الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للتجارة الحصولَ على مال زائد على قيمة ما بذله المشتري. فمن هذا الوجه الذي قد يكون به اشتباه خصّت التجارة في الآية بالاستدراك والاستثناء. والمقصد الشرعي من ذلك هو إباحة الجزء الزائد المتراضى عليه لاعتبار التجارة مدارَ رواج السلع الحاجية والتحسينية. ولولا تصدّي التجار وجلبهم السلع لما وجد صاحب الحاجة ما يسدّ حاجته عند الاحتياج.
°
أقسام المال في الملكية:
قسم علماؤنا المال إلى أقسام أربعة مختلفة:
القسم الأول: تقسيم المال بالنسبة للملكية. وهو ثلاثة أنواع:
(1)
ما لا يجوز تمليكه ولا تملّكه بحال. وهذا كالطرق والجسور والحصون والسكك الحديدية ونحوها. فهذه أموال عامة ليس لأحد أن يمتلكها لتعلّق حق الناس جميعهم بها.
(2)
ما لا يَقبل التمليك إلا عند وجود المسوّغ الشرعي. وهو الأعيان الموقوفة والعقار المملوك لبيت المال. والوقف لا ملك فيه لأحد عند أكثر الفقهاء، وهو عند غيرهم مملوك للواقف أو للمستحقين لريعه. وملكيتهم له ليست ملكية مطلقة. وأما المملوك لبيت المال فإنه ملك لجماعة المسلمين.
(3)
ما يقبل التمليك بلا شرط دائماً وفي كل حال. وهو ما هو حق في متناول الأفراد والجماعات كلهم كالصيد (1).
القسم الثاني: كون المال من الثوابت كالعقار من أرض ومبانٍ، أو كونه من المنقول. وهو على نوعين: إما سلعة كالنبات والجماد والحيوان، وإما ثمن.
(1) د/ علي الخفيف. أحكام المعاملات الشرعية: 52.
والقسم الثالث: يشمل الأموال الخاصة مضافة إلى أصحابها، وكذلك الأموال العامة، وما يتجمع في بيت المال من مختلف الموارد فهي أموال المسلمين. وكان هذا النوع في صدر الإسلام يتمثل في أموال الزكاة التي كانت تعم أذواد الإبل المعدّة لحمل المجاهدين، واللامة المرصودة للبس المجاهدين، وكذلك الأدرع والأعتدة تحبس في سبيل الله، وما جعل لمنفعة المسلمين كبئر رومة (1).
والقسم الرابع للمال: هو ما اختلف بين نقدي وعيني.
ويحتاج الناس في معاملاتهم إلى التفريق بين الثمن والقيمة.
أما الثمن فهو إما أن يكون ثمناً بالخلقة كالذهب والفضة، وإما أن يكون ثمناً بالاصطلاح كسائر النقود من غير النقدين، سواء أكانت ورقية أم من المعادن.
وأما القيمة فهي ما يقوّم به المقوّمون الشيء استناداً إلى ما بذل في تحصيله من جهد ومال مع إضافة ربح معقول تعارف الناس عليه.
وقد اتسمت السياسة المالية في الإسلام بالوسطية لأهمية المال عند الشارع وعند الناس. ووَرَدَ في المصدرين: الكتاب والسُّنة منهج شرعي إلهي يحدد ما أمر به سبحانه من سياسة مالية ينجو بها المرء من غوائل الدهر، ويحصل بها التكافل والتراحم بين أفراد الناس كافة. فالرزق جميعه بيد الله، أنعم به على عباده. وقضى لكل واحد منهم بما قسم له مما يليق به، بحسب ما جبلت عليه نفسه، وما يحفُّ به من أحوال النظم المحيطة به في هذا العالم {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ
(1) المقاصد: 459 - 460.
قَدَرًا مَقْدُورًا} (1)، و {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (2).
ويحملنا هذا على التطلع إلى معرفة المقاصد الشرعية الحاكمة للمعاملات وللتصرّفات المالية بين الناس. فنتبين أسرار التشريع فيما يعود إلى مقاصد البشر النافعة، وما تتحقق به الموازنة بين جميع طبقات المجتمع الإنساني.
فإن من السياسة الدينية ما يقوم على توجيه العباد في تصرّفاتهم المالية، وإن كانوا أحراراً في الأساس في مباشرة ما عهد به إليهم من رزق حُرِمَ منه غيرهم.
ومنها بيان حقيقة الإنفاق لذلك المال في السبل المشروعة.
وكذلك وجوب الاستجابة للأوامر والنواهي الشرعية التي تقتضي مراعاة أحكام الله التي لا يجوز إغفالها ولا تجاوزها نفياً للظلم، وحماية للحقوق، وإقامة للعدل.
ولكون المال وهو الذهب والفضة والحلي والنقود مما تُقتنى به أعواض الأشياء المحتاج إليها، وكذلك الجنات والحوائط وحقول الزرع مما أنعم الله به على عباده، وائتمنهم عليه وامتحنهم فيه، اعتُبر ذلك كله من متاع الحياة الدنيا، تحرِص النفوس على الحصول عليه، والتنافس فيه، والتواثب عليه. وتغلب عليهم شقوتُهم بقدر تعلق نفوسهم به وإفراطها في طلبه، استجابة لشهوتها النزاعة إليه، غير ناظرة إلا إلى جانبه المغري، ساهية عما يخفيه وينطوي عليه من مذام.
(1) سورة الأحزاب، الآية:38.
(2)
سورة الإسراء، الآية:30.
ففي الذكر الحكيم جاء تصوير الأموال بالفتنة إذا كانت مقصودة من الناس لذاتها، لا لأداء ما يتعلق بها من واجبات أو صرفها في وجوه البر كما أمر الله المنعمُ بها. قال عز وجل:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (1).
وإلى جانب هذه الحقيقة الثابتة التي تعتبر في الخَلق فطرةً وجبلةً وُجودُ ما يساعد النفوس على الاستقامة والرشد فيما يصدر عنها من تصرّفات يمليها الشارع وتقتضيها طبيعة أحكامه. وهذه هي القاعدة الأولى قاعدة حُسن التصرّف. وإنك لتجدها مع قواعد أخرى في أبواب المعاملات، تأسست على توجيهات وتعاليم دينية، وعلى تشاريع وأحكام شرعية، إذا خرج عنها العبد ولم ينقد إليها، سُمجت نفسه، وطاش عقله، وقويت شهوته، واقتعد الهوى غاربَه. فإذا صدر عنه بعد ذلك أي عملٍ، كان حجة عليه شاهداً بتجاوزاته، وتعريةً لأمراضه النفسية، وحجاباً بينه وبين المصلحة الكلية التي أوجب الباري مراعاتَها والسيرَ على وفقها إصلاحاً للبشر ودعماً للأمة وإقامة للعمران.
والقاعدة الثانية هي الوسطية في البذل والعطاء. وهي الواقعة بين الحدَّين الذميمين: الإفراط والتفريط. فالله، جلّت حكمته، أمرنا بالتزامها في آيات كثيرة منها قوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (2)، وفي قوله:{وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (3)، وفي قوله:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (4). وقال أحدهم في تحديد السرف: لا
(1) سورة التغابن، الآية:15.
(2)
سورة الفرقان، الآية:67.
(3)
سورة الإسراء، الآية: 26، 27.
(4)
سورة الإسراء، الآية:29.
خير في السرف، فأجيب بأنه لا سرف في الخير. ولهذه النظرة مؤدّاها، والمقصد منها.
وفي هذا التوجيه والتشريع الإلهيين: التنبيهُ أولاً على أنه سبحانه جعل المال عوضاً لاقتناء ما يحتاج إليه المرء في حياته من ضروريات وحاجيات وتحسينيات كما قدمنا، وأنه قدّر ثانياً أن يكون المال مرصوداً لإقامة مصالح الأمة.
وربما دلت الثروة على معنى المال وأطلقت بإزائه. فقد قرن بينهما الشيخ ابن عاشور حين أراد استجلاء المقصد الشرعي منهما وذلك في قوله: مال الأمة ثروتها (1).
وأمعن المعاصرون في تحديد الثروة، وجعلوها قسمين باعتبارٍ أوسع وأدق. فقالوا: هي من جهة تشارُك في الأعمال الإنتاجية في شكل نقدي، ومن جهة ثانية ما يتحول إلى معدات إنتاجية تتخذ أشكالاً مختلفة عدداً، وآلات ومولدات طاقة ومبانيَ وأثاث، يترتّب على إنتاجها التضحية بإنتاج مختلف السلع والخدمات الاستهلاكية. وهي العنصر الإنتاجي الذي نسميه رأس المال في حين أن الشكل النقدي الأول ليس إلا تعبيراً نقدياً عن عنصر التنظيم الذي يواجه المخاطرة وعدم التأكد (2).
ويقتضي هذا النظر حماية مكاسب الناس أولاً بعدم انتزاع الملك من صاحبه بدون رضاه لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق"(3).
(1) المقاصد: 460.
(2)
د/ عبد العزيز فهمي هيكل. المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي: 122.
(3)
خَ: 45 كتاب الحرث والمزارعة، 15 باب من أحيا أرضاً مواتاً: 3/ 70. واللفظ عنده: ليس لعرق ظالم فيه حق.