الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحقيقها، على ضوء ما نقلوه عن أئمتهم من الفروع الفقهية. فاستمداد أصول الفقه عندهم كان من الفروع والمسائل الفقهية. فإذا وجدوا قاعدة من القواعد لا تتسع لبعض الفروع المقرّرة في المذهب تصرّفوا فيها وعدّلوها على وجه تكون به شاملة لجميع الفروع (1).
وتتمثل الطريقة الثالثة التي اعتمدها الأصوليون المتأخّرون في الجمع بين الطريقتين المتقدمتين. طريقة المتكلمين وطريقة الحنفية. وهي تُعنى بتحقيق القواعد الأصولية وإقامة البراهين وربطها بها. جرى على هذا النهج الحنفية وطائفة من الشافعية. وعُدَّ من أتباع هذا المنهج الإمام أبو إسحاق الشاطبي بكتابه الموافقات (2).
علم مقاصد الشريعة:
أما علم مقاصد الشريعة فهو عبارة عن الوقوف على المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظَمِها. وتدخل في ذلك أوصاف الشريعة وغاياتها العامة، والمعاني التي لا يخلو التشريع من ملاحظتها. وكذلك ما يكون من معانٍ من الحكم لم تكن ملحوظة في سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها (3).
وجدير بنا هنا أن نشير إلى موقف الإمام الأكبر من العِلْمَين. ذلك الموقف المزدوج القائم على الدعوة لتجديد علم أصول الفقه من جهة، وعلى الموقف التأسيسي لعلم مقاصد الشريعة من جهة ثانية. وهذا هو علمُ أصولِ أصولِ الفقه. وتظهر دعوته إلى علم
(1) د/ بدران أبو العينين. أصول الفقه الإسلامي: 17.
(2)
المرجع السابق: 18 - 20.
(3)
المقاصد: 165.
المقاصد جليّة في قوله: إن في معظم أصول الفقه اختلافاً بين علمائه. فنحن إذا أردنا أن ندوّن أصولاً قطعية للتفقّه في الدين حقٌّ علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة، وأن نعيد ذوبها في بوتقة التدوين، ونُعَيِّرها بمعيار النظر والنقد، فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي غلثت بها، ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر، ثم نعيد صوغ ذلك العلم، ونسميه علم مقاصد الشريعة. ونترك علم أصول الفقه على حاله تُستمد منه طرق تركيب الأدلة الفقهية، ونعمد إلى ما هو من مسائل أصول الفقه غير منزوٍ تحت سرادق مقصدنا هذا، من تدوين مقاصد الشريعة فنجعل منه مبادىء لهذا العلم الجليل: علم مقاصد الشريعة (1).
هذا وإن في بداية تمهيد الشيخ ابن عاشور لمقاصده إيماءً لما كان عليه علماء الأصول من الخلاف وذلك ما يدل عليه قوله: "قصدت إلى إملاء مباحث جليلة، والتمثيلِ لها، والاحتجاجِ بها لإثباتها، توصلاً إلى إقلال الاختلاف بين علماء الأمصار".
وهكذا انتهى بنا النظر، بعد المقارنة بين علم أصول الفقه وعلم مقاصد الشريعة، إلى إيراد قضيتين مختلفتين: قضية قطعية أدلة علم الأصول، وقضية التعليل. وقد كان بحثه لهما وطريق الفصل فيهما قائماً على الواقعية في النظر التي يرغب الدارسون في توفرها بين قادة أهل العلم، بعيداً عن المسايرة العاطفية لبعض الشيوخ. وعلى ما يحصل مجاملة وتجاوباً من اللاحق للسابق من أهل الأقدار، واشتغناء بما يقع التنبيه عليه مما لم يُذكر في مكان آخر.
(1) المقاصد: 22، 23.