الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
فسّر الغزالي التحسينية بأنها المصالح التي تقع موقع التحسين أو التيسير للمزايا ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات. ومثّل لها بسلب العبد أهلية الشهادة مع قبول فتواه وروايته، لأن العبد ضعيفُ المنزلة باستسخار المالك إياه، فلا يليق لمنصبه التصدّي للشهادة (1).
4 -
في بيان حمل المطلق على المقيّد إذا اتحد الموجَب والموجِب أو اختلفا. ذلك أن التقييد شرط، والمطلق محمول على المقيّد إن اتَّحَد الموجَب والموجِب. وينزّل الإطلاق فيه على الاشتراط. وهذا صحيح. ولكن على مذهب من لا يرى بين الخاص والعام تقابل الناسخ والمنسوخ (2).
5 -
اعتماد الغزالي قاعدة: أن النهي يقتضي الفساد (3).
3 - العز بن عبد السلام: القواعد:
أما العز بن عبد السلام فهو المتميّز بكتابه القواعد، الفريد في موضوعه في عصره، والذي كان ذا أثر كبير في تلميذه من بعده الإمام القرافي. وضع الإمام العز قواعده على أسلوب بديع جعل جماع القواعد الشرعية محصوراً في جلب المصالح ودرء المفاسد وذكر وجوه المناسبات وما يقدّم منها وما يؤخّر عند التزاحم والتعارض (4).
(1) المستصفى: 1/ 290 - 291؛ المقاصد: 243.
(2)
المستصفى: 2/ 185.
(3)
المستصفى: 1/ 315؛ المقاصد: 351/ 3.
(4)
المقاصد: 26 - 27.
ويجد الفقهاء في هذا الكتاب حاجتهم فيما يمدُّهم به من قواعد تُمكن المتضلّع فيها من تأييد فروع انتزعوها، قبل ابتكار علم الأصول، لتكون بواسطة تلك القواعد مقبولة في نفوس المزاولين لها من مقلدي المذاهب. فهي تؤول كما قال الإمام الأكبر الشيخ ابن عاشور إلى محامل ألفاظ الشارع في انفرادها واجتماعها وافتراقها حتى تقرّب فهم المتضلّع فيها من إفهام أصحاب اللسان العربي القحّ
…
وربما يجد المطّلع على كتب الفقه العالية مَن ذكر في مقاصد الشريعة كثيراً من مهمّات القواعد، ولا يجد فيها شيئاً من علم الأصول. وذلك يخصّ مقاصد أنواع المشروعات في طوالع الأبواب دون مقاصد التشريع العامة (1).
وإن في التعريف بكتاب القواعد ما يحمل على تصوّر مدى اعتماد الشيخ ابن عاشور عليه في تقديم أغراضه، وشرح مسائله. فقد أثنى عليه لِما قَدَّمه من خدمات في مجال علم القواعد وقَسِيمه علم المقاصد (2). وينقل الشيخ ابن عاشور إثر بيان طريق تحصيل المقاصد الظنيّة في فصل: مقاصد الشريعة مرتبتان: قطعيّة وظنّية، كلاماً نسبه إلى العز بن عبد السلام في مبحث ما خالف القياس من المعاوضات وهو قوله: "إن من عاشر إنساناً من الفضلاء الحكماء العقلاء، وفهم ما يؤثره ويكرهه في كل وِرد وصدر، ثم سنحت له مصلحة أو مفسدة لم يعرف قوله فيها، فإنه يعرف بمجموع ما عهِده من طريقته وألِفَه من عادته، أنّه يؤثر تلك المصلحة ويكره تلك المفسدة (3).
ونقل المؤلف عنه قاعدة فيما تعرف به مصالح الدارين. ونصّ
(1) المقاصد: 11/ 1.
(2)
المقاصد: 26 - 27.
(3)
القواعد: 2/ 189؛ المقاصد: 143.
ذلك: قال ابن عبد السلام: وأما مصالح الدارين فلا تُعرف إلّا بالشرع وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح. وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات. فإن خفي شيء من ذلك طُلب من أدلته. ومن أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحَهما ومرجوحهما، فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن الشرع لم يَرِد به. ثم يبني عليه الأحكام. فلا يكاد حُكم منها يخرج عن ذلك إلا ما تعبّد الله به عباده، ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته (1). وهذا مما سبق الإلماع إليه في مبحث التعليل والتعبّد (2).
ويتصل بهذه القاعدة أن من المصالح والمفاسد ما لا يدركه إلا كل ذي فهم سليم وطبع مستقيم، يعرف بهما دِقَّ المصالح والمفاسد وجُلَّهما، وأرجحَهما من مرجوحهما. وتفاوت الناس في ذلك على قدر تفاوتهم فيما ذكرته. وقد يغفل الحاذق الأفضل عن بعض ما يطلع عليه الأخرق المفضُول، ولكنه قليل (3).
ولا يقف تنويع المصالح والمفاسد عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى صور أخرى يوجبها الأخذ ببعض الملاحظات أو الأسباب، ثم الحرص على نوط تلك الأحكام بالحِكَم والعلل، ظاهرة كانت أم خفيّة. ومن هذا القبيل ما أورده الشيخ ابن عاشور في نهاية فصل الرخصة نقلاً عن العز بن عبد السلام من المستثنيات من القواعد الشرعية في المعاوضات:
(1) المقاصد: 211؛ القواعد: 1/ 10.
(2)
المقاصد: 148 وما بعدها.
(3)
القواعد: 2/ 189؛ المقاصد: 212.
لو عمَّ الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيها حلال، جاز أن يستعمل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة. ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات؛ لأنه لو وقف عليها لأدّى إلى ضعف العباد واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولا نقطع الناس عن الحرف والصنائع التي تقوم بمصالح الأنام (1).
ثم أتبع صاحب القواعد هذا التقرير بقوله: وإنما جاز تناول ذلك قبل اليأس من معرفة المستحقّين؛ لأن المصلحة العامة كالضرورة الخاصة. ولو دعت ضرورة واحد إلى غصب أموال الناس لجاز له ذلك، بل يجب عليه إذا خاف الهلاك لجوع أو حرًّ أو برد، وإذا وجب هذا لإحياء نفس واحدة فما الظن بإحياء نفوس؟! (2).
ونستطيع في غير تردد أن نقول: إن أهم ما عالجه العز بن عبد السلام هو المصلحة والمفسدة المتولدان عن المقاصد. وللحاجة الأكيدة إلى التعرّف على دقائق هذا العلم، وجني ثماره في مجال دراسة المقاصد الشرعية أسمى العز كتابه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ووجدنا الشيخ ابن عاشور يعتد اعتداداً كبيراً بكتاب القواعد. وقد تابعه في مراحل كتابته للمقاصد، واستمد منه جملة من الآراء والترتيبات.
فمن ذلك: عرض الشيخ ابن عاشور رأي العز بن عبد السلام في المصالح المحضة والمفاسد المحضة، إذ قال منبّهاً على ضرورة الترتيب للمقاصد: واعلم أن تقديم الأصلح فالأصلح، ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد .. ولا يقدم الصالحَ على الأصلح إلا
(1) القواعد: 2/ 188؛ المقاصد: 362.
(2)
القواعد: 2/ 188؛ المقاصد: 362.
جاهلٌ بفضل الأصلح، أو شقيٌّ متجاهل لا ينظر إلى ما بين المرتبتين من التفاوت (1).
وقال العز في الفصل الثالث من قواعده: واعلم أن المصالح الخالصة عزيزة الوجود، فإن المآكل والمشارب والملابس والمناكح والمراكب والمساكن لا تحصل إلا بنصب مقترن بها أو سابق أو لاحق كان السعي في تحصيل هذه الأشياء كلها شاق على معظم الخلق لا ينال إلا بكدّ وتعب. فإذا حصلت اقترن بها من المضار والآفات ما ينكّدها وينغّصها (2).
ولتأكيد ما جنح إليه صاحب القواعد يقول الإمام الأكبر: وتحقيق الحدّ الذي نعتبر به الوصف مصلحة أو مفسدة أمر دقيق في العبارة، ولكنه ليس عسيراً في الاعتبار والملاحظة؛ لأن النفع الخالص والضر الخالص وإن كانا موجودين، إلا أنهما بالنسبة للنفع والضرّ يعتبران عزيزين (3).
وحين نعود إلى الشيخين العز بن عبد السلام والشاطبي، نجد المؤلف معقباً عليهما بقوله: وقد حام ذانك الإمامان حول تحقيق الضابط الذي به يُعتبر الوصف مصلحة أو مفسدة، لكنهما لم يقعا عليه.
وفي آخر هذه القائمة من النقول الكاشفة عن التفاعل بين كتابات العز واتجاهات أبن عاشور يتضح لنا طريق النظر في المصالح المتعدّدة إذا لم يمكن تحصيل جميعها. وفي المفاسد المتعددة إذا لم يمكن درء جميعها. شرح لنا هذا العز بن عبد السلام في قواعدهِ
(1) القواعد: 1/ 7؛ المقاصد: 204.
(2)
القواعد: 1/ 7؛ المقاصد: 204.
(3)
المقاصد: 204.