الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: منهج السلف في طلب مقاصد الشرع من الأحكام
لم يمرّ السلف بتطوّرات الزمان، ولا بما حدث في الأجيال التي تَلَتْهم من قواعد وأصول، وطرق وضوابط. لكنهم رغم ذلك أسهموا بما أتيح لهم من أنظار واجتهادات، في التعرف على المقاصد الشرعية وتعيينها. وصف الشيخ ابن عاشور مذهبَهم بقوله أولَ الفصل الرابع من القسم الأول، معتذراً عن عدم عدّ محاولاتِهم طرائقَ فى الغرض: وهذا المبحث يُنزَّل منزلةَ طريق من طرق إثبات المقاصد الشرعية، ولكنّي لم أعدّه في عدادها، من حيث إنّي لم أجد حجّة في كل قول من أقوال السلف، فبعضها غير مُصرِّحٍ صاحبُه بأنه راعى في كلامه المقصد، وبعضُها فيه التصريح أو ما يقاربه، ولكنه لا يعدّ بمفرده حجّة؛ لأن قصاراه أنه رأي من صاحبه في فهم مقصد الشريعة (1).
وذكر المؤلّف في هذا أمثلة استقرأها من الشريعة، وهي من جملتها تقتضي وجوب اعتبار المقاصد الشرعية. ومن هذه الأمثلة:
ترك الصحابة المحاقلة لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
والنهي عن التختم بالذهب، لما في ذلك من حبس العين عن التداول. وقال العلماء: نهيُ الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا نهيُ تنزيه لا نهيَ تحريم (2).
(1) المقاصد: 66.
(2)
المقاصد: 67 - 69.
ولم يثبت عند مالك حديث خيار المجلس لمنافاته البتّ في العقود، ولاعتباره الافتراق في الحديث افتراقاً في القول عند صياغة إنشاء البيع (1).
وَرَدَّ مالكٌ حديثَ المصرّاة، لمعارضة خبر الواحد القاعدةَ الشرعية: لا خراجَ إلا بالضمان، وأن مُتلف الشيء يَغرم مثلَه أو قيمته (2).
ومثلُ هذا نهيُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تخمير المحرم وجهه، ونهيُه في الذي وقصته الدابة فمات عن أن يُمسَّ بطيب. وفي موضوع الحديث الأول قال مالك: وإنما يعمل الرجل ما دام حياً، فإذا مات فقد انقضى العمل؛ وفي الثاني قال الشيخ ابن عاشور: الظاهر أن الراوي اشتبه عليه قوله: "لا تمسّوه بطيب" بأنه لأجل الميت، وإنما هو لأجل الأحياء الذين معه، أو هي خصوصية (3).
ومن الباب أمر النبي صلى الله عليه وسلم سهلةَ بنتَ سهيل زوجَ أبي حذيفة بإرضاع متبنّاها سالماً خمس رضعات فيحرم بلبنها. وذلك لِما وجدت من الحرج في منعه من الدخول عليها، وقد ضمهم سقف واحد. وعملت بهذا عائشة، ورأته بقيةُ أزواجه صلى الله عليه وسلم رخصةً في رضاعة سالم وحده. وهذا ما أقرّه عمر بن الخطاب وابن مسعود اللذان لا يريان الرضاعة إلا للصغير في الحولين (4).
* * * * *
(1) المقاصد: 69.
(2)
المقاصد: 73، 74.
(3)
المقاصد: 75 - 77.
(4)
المقاصد: 77، 78.