الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وموضوعاتها وأغراضها، على ما تقدم، تدرِك حقيقتها الأفهام المستقيمة مما يتبادر من معاني ألفاظها من غير جهد أو تكلف. وبعد الإشارة إلى الرأيين السابقين المتعلقين بإعراب {يَأْمُرُهُمْ بِ
الْمَعْرُوفِ}
، وبالهاء في {يَجِدُونَهُ} ينتقل الشيخ إلى تلك الأوصاف المنوه بها في الشريعة الإسلامية. وهي:
المعروف:
فالمعروف عند الإمام هو وصف لكل ما تتقبله العقول ويقتضيه النظر السليم، وبعكسه المنكر. وفي آل عمران:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1) وهذا لا يدل في الواقع على إلغاء الفطرة مشيرة إلى الاقتصار على الشهادة بذلك للعقول وحدها؛ لأن قوله سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (2) يدلّ على كون الفطرة تجمع بين الأمرين. وهي قوام الشريعة الإسلامية كما فصّل ذلك الإمام في كتاب المقاصد وكتاب أصول النظام الاجتماعي. ووصفُ الأمر بالمعروف هو أوضحُ علامة تعرف بها أحكام الشريعة الإسلامية.
الطيبات:
والوصف الثاني الذي دلّت عليه الآية باعتباره علامةً وصِفةً للشريعة الإسلامية، هو الطيبات. وهذا الجمع يوميء إلى غرض أصيل لكلمة طيّب فهو الأكل والأطعمة. وهذا في واقع الأمر لا يقبل النزاع؛ لأن المقصود بالطيبات هو المأكولات. ودليله الآيات الأخرى الصريحة في ذلك، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا
(1) سورة آل عمران، الآية:104.
(2)
سورة الروم، الآية:30.
فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (1)، وقوله:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (2). ولا تطلق الطيبات على الأفعال الحسنة لأن هذه سميت بالمعروف؛ والمأكولات ليس للعقل حظ في التمييز بين مقبولها ومرفوضها، وإن كان يفرق تفريقاً بيّناً بين الأفعال الحسنة والقبيحة أي بين المعروف والمنكر.
وبجانب هذا الاستدلال على الاختلاف بين المأكولات وما يأتيه الإنسان من أعمال، يفسر الشيخ معنى الطيِّب ومعنى الخبيث في المأكولات، توصّلا إلى بيان مدلوليهما وبيان الحكم الشرعي المتعلق بهما من حلّ وحرمة.
فالطيِّب ما لا ضرَر فيه ولا وخامة ولا قذارة. وهو المباح والحلال، والخبيث ما أضر أو كان وخيم العاقبة أو مستقذراً لا يقبله العقلاء، وهو الحرام من المأكولات.
وملاك الأمر في هذا الرجوع إلى طبيعة المأكولات وأوصافها في ذاتها لا إلى تحكم العادات. وقد يرجع إلى العادات فتدخل فيما يشاؤونه من المباح لا غير.
وبعد هذا البيان لإباحة الطيبات وتحريم الخبائث، والأخذ بطبيعة وأوصاف المأكولات لا بالعادات، لا يصحّ بحال أن يحجّر طعام على قوم لأجل كراهية غيرهم له، أو تقذّر عادة قوم منه. وقد يتساءل الناس عن العادات واختلافها فنذكر في غير إطناب أن فَقْعَس كانت تأكل الكلب، وأن جُرْهُم كانت لا تأكل الدجاج، وأن قريشاً لا تأكل الضب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وجد على مائدته ضباً فلم يطعمه
(1) سورة البقرة، الآية:168.
(2)
سورة المائدة، الآية:4.