، ولا الحشيش المخدر على التبغ، ولا الخمر على القهوة اليمانية، ويعيّرُ من يفعل ذلك بالغفلة والوهم، وتجاوز الحد في الأحكام.
وفي نهاية هذا الفصل يذكر الإمام الأكبر قواعد شرعية تكشف عن أسرار التشريع، وعن الحكمة التي نيطت بموجبها الأفعال بالأحكام فيقول: ولم يزل الفقهاء يتوخّون التفرقة بين الأوصاف المقصودة للتشريع وبين الأوصاف المقارنة لها، كما أن الأسماء الشرعية تكون هي المعتبر مطابقتها للمعاني الملحوظة للشارع في مسمّياتها، عند وضع المصطلحات الشرعية. كما بيّن أحكام بعض التبرّعات عند اختلاف صيغها عند التعاقد عن صيغها الأصلية مرتباً على هذا أحكاماً أخرى فقهية (1).
الموضع الرابع: سدّ الذرائع:
قال الأصوليون في تعريفه: هو منع ما يجوز لئلا يُتَطرَّقَ به إلى ما لا يجوز. وهذا الموضوع تعرّض له القرافي غير مرّة في كتابه الفروق، وفي التنقيح. وهو قضية معتمدة عند المالكية وعند غيرهم من سواد الأمة. وقارن ابن رشد بين المذاهب في سدّ الذرائع فقال: أباح الذرائع الشافعيُّ وأبو حنيفة وأصحابُهما (2). وذكر القرافي في الفرق 194 من كتابه (3) أن ذريعة الفساد ثلاثة أقسام:
(1) المقاصد: 309 - 310.
(2)
المقدمات: 2/ 524.
(3)
الفروق: 3/ 266.
ما هو مجمع على عدم سدّه؛ كزراعة العنب، والتجاور في البيوت.
ومجمع على سدِّه؛ كحفر الآبار في طريق المارَّة.
ومختلف فيه؛ مثل بيوع الآجال.
وعلق الشيخ ابن عاشور على هذا التقسيم بقوله: "ولم يبحث القرافي عن وجوب الاعتداد ببعض هذه الذرائع دون بعض. وهو عندي التوازن بين ما في الفعل الذي هو ذريعة من المصلحة، وما في مثاله من المفسدة فيُرجع إلى قاعدة تعارض المصالح والمفاسد. ومثّل لذلك بالاحتياط؛ وهو الأخذ بقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبالجهاد، وهو مفسدة في الأنفس والأموال، ولكنه آيلٌ إلى حماية البيضة، وحفظ سلامة الأمة، وبقائها في أمن".
ومقصد سدّ الذرائع مقصد تشريعي عظيم استفيد من استقراء تصرّفات الشريعة في تشاريع أحكامها، وفي سياسة تصرّفاتها مع الأمم، وفي تنفيذ مقاصدها. فله في الشريعة ثلاثة مظاهر. وبعد ذكر التقسيم للقول بسد الذرائع، وجعل هذا الأمر واجباً حتماً يعلّل ما ذهب إليه الإمام مالك بقوله: فذلك هو وجه اعتداد مالك بالتهمة فيها، إذ ليس لقصد الناس تأثر في التشريع، لولا أن ذلك إذا سقط صار القصدُ مآلَ الفعل، وهو مقصود للناس استحلوا به ما مُنع عليهم.
وينتهي الشيخ ابن عاشور من مقالته هذه في مناقشته القرافي إلى أن سدّ الذرائع قابل للتضييق والتوسّع في اعتباره بحسب ضعف الوازع في الناس وقوّته. ويضيف إلى هذا قوله: ولولا أن سدّ الذرائع قد جعل لقباً لخصوص سد ذرائع الفساد، لقلنا: إن الشريعة