الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به المبيعات حاجة ضرورية عامة. وذلك لا يمكن إلا بسعر تُعرَف به القيمة. وذلك لا يكون إلا بثمن تقوّم به الأشياء ويستمر على حالة واحدة، ولا يُقَوّمُ هو بغيره، إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض، فتفسد معاملات الناس، ويقع الخُلفُ، ويشتد الضرر كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح. فعمَّ الضرر وحصل الظلم. ولو جعلت ثمناً واحداً لا يزداد ولا ينقص بل تقوّم به الأشياء ولا تقوّم هي بغيرها لصلح أمر الناس" (1).
وخص ابن عابدين النقود برسالة مستقلة هي تنبيه الرقود على مسائل النقود. لخّص بها رسالة الغزّي التمرتاشي بذل المجهود في مسأل تغيّر النقود. وموضوع الرسالة، كما صرح بذلك مؤلفها بحث موضوع النقود من جهة الرخص والغلاء والكساد والانقطاع. وقد نقل فيها أكثر ما وقف عليه من كلام الأئمة.
أنواع النقود:
وظهرت بعد السلعة الوسطية التي كانت تستخدم في المقايضات النقودْ المعدنية. فاستعملوا لهذا الغرض الحديد، ثم النحاس، ثم المعدنين النفيسين، ثم البرونز. وبدأ ترتيب هذه النقود في التداول بالفضية ثم الذهبية. واتجهت كل واحدة منهما إلى مجال من المعاملات. وبقيت تُستخدم في المبادلات الصغيرة القليلةِ الأهمية نقودٌ أخرى من النحاس والبرونز والرصاص وأحياناً النيكل. وإنما اتخذت إنجلترة في منتصف القرن التاسع عشر الذهب أساساً لنظامها النقدي، حين توافرت لديها كميات معتبرة من الذهب. وذلك بعد قيام الثورة الصناعية واستعمال المحركات الميكانيكية، وتقدم التجارة
(1) ابن القيم. إعلام الموقعين (2): 2/ 156.
الخارجية بفضل تطوّر وسائل النقل باستعمال البخار. وفي تلك الفترة من الزمن اكتشفت مناجم الذهب في الأورال وكاليفورنية وأسترالية. فعجل ذلك بسقوط العملة الفضية وتدنّيها وأصبحت من بين النقود الثانوية.
لكنّ تَميّز المعدنين: الذهب والفضة ببريقيهما جعلهما يُقدّمان على غيرهما من المعادن. وكان من أهم خصائصهما رغبة الناس فيهما وشغفُهم المتزايد بالزينة والتحلّي، وسهولة حملهما وسلامتهما من التلف، وقابليتهما للتجزئة، والتشابه والتجانس بين القطع المسكوكة من الذهب والفضة، وصعوبة تزييفهما وثبات قيمتهما. كل ذلك قضى لهذين النقدين على سائر المعادن. فكان لهما بذلك الرواج والادَّخار.
ولهذين النقدين قيمتان حقيقية ومعدنية. فالأولى هي قيمة المعدن في ذاته، والثانية القيمة الاصطلاحية التي تحددها الدولة للتعامل بذلك النقد.
وقد تتساوى القيمة الحقيقية للنقود مع قيمتها الاسمية فتعتبر النقود في هذه الحالة جيّدة. وإن كانت القيمة الحقيقية للنقود أكثر من قيمتها الاسمية وصفت النقود بالقويّة. وإن نزلت القيمة الحقيقيّة لهما دون قيمتهما الاسمية فهي نقود ضعيفة. ويُضاف إلى هذه القيم النقدية ما يسمى بالنقود الرديئة: وهي التي تطرد النقود الجيّدة. ومعنى ذلك أن النقود الجديدة لا تلبث أن تختفي من التداول غير قادرة على مزاحمة النقود القديمة. ووجه ذلك أن الجديدة تصدر إلى الخارج لتسديد الديون، وتُنتقى القديمة للاكتناز أو لتستخدم في الأغراض الصناعية أو لتُصنع وتُباع في شكل سبائك.