الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما المنكرون للعمل بالقياس فالنظَّام ومن تبعه من المعتزلة أمثال جعفر بن حرب، وجعفر بن مبشّر والإسكافى. وقد انتهى هذا إلى داود الظاهري ثم إلى زعيم الظاهرية ابن حزم.
* * *
ومن قضايا الاختلاف في القياس إثباته في التوحيد ونفيه في الأحكام.
وقال فقهاء الأمصار وسائر أهل السُّنة بالعكس فنفوه فى التوحيد وأثبتوه في الأحكام. وخالفهم داود بنفيه فيهما جميعاً.
وحكى القاضي أبو الطيب الطبري عن داود النهرواني والمغربي والقاساني أن القياس محرّم شرعاً (1).
القياس عند الظاهرية:
دعت المدرسة الظاهرية إلى إبطال القياس كما أبطلت التعليل، واستبدلته بالدلالة الشرعية المستنبطة من النصوص عند سائر الفقهاء، عدا الباطنية. والدلالة المصطلح عليها لديهم تعرف بالدليل. والدليلُ عندهم دليل منطقي، مستمد من المصادر الثلاثة: الكتاب، والسُّنة، والإجماع لا يتجاوز دلالةَ اللفظ ومفهومَ النص. وجوهر الدليل إخراج ما هو مضمّن في المقدمات، واستنتاج لما هو معطى سلفاً بكيفية جلية أو خفية من النص، استنتاجاً واستخراجاً يقينيين على أساس قاعدة اللزوم المنطقي (2).
ورتب سالم يفوت على تعريف الدليل هذا، معتمدِ الظاهرية،
(1) الشوكاني. إرشاد الفحول: 2/ 847، تحقيق أبي حفص الآجريّ، ط (1) الرياض، 2000.
(2)
سالم يفوت. ابن حزم الفكر الفلسفي: 154.
القولَ بأن القياس الفقهي يفيد حكماً زائداً؛ لأن آليته أساسُها حمل ما لم يرد فيه نص على ما ورد فيه نص، أو ربطُ جزء بجزء لعلّة أو شبَهٍ بينهما. وفي هذا تجاوز للنص وتحكّمٌ، نتيجتُه إضافة شرع جديد. وحجة الظاهرية على هذه الدعوى قول الله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (1)، والشريعة الإسلامية كاملة ليست في حاجة إلى إضافات كيفما كانت أشكالها وصورها وأساميها ما لم يكن لها أساس في النص نفسه. ولهذا قالوا: إن الدليل لا كالقياس لا يمثل إضافة شرع جديد إلى الشرع، بل هو إضفاء للمعقولية عليه وإخراج لما هو مضمّنٌ فيه (2).
وسبق إلى تحرير هذا الرأي الإمام ابن القيم في حديثه عن شمول نصوص الشريعة وغناها عن القياس، بانياً رأيه على مقدمتين: الأولى أن دلالة النصوص نوعان: حقيقية وإضافية. فالحقيقية تابعة لقصد المتكلم وإرادته وهذه الدلالة لا تختلف. والإضافية تابعة لفهم السامع وإدراكِه، وجودةِ فكره وقريحته، وصفاء ذهنه ومعرفه بالألفاظ ومراتبها. وهذه الدلالة تختلف اختلافاً متبايناً بحسب تباين السامعين في ذلك (3).
وتعرض لمثل هذا الأصوليون. قال الشوكانى: إن نفاة القياس لم يقولوا بإهدار كل ما يسمى قياساً، وإن كان منصوصاً على علّته، أو مقطوعاً فيه بنفي الفارق، بل جعلوا هذا النوع من القياس مدلولاً عليه بدليل الأصل مشمولاً به، مندرجاً تحته. وبهذا يهون عليك الخطب، ويصغر عندك ما استعظموه، ويقرب لديك ما أبعدوه؛ لأن
(1) سورة الأنعام، الآية:38.
(2)
سالم يفوت. ابن حزم والفكر الفلسفي: 154 - 157.
(3)
إعلام الموقعين: 1/ 350.
الخلاف في هذا النوع الخاص صار لفظياً. وهو من حيث المعنى متفق على الأخذ به والعمل عليه. واختلاف طريقة العمل لا تستلزم الاختلاف المعنوي لا عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً (1).
وهذا المعنى وإن توهمه السابقون، فقد رده الرازي بقوله: إن هذا الأساس لزومي منطقي يعطي أحكامه الشرعية عند ابن حزم بالاعتماد على الأسس المنطقية. وهو ضروري لقيامه على عمليتي الفهم والتمييز المنصبَّيْن على النص، واللذين يشبهان بتوليد أو استنتاج أو تفريع دليل، توليداً واستنتاجاً وتفريعاً ضرورياً. وطريق الدليل الاستنباط والانتقال التدريجي من المقدمات إلى النتائج، بخلاف اللزوم المنطقي في القياس الأصولي الذي يكون الحمل فيه متجاوزاً لفظه.
وهذه الطريقة الاستدلالية لاستنباط الأحكام عند الظاهرية تقتضي زيادة أصل آخر جهِله الفقهاء، سبيله القياس وموضوعه الدليل. وهو عمل القائسين الذين تجاوزوا حد القياس الأصولي، واتخذوا من الدليل الذي صوّروه وقالوا به أصلاً وطريقاً من طرق الاجتهاد عندهم. ويتعارض هذا مع حديث معاذ، كما يناقض رسالة ابن الخطاب إلى شريح قاضيه على الكوفة.
لكن داود وابن حزم مضيا قدماً غير ملتفتين إلى هذين الأثرين، قادحين فيهما بالضعف والوضع.
ويوضح أقوال أئمة السُّنة من القياس شيخ الإسلام تقي الدين الفتوحي الفقيه الأصولي الحنبلي في مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (2).
(1) الشوكاني. إرشاد الفحول: 2/ 860 - 861.
(2)
الفتوحي. مختصر التحرير: 534 - 535.