الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد استعمله سيده في سخرة عبيده، فجعله وسيلة وسبباً إلى وصول حاجاتهم إليهم كيف شاء
…
وهذا عامل بمحض العبودية مسقط لحظه فيها، بخلاف العامل لحظّه، فإنّه لمّا لم يفهم بذلك من حيث مجرد الأمر، ولا من حيث فهم مقصود الأمر، ولكنه قام به من جهة استجلاب حظّه أو حظّ من له فيه حظّ. فهو وإن امتثل الأمر فمن جهة نفسه. فالإخلاص على كماله مفقود في حقّه، والتعبّد بذلك العمل منتفٍ.
(4)
القائم على المقاصد الأصلية قائم بعبء ثقيل جداً، وحملٍ كبير من التكليف مما يثبت تحته طلب الحظّ في الغالب، بل يطلب حظّه بما هو أخفّ منه (1).
ومن المقاصد كليات وهي نوعان: قريبة كالكليات الخمسة، وعالية وهي تشمل نوعين: المصلحة والمفسدة.
المقاصد والوسائل:
سبق للعلماء التفريق بين المقاصد والوسائل. وقالوا إن الذرائع هي الوسائل (لأنها وسائل إلى ما يُتَذَرَّعُ إليه بها وهو المقاصد).
والمقاصد قسمان: مقاصد الشرع، ومقاصد الناس في تصرّفاتهم.
فمعرفة المقاصد الشرعية الخاصة بأبواب المعاملات مثلاً هي كما تقدم تصوّرُ الكيفيات المقصودة للشارع من أجل تحقيق المصالح وجلبها، ونفي المفاسد ودرئها، وحفظ المقاصد العامة في تصرفات الناس الخاصة.
(1) الموافقات: (5) 2/ 149 - 151.
وبعكس ذلك الوسائل. فهي الأحكام المشروعة من أجل أن يتم بها تحصيل أحكام أخرى. وهي غير مقصودة لذاتها بل لتحصيل غيرها على الوجه المطلوب، إذ بدونها قد لا يحصل المقصد، أو يحصل معرضاً للاختلال والانحلال. وتعد من الوسائل الأسبابُ المعرّفاتُ للأحكام، والشروط، وانتفاء الموانع وصيغ العقود ونحوُ ذلك.
والوسائل مجعولة في الدرجة الثانية من المقاصد. ولذلك كان من قواعد الفقه أنه إذا سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة (1).
وتتعدد الوسائل إلى المقصد الواحد، فتعتبر الشريعة في التكليف بتحصيلها أقوى تلك الوسائل تحصيلاً للمقصد المتوسل إليه، بحيث يحصل كاملاً راسخاً عاجلاً وميسوراً. فإذا تساوت الوسائل في الإفضاء إلى المقصد، باعتبار أحواله كلها، سوّت الشريعة في اعتبارها، وتخيّر المكلف في تحصيل بعضَها دون الآخر.
ومن الوسائل: ما يطلب من تحصيلها تحصيل المقاصد؛ وهي التي يتعلق بها خطاب التكليف، والثانية هي التي تكون سبباً في حصول المقصد الشرعي (2).
وقد تقرر أن المقاصد الشرعية وما يكون وسيلة إلى حصولها كلها من المقاصد كما أشرنا إليه أعلاه. ولا تخفى أهميتها على أحد. شهد بذلك الأئمة الأعلام الذين نعدُّ منهم:
أولاً: الإمام الجويني الذي اعتبرَ وسيلة المقاصد أحدَ المدارك العلمية، قائلاً في هذا الشأن: فإن عُدِم المطلوب في هذه الدرجات
(1) المقاصد: 406.
(2)
المقاصد: 408.
لم يُخَضْ في القياس بعدُ، ولكن ينظر في كليات الشريعة ومصالحها العامة (1).
وثانياً: الإمام تقي الدين السبكي الذي اعتبر رتبة الاجتهاد قائمة على ثلاثة أشياء، من بينها وسيلة استيعاب المقاصد الشرعية. فلا بد أن يكون للمجتهد من الممارسة، ومن التتبع لمقاصد الشريعة ما يُكسبه قوة تفهّم لموارد الشرع (2).
ثالثاً: اعتماد الآمدي وسيلة المقاصد في مقامي الترجيح ودفع التعارض (3).
رابعاً: وفي تحرير ضبط وسيلة المقاصد آراء صوّرها لنا الشيخ ابن عاشور في جملة من الاعتبارات للتأكيد على أهميتها. وحصرها في خمسة أنحاء:
1 -
النظر في أقوال الشريعة ونصوصها.
2 -
تبين وجوه التعارض الظاهري بين نصوص الشريعة.
3 -
البحث عن علل الأحكام.
4 -
إيجاد الحكم غير المنصوص عليه.
5 -
التقليل من الأحكام التعبّدية (4).
* * * * *
(1) البرهان: 2/ 1338.
(2)
الإبهاج: 3/ 206. ط (1) 1984.
(3)
الأحكام: 4/ 376 - 377.
(4)
المقاصد: 138 - 159.