المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تولية القاضي: لعلو منزلة القضاء، وجعله أمانة في المجتمعات الإنسانية ولها، - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَيْنَ عِلْمَيِّ أصُوْل الْفِقْهومَقَاصِد الشَّرِيْعَةِ الإسْلاميَّةِ

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد لمقاصد الشريعة

- ‌الباب الأولقضايا ذات صلة بالفقه وبعلمي أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفصل الأول: بين الفقه وأصول الفقه ومقاصد الشريعة

- ‌ الفقه

- ‌علم أصول الفقه:

- ‌علم مقاصد الشريعة:

- ‌الفصل الثاني: قضايا أصولية وكلامية

- ‌قطعيّة أدلةِ علم أصول الفقه وظنّيّتها:

- ‌من أسباب ظنّية علم الأصول:

- ‌أ - الأحوال العارضة للنصوص:

- ‌اختلاف أنواع الدلالة:

- ‌أنواع المفاهيم:

- ‌تباين المحكم والمتشابه:

- ‌خبر الآحاد:

- ‌الإجماع وأنواعه:

- ‌ب -‌‌ التعليل، والعلة، والتعبّدي:

- ‌ التعليل

- ‌العلَّة:

- ‌شروط العلة:

- ‌التعليل عند المتكلمين:

- ‌رد الشيخ ابن عاشور على الأشاعرة:

- ‌الوجوب والغرض:

- ‌رد الجويني على الأشاعرة:

- ‌الأصوليون والتعليل:

- ‌العول:

- ‌أهميّة التعليل:

- ‌إصرار ابن حزم على رأيه واستدلاله على صحّة موقفه:

- ‌التعبّدي:

- ‌حكم القياس:

- ‌العمل بالقياس:

- ‌القياس بين المثبتين والنُّفاة:

- ‌مجالات الإثبات والإنكار للقياس:

- ‌القياس عند الظاهرية:

- ‌حجية القياس: أدلة المثبتين:

- ‌أدلة نفاة القياس:

- ‌الباب الثانيمع روّاد علم أصول الفقه وعلم مقاصد الشريعة

- ‌الفصل الأول: من طلائع الأصوليين وعلماء المقاصد

- ‌1 - الجويني: البرهان:

- ‌2 - الغزالي: شفاء الغليل، المنخول، المستصفى:

- ‌3 - العز بن عبد السلام: القواعد:

- ‌4 - القرافي: الفروق:

- ‌الفصل الثاني: موضوعات من علم المقاصد في كتب جماعة من الفقهاء

- ‌(1) المقاصد وكتاب الفروق للإمام القرافي:

- ‌الموضع الأول: انتصاب الشارع للتشريع:

- ‌الموضع الثاني: الحقوق وإسقاطها:

- ‌الموضع الثالث: نوط الأحكام الشرعية بمعانٍ وأوصاف لا بأسماء وأشكال:

- ‌الموضع الرابع: سدّ الذرائع:

- ‌الموضع الخامس: نفوذ الشريعة:

- ‌(2) المقاصد وكتاب نفائس الأصول:

- ‌(3) المقاصد وكتاب تنقيح الفصول:

- ‌الشاطبي وكتاب الموافقات:

- ‌ رأي ابن عاشور في عمل الشاطبي

- ‌تأييد ابن عاشور للشاطبي في بيان قصد الشارع من التكليف:

- ‌انصباب تكاليف الشريعة على العبادات والمعاملات والعادات:

- ‌مناقشة الشاطبي قوله بقطعيّة الأدلة:

- ‌تعريف الشيخ ابن عاشور بأنواع المصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا:

- ‌تقسيم التكاليف إلى عزائم ورخص:

- ‌التحيّل:

- ‌الفصل الثالث: المقاصد العامة والمصالح

- ‌الفطرة:

- ‌السماحة:

- ‌ المساواة

- ‌موانع المساواة:

- ‌الحرية:

- ‌تشوف الشارع للحرية:

- ‌تعريف المصلحة والمفسدة:

- ‌المصلحة والمفسدة محضتان خالصتان ومشوبتان مختلطتان:

- ‌الفصل الرابع: ضوابط المقاصد وأقسامها

- ‌القسم الأول من المقاصد:

- ‌المقاصد بين كلية وجزئية:

- ‌المقاصد بين قطعيّة وظنيّة:

- ‌المقاصد الأصلية والمقاصد التابعة:

- ‌المقاصد والوسائل:

- ‌الفصل الخامس: بحث المقاصد في أطراف الكتاب

- ‌الباب الثالثفي إثبات مقاصد التشريع الإسلامي وحاجة الفقهاء إلى معرفتها والوقوف عليها

- ‌توطئة

- ‌الفصل الأول: منهج السلف في طلب مقاصد الشرع من الأحكام

- ‌الفصل الثاني: الأنحاء الخمسة لتصرّفات الفقهاء في طلب المقاصد

- ‌الفصل الثالث: من طرق إثبات المقاصد الشرعية

- ‌الفصل الرابع: في القواعد الشرعية

- ‌الكليات:

- ‌الطريق الممهِّدة للتعرّف الدقيق على المقاصد وتعيينها:

- ‌القواعد والضوابط لمعرفة الأحكام وتعيين المقاصد:

- ‌الباب الرابعأمثلة للمقاصد مستخرجة من كتب المؤلف:

- ‌الفصل الأول: أمثلة للمقاصد الشرعية المستخرجة من التحرير والتنوير

- ‌المثال الأول: النبي الأمي صلى الله عليه وسلم

- ‌الْمَعْرُوفِ}

- ‌الطيبات:

- ‌الرحمة:

- ‌المثال الثاني: ضرب المرأة:

- ‌المثال الثالث: الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد:

- ‌المثال الرابع: مثال من كتاب النظر الفسيح: حديث الوصيّة

- ‌المثال الخامس: مثال من كتاب كشف المُغطَّى: حديث بيع الخيار

- ‌الباب الخامسمنهجية الشيخ ابن عاشور في كتاب المقاصد

- ‌الفصل الأول: أسس النظر في المقاصد والأحكام

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌من صفات الشريعة رفع خلط الاعتبارات بالأوهام:

- ‌الخطاب الشرعي أو النصوص التشريعية:

- ‌الفصل الثاني: منهج الشيخ ابن عاشور في تقريراته وفي تناوله لبعض متممات الخطاب

- ‌التفصيل والتقسيم:

- ‌الضوابط والشروط:

- ‌التقرير والتقعيد:

- ‌الأسباب:

- ‌إعمال النظر الشرعي طلباً لتحديد الأحكام:

- ‌الاستدلال:

- ‌المقام والسياق:

- ‌الاستقراء:

- ‌تنوُّع الأحكام بين التعبّدي والمُعلَّل:

- ‌تعقيبات الإمام ابن عاشور ومناقشاته:

- ‌الفصل الثالث: مع فقهاء الشريعة الإسلامية

- ‌1 - التضييق في الرخص:

- ‌2 - تعارض الروايات:

- ‌3 - الإجماعُ:

- ‌4 - اختلاف الفقهاء:

- ‌5 - من صور اختلاف الفقهاء:

- ‌توجيه وتنبيه:

- ‌التنبيهات:

- ‌6 - المقادير:

- ‌7 - المصطلحات الشرعية:

- ‌من المصطلحات:

- ‌المنهج:

- ‌المسائل والأحكام في "مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌القواعد والمقاصد باعتبار ما ينبني عليها، أو ما تدعو إليه من ترتيبات وتصرفات:

- ‌القسم الأول: يتضمن جملة من القواعد والمقاصد:

- ‌القسم الثاني: استنباط الأحكام من القواعد العامة:

- ‌القضاء بالعوائد:

- ‌الأوصاف الطردية:

- ‌ترجيح المصلحة الكبرى:

- ‌العمل بالمصلحة المرسلة:

- ‌القسم الثالث: موضوعات ذات صلة بالأصول والمقاصد للإمام عليها ملاحظات أو له بشأنها اقتراحات:

- ‌الباب السادسمصادر التشريع

- ‌الكتاب:

- ‌السُّنة:

- ‌الإجماع:

- ‌القياس:

- ‌أنواع القياس:

- ‌أقيسة الاستدلال:

- ‌جريان القياس:

- ‌المصلحة المرسلة:

- ‌الاستحسان:

- ‌سدّ الذرائع:

- ‌الحيلة:

- ‌أركان الحيلة:

- ‌أنواع التحيّل:

- ‌الباب السابعتوجه الأحكام التشريعية إلى المعاملات وتعيين الحقوق لأنواع مستحقيها

- ‌توطئة

- ‌الفصل الأول: الحقوق وأنواعها

- ‌تعيين مستحقي الحقوق يرفع أسباب النزاع:

- ‌أصحاب الاستحقاق:

- ‌حقوق العمال:

- ‌القواعد العامة لقيام المجتمعات الإنسانية:

- ‌الفصل الثاني: مقاصد العائلة في الشريعة

- ‌آصرة النكاح:

- ‌ آصرة النسب

- ‌آصرة الصهر:

- ‌طرق انحلال الأواصر الثلاث:

- ‌الفصل الثالث: الأموال

- ‌ تعريف المال:

- ‌ أنواع المال:

- ‌ أقسام المال في الملكية:

- ‌ الفوارق بين الأموال العينية والنقدية:

- ‌ المقايضة

- ‌النقود

- ‌من النقود السلعية إلى النقود المعدنية:

- ‌رأي الغزالي والمقريزي في النقدين:

- ‌النقود عند ابن القيم وابن عابدين:

- ‌أنواع النقود:

- ‌النقود المساعدة:

- ‌الفصل الرابع: مقاصد التصرّفات المالية ونظر الشريعة في أهمية الأموال

- ‌من مقاصد المعاملات المالية

- ‌أ - مصارف المال: البرّ، والصدقات، والزكاة:

- ‌الزكاة:

- ‌ب - التملُّك والتكسُّب:

- ‌1 - الأسباب المشروعة وغير المشروعة للتملك:

- ‌2 - أصول التكسّب:

- ‌ الأرض

- ‌ العمل:

- ‌ أنواع العمل:

- ‌ اختيار المسؤولين والعمال:

- ‌ج - رأس المال:

- ‌د - مجالات التكسب:

- ‌ التجارة

- ‌ الفلاحة:

- ‌ الصناعة:

- ‌ الاحتكار:

- ‌ الرواج:

- ‌استنفادُ بعض الثروة:

- ‌من أحكام المعاوضات:

- ‌توسيع الدراسات الفقهية:

- ‌الفصل الخامس: العقود

- ‌المجموعة الأولى: عقود التمليك:

- ‌التبرعات:

- ‌الرهن:

- ‌الوقف:

- ‌الهبة:

- ‌المجموعة الثانية: عقود المعاوضات:

- ‌البيع:

- ‌الإجارة:

- ‌السَّلَم:

- ‌المجموعة الثالثة: عقود المشاركة أو الشركات القائمة على عمل الأبدان:

- ‌ المضاربة

- ‌المساقاة:

- ‌المزارعة:

- ‌المغارسة:

- ‌تحريم المعاملات الربوية كلها:

- ‌العقود المنهي عنها:

- ‌بيع حاضرٍ لبادٍ ممن لا يعرف الأسعار، ومن كل وارد على مكان وإن كان من مدينة:

- ‌تلقي الركبان

- ‌البيع وقت النداء لصلاة الجمعة:

- ‌البيع والشرط وهو ما يسميه الفقهاء بيع الثُّنْيَا وبيع الوفاء:

- ‌الفصل السادس: مسائل مختلفة

- ‌تصرّفات المكلفين وأفعالهم، وما يترتب عليها من تشاريع وأحكام تناط بها أغراض الشارع ومقاصده

- ‌أثر المقاصد والمصالح في التشاريع والأحكام التي تحكم تصرّفات المكلفين:

- ‌جواز كراء الأرض بالخارج منها:

- ‌الفصل السابع: بيان طرق الاستدلال على مقاصد الشريعة

- ‌طرق التعرف إلى المقاصد:

- ‌دلالات المقاصد:

- ‌الرخصة:

- ‌الإصلاح والمصلحة:

- ‌الباب الثامنمقاصد أحكام القضاء والشهادة

- ‌توطئة

- ‌تولية القاضي:

- ‌عزل القاضي:

- ‌الباب التاسعالغرض من مقاصد الشريعة

- ‌مع علم مقاصد الشريعة:

- ‌النزوع إلى التجديد عند ابن عاشور وغيره من العلماء:

- ‌أول المجددين للدين في نظر صاحب المقاصد هو الإمام مالك بن أنس:

- ‌إمام الحرمين:

- ‌التطوّر والتجديد:

- ‌التجديد بين اتجاهين تحيط بهما محاذير:

- ‌المحاذير من التجديد:

- ‌التراث عروبة وإسلام:

- ‌تصورات للتجديد:

- ‌الباب العاشرالاجتهاد

- ‌الفصل الأول: مقدمات في الاجتهاد

- ‌واجب الاجتهاد:

- ‌إعادة النظر في قضايا اجتهادية:

- ‌الإجراءات الشرعية:

- ‌الفصل الثاني: عالميّة الشريعة والعمل بها

- ‌عالمية الشريعة وأسباب العمل بها:

- ‌العمل بالشريعة:

- ‌الفصل الثالث: بعض ما يحتاج إلى إعادة النظر فيه من الأحكام

- ‌مسائل بيع الطعام:

- ‌المُقاصّة:

- ‌بيوع الآجال:

- ‌كراء الأرض بما يخرج منها:

- ‌الشفعة في خصوص ما يقبل القسمة:

- ‌الفصل الرابع: الدعوة إلى إقامة مجمع للفقه الإسلامي

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ ‌تولية القاضي: لعلو منزلة القضاء، وجعله أمانة في المجتمعات الإنسانية ولها،

‌تولية القاضي:

لعلو منزلة القضاء، وجعله أمانة في المجتمعات الإنسانية ولها، ولاعتبارهم القاضي أهم أركان القضاء، إذ في صلاحه وكماله صلاح بقية ما يحفّ به من أحوال كما قدمنا. تعرض أكثر الفقهاء في كتبهم، في أبواب القضاء والشهادات، وفي مصنفاتهم الخاصة بهذه المرتبة السنية وهي أدب القاضي، إلى ذكر جملة من الصفات أو الشروط التي يلتزمون بها في تولية القضاة.

فمن جملة النصوص المعرّفة بواجب الولاة في اختيار مَن يصلح لهذا المهم الذي يتوقّف عليه تبيين الحقوق وإسنادها إلى مستحقيها، قول الإمام ابن تيمية: يجب على ولي الأمر البحث عن المستحقين للولايات، من نوابه على الأمصار من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان والقضاة .. فيجب على كل من ولي شيئاً من أمر المسلمين، من هؤلاء وغيرهم أن يستعمل، فيما تحت يده في كل موضع، أصلحَ من يقدر عليه (1).

وقد تتبعنا أقوال الأئمة في كثير من المذاهب فوجدناها تشترط لولاية القضاء شروطاً صحيحة متفقاً عليها إجمالاً. وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، وسلامة الحواس، والعلم بالأحكام الشرعية، والعدالة. وشروط مختلف فيها كالذكورة، والاجتهاد.

ولم يكن يعنينا في هذا المحل غير شرط العلم الذي يتعين تحريره لضبط الرأي الشرعي فيه. ولا يتم ذلك إلا بالنظر في أحوال المجتهد والعالم والمقلِّد، والعامي أو الجاهل.

(1) السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: 2.

ص: 502

(1)

أما المجتهد فهو من يبذل الجهد في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها بالنظر المؤدّي إليها. ورجّح ابن السمعاني، على هذا التعريف، قولَ بعضهم في الاجتهاد: هو طلب الصواب بالأمارات الدالة عليه. فهو أليق بكلام الفقهاء. ووضع علماءُ الأصول شروطاً للمجتهد منها: الإسلام، والعلم باللسان وبالكتاب، وبالناسخ والمنسوخ، وبالسُّنة، ومواضع الإجماع، وأن يتوافر له صحة الفهم وحُسن التقدير، وسلامة الاعتقاد، وإخلاص النية.

والاجتهاد بالنسبة للقضاء يُطلق على المسلك الذي يتبعه القضاة في أحكامهم، سواء منها ما يتعلق بنصوص الشرع، أم باستنباط الحكم الواجب تطبيقه عند عدم النص، وخاصة في البلاد التي لها قانون مدوّن جامع. وإنما يتقيّد الحاكم باجتهاد المحاكم العليا التي تتقيد بدورها باجتهادها السابق. وتُمثل في الواقع هذه الاجتهادات العرف العام (1).

وقال العطار محدداً وظيفة الاجتهاد: لا يقبل الاجتهاد من المجتهد أو من غيره إلا إذا اتفق مع قواعد هذا المهم. ويحصر أدلة هذا العلم في أدلّة الأحكام الشرعية ومصادرها في القرآن والسُّنة والإجماع والقياس والاستحسان والعرف والمصلحة المرسلة والذرائع والاستصحاب وشرع مَن قبلنا (2).

(2)

وأما العالم المقلِّد الذي يُعدّ في الدرجة الثانية بعد المجتهد، فهو ضد الجاهل. دليل ذلك قوله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (3).

(1) د/ صبحي المحمصاني. فلسفة التشريع الإسلامي: 144.

(2)

عبد الناصر توفيق العطار. الوجيز في تاريخ القانون: 189 - 190.

(3)

سورة الزمر، الآية:9.

ص: 503

والعلم يُطلق على إدراك المسائل. ولهذا السبب قالوا: الفقه هو الفهم، ويُطلق على المسائل نفسها، وعلى الملكة الحاصلة للمتمرس به وبقضاياه. وعلى هذا النحو قالوا: العلم هو الوجود الذهني، إذ لا يعقل ما هو معدوم صِرف بحسب الخارج كالممتنعات (1).

واعتمد الماوردي على نفي مساواة العالم بغيره في الآية، لأنها وردت مورد الزجر، فأصبح الزجر أمراً في معنى الأمر بالعلم ونهياً عن الجهل.

وبحكم هذا التفسير أو الاتجاه في وصف القاضي يصبح المقصود من العلم العلمَ بأصول الأحكام التي نصّ عليها معاذ في حديث: "كيف قضيت"؟ (2).

وإذا كان العالِم المقلّد هنا هو الفقيه في اصطلاحاتنا الشرعية، فإن هذا الفقيه هو من يكون ذا علم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية، والفقه هو نفس هذه الأحكام التي نحتاج في معرفتها إلى التأمل والفهم، وبعضٍ من الاجتهاد وإعمال الرأي (3).

(3)

وأما العامي الذي يمكن اعتباره في الدرجة الثالثة بعد المجتهد والفقيه في بعض المذاهب، والذي قد تقتضي المصلحة وجودَه، فهو مَن لا يستطيع أن ينهض بأعباء القضاء على وجه قريب من المطلوب إلا بواسطة الاستشارة والجنوح إلى أقوال من سبقه من

(1) القنوجي: أبجد العلوم: 2، (21)، 1، 14.

(2)

الماوردي: أدب القاضي: 2/ 272.

(3)

د/ محمد سلام مدكور. مناهج الاجتهاد: 23 - 24.

ص: 504

الفقهاء والمفتين. وأكثر المذاهب لا تبيح تقليدَه خطة القضاء لأنها وإن صحّت نسبته إليها فإن جهله يحول دون قضائه بالحق، ويقع الحكم منه باطلاً من حيث لا يشعر. قال الماوردي: ويدخل في الوعيد لأنه قَضَى على جهل (1).

وبنظرة سريعة إلى المذاهب الأربعة يمكن التفريق بينها فى شأن العلم.

فالحنفية، وإن كانوا لا يعتبرون العلم شرطَ صحة في تولية القضاء بل شرطَ ندب واستحباب؛ منقسمون إلى فريقين:

الأول: يجيز تقليد العامي القضاء، لأنه قد يحكم بعلم غيره باعتماده في هذا المهم فتاوى وأحكام مَن تقدمه من القضاة فيقضي بها.

الثاني: لا يَقبل تقليدَ العامي القضاء بحال. فَتَوْلِيته وإن جازت شكلاً عند أصحاب الفريق الأول فلا ينبغي أن يتصرّف بحكم هذا التقليد في قضايا الناس، لما يترتب على تصرّفه هذا في الأحكام من إضرار بالمجتمع، وجور على الخلق. وهذا باطل شرعاً لا يقبل تبريراً، ولا يمكن القيام به لما فيه من ردٍّ وإبطال لحديث معاذ، ولمخالفته إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لمُعاذ، ورضاه بما ذكره من الأصول التي تبعها القاضي مطمئناً. فهو إما أن يحكم بالكتاب، وإما أن يحكم بالسُّنة، وإما بما يلتمسه من مصادر التشريع الأخرى. ولا يتأتّى هذا للعامي إذ هو مقطوع الصلة بهذه المصادر وبالوجوه الثلاثة من الحكم، فأين سبيله إليها؟!. وقد توعّد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النوع من

(1) أدب القاضي: 1/ 639.

ص: 505

المستخفِّين بحقوق الخلق قائلاً: "القضاة ثلاثة: قاضٍ في الجنة، وقاضيان في النار"(1). ويدل هذا على أن القضاء بغير علم مدرجة للحكم بالباطل، وللوقوع في الظلم ولو من غير شعور أو توقّع.

وقالت الشافعية: الشرائط المعتبرة في تولية القضاء عشرة. وذكروا منها الاجتهاد. والاجتهاد هو العلم بالكتاب والسُّنة والإجماع والقياس وأقوال العلماء ولسان العرب (2). فلو لم يصل القاضي باجتهاده إلى حكم الحادثة ففي جواز تقليده وجهان:

الأول: قول ابن سريح: يجوز أن يقلّد فيها للضرورة، ويحكم لأنه ما من عالِم إلا وتُشكل عليه أحكام بعض الحوادث.

الثاني: قول المروزي: لا يجوز أن يقلَّد في قضائه، ويستخلف عليها من يحكم باجتهاده، إن ضاق وقت الحادثة. وذلك الحاكم ملزَم، فلا يجوز أن يلزمه ما لا يعتقد لزومه.

قال المزني: قال الشافعي رحمه الله: ولا يشاوِرُ إذا نزل به المشكلُ إلا عالماً بالكتاب والسُّنة والآثار وأقاويل الناس والقياس ولسان العرب (3).

والمجتهد ثلاثة أقسام: مجتهدٌ مطلق، ومجتهدُ مذهب، ومجتهدُ فتوى.

واشترطت الحنابلة الاجتهاد أيضاً فيمن يلي رتبة القضاء، وأَوْلَوا الأمرَ أعدَلَ المقلِّدين وأعرَفَهم عند غياب المجتهد حتى لا

(1) دَ: 4/ 5؛ تَ: 3/ 613؛ جَه: 2/ 776.

(2)

الموسوعة الفقهية: 33/ 293.

(3)

الماوردي. الحاوي الكبير: 20/ 103.

ص: 506

تسقط الأحكام ولا يختلَّ النظام. واشترطوا في المجتهد أن يقتصر في الاجتهاد على مذهب إمامه للضرورة. فإن كان مقلداً جرى على نفس المهيع الذي عَمِل به الناس من مدة طويلة (1).

وذهبت المالكية إلى اشتراط العلم في تولية القاضي. وقالت: ينبغي أن يكون عالماً بالأحكام الشرعية التي ولي القضاء بها، ولو مقلداً لمجتهد على المعتمد، خلافاً لخليل (2).

وتوسّع الإمام الأكبر في بيان اشتراط العلم للقاضي في مذهبه عند المالكية وقال: الشرط الأول الاجتهاد إن وجد، وأن يكون صاحبه، أي المجتهد، مشتهراً بذلك، وسلّمت له مرتبة الاجتهاد من طائفة علماء عصره.

ثم عقّب على هذا الرأي بقوله:

(1)

إن العالِم المقلّد لمذهب مجتهد مشهور، العالِم بالأدلة لا يقصرُ في استحقاقه القضاء عن المجتهد. وولاية الفقيه المقلَّد إنما تكون للفقيه في المذهب الذي تقلّده الناس الذين يقضي بينهم.

(2)

وجوب استحضار القاضي للأحكام الشرعية في المسائل الكثيرة النزول، وأن يكون مقتدراً على الإطلاع على أحكام والنوازل ونوادرها، عند دعاء الحاجة إليها، بسهولة.

ونقل لنا الإمام بعد هذا عن ابن القاسم أنه لا يُستقضَى من ليس بفقيه. ومضى يصوّر درجات القضاة مومئاً إليها بعدُ بذكر ما يحصل للقاضي بها من العلم التام الكفيل بنجاحه في مهمته. فيروِي عن أصبغ وأشهب ومطرف وابن الماجشون: أنه لا يصلح أن يكون

(1) كشاف القناع: 6/ 295 - 296.

(2)

الدسوقي: 4/ 129؛ الشرح الصغير: 4/ 187.

ص: 507