الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن مثل هذا الاستقراء يخول للباحث أن يقول: إن من مقاصد الشريعة التيسير؛ لأن الأدلة المستقراة في ذلك كله عموماتٌ متكرّرة، وكلُّها قطعيّة النسبة إلى الشارع لأنّها من القرآن وهو قطعي المَتن (1).
تنوُّع الأحكام بين التعبّدي والمُعلَّل:
وبهذه المناسبة فرّق الشيخ بين أحكام العبادات وأحكام المعاملات بما انتهى إليه استقراؤه لجميعها قائلاً: قد تتبعت تفاريع الشريعة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فوجدت معظمها في أحكام العبادات، حتى إنك لتجد أبواب العبادات في مصنّفات السُّنة هي الجزءَ الأعظم من التصنيف بخلاف أبواب المعاملات. وذلك لأن العبادات مبنية على مقاصد قارة، فلا حرج في دوامها ولزومها للأمم والعصور إلا في أحوال نادرة تحت حكم الرخصة.
وأما المعاملات فبحاجة إلى اختلاف تفاريعها باختلاف الأحوال والعصور. فالحمل فيها على حكم لا يتغيّر حرج عظيم على كثير من طبقات الأمة. ولذلك كان دخول القياس في العبادات قليلاً نادراً، وكان معظمه داخلاً في المعاملات (2).
ونجد أحكام المعاملات في القرآن والسُّنة مسوقة غالباً بصفة كلية وبعد أن فصّل الله تعالى أحكام المواريث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تولّى قسمة الفرائض بنفسه. وهذا طرف من حديث مرسل. وقد جاء بلفظ: إن الله تعالى لم يكل قَسم مواريثكم إلى نبي مرسل ولا إلى ملك مقرّب، ولكن تولّى قسمتها بنفسه، أو تولّى بيانها فقسمها أبيَن قسم (3).
(1) مقاصد الشريعة مرتبتان: قطعية وظنية. المقاصد: 145.
(2)
من مقاصد الشريعة تجنبها التفريع في وقت التشريع. المقاصد: 338.
(3)
إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم. العذب الفائض شرح عدة الفارض: 1/ 8؛ =
وتفاريع الشريعة في المعاملات على مقصدين: تارة يكون لمقصد حمل الناس على حكم مستمر مثل تحريم الربا، وتارة يكون قضاء بين الناس. فيكون الفرع المقضي به بياناً لتشريع كلي.
وقال أئمة أصول الفقه: إن لم ينص الشارع في الفرع الفقهي بشيء، فأصل ما هو مضرة أن يكون حكمه التحريم، وأصل ما هو منفعة أن يكون حكمه الحِل (1). وهذه القاعدة التي أدى إليها استقراء أحكام الشريعة نجدها عند الزركشي. فهو يقول في حديثه عن الأدلة فيما بعد ورود الشرع: إن الأصل في المنافع الإذن وفي المضار المنع (2).
وإن استقراء مقصد الشريعة في النسب أفادنا أنها تقصد إلى نسب لا شك فيه ولا محيد به عن طريق النكاح بصفاته الشرعية الإسلامية التي قررنا (3).
ولقد استقريت ينابيع السُّنة في المعاملات البدنية على قلة الآثار الواردة في ذلك، وتتبعت مرامي علماء سلف الأمة وخاصة علماء المدينة في شأنها، فاستخلصت من ذلك أن المقاصد الشرعية فيها ثمانية (4).
ويمكن أن نلحق بهذه الشواهد الدالة على الاستقراء صوراً أخرى منها:
أنه في تذييله للنهي عن الاحتكار يقول: فبهذا الاستقراء يحصل
= شرح التحفة. باب التوارث والفرائض: 2/ 391؛ المقاصد: 388.
(1)
البحر المحيط: 6/ 12 - 15.
(2)
المقاصد: 389.
(3)
أصول النسب والقرابة. المقاصد: 434.
(4)
مقاصد الشريعة في المعاملات المنعقدة على الأبدان. المقاصد: 491.