الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أحكام المعاوضات:
وللمحافظة على مقصد الرواج شرعت عقود المعاملات التي منها ما هو من قبيل المعاوضات، ومنها ما هو من التبرّعات. فبهذه العقود يتمّ نقل الحقوق المالية وفق شروط وقوانين هي من هندسة الفقهاء الذين تدبّروا مصادر التشريع، وعلى الأخصّ المصدرين الأساسيين. وكان لهم من ذلك ما يسّر عليهم استنباط الأحكام ووضع القواعد والأصول، وضبط ما تقتضيه العقود من صور يتم عن طريقها مراعاة المصالح.
فمن هذه الأحكام ما تُواجه الشريعة به الشرّ، وتصدّ به الظلم. مثل ما وقع للمعاملات الربوية الممنوعة شرعاً، وكذلك البيوعات المتمثلة في كل ما دخلته جهالة بأحد العضوين أو اشتمل على غرر وغبن، أو كان حكراً من التصرّفات المالية والمعاملات يقف في وجه رواج السلع والبضائع. ومن صور ذلك نهيُ الشارع عن المزابنة. وهي ضربٌ من الربا.
وبيع الطعام بالطعام نسيئة كما ذكرنا قبل. وذلك لتفادي بقاءِ الطعام ديناً في الذمةِ، فيمنع ذلك رواجه. ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه وفيه حديث ابن عباس. ولفظه في البخاري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجُل طعامه حتى يستوفيه (1). وحديث ابن عمر: من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه (2)، ونهى الشارع عن بيع الغرر. ومثاله بيعُ الجنين في بطن أمه لحديث أبي سعيد الخدري: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع (3). وعلةُ النهي عن
(1) خ: 3/ 22 - 23.
(2)
م: 2/ 1165.
(3)
جه: 2/ 740.
هذا البيع الجهالة في صفته وحياته وكونُهُ غير مقدور التسليم.
ولذلك أبطل الشارع الغرر في المعاوضات، في كل تعاوضٍ يشتمل على خطر أو غررٍ في ثمن أو مثمن أو أجل.
ومن التشاريع الرفيقة بالناس ما علم الله أنها تساعدهم على الالتزام بالشريعة، وتيسر عليهم حياتهم، وتضمن لهم معاشهم، وتمكنهم من تحقيق ما ينفعهم من الرواج.
وسبيل ذلك إباحة التجارة في الحج، وتشريع عقود المعاملات. وهي من قسم الحاجي. وتلزم بحصول صيغها، وبالأقوال الدالة على التراضي فيها بين المتعاقدَين، وبالوفاء بما اتفقا عليه من شروط فيها مصلحة للطرفين.
وتجاوزت الشريعة عن الغرر الذي لا تخلو منه المقايضات في الغالب، أو الذي تقتضيه المطالب المجتمعية مما كان رفيقاً بالناس، مساعداً لهم على تحقيق مقاصدهم. وذلك كإباحة الشريعة المغارسة والسَّلَم والمزارعة والقراض.
وجعلِها اللزوم المترتّب على العقد غير جارٍ على عقود عمل الأبدان. وتركت لأصحاب هذه المعاملات التخيير، ولم تجعله مرتبطاً بالعقد ولكن بالشروع في العمل. ومن هذه العقود الجعل والقراض باتفاق بين الفقهاء، والمغارسة والمزارعة على خلاف بينهم. وأفتى الشيخ ابن عاشور بأن ما هو من أعمال الأبدان لا يلزم إلا بالشروع. وحصر ذلك القرافي في خمسة أنواع من العقود هي: الجعالة، والقراض، والمغارسة، والوكالة، وحكم الحاكم. فهذه لا تلزم بالعقد (1).
(1) الفروق: 4/ 13 - ف 209.
وجوّزت الشريعة بيع الطعام قبل قبضه في الشركة والتولية والإقالة. ولم تلزم بالتوثّق بالإشهاد في حالات من التعامل حرصاً على نفي العوائق عن طريق المتعاملين.
ومن الرفق في التشريع تجويز كراء الأرض لعد المنع من ذلك، وتشريع المعاملات كما في المغارسة والمساقاة، وفي البيوع على الأوصاف كبيع البرنامج.
ونظمت الشريعة المعاملات بين الناس وأقامتها على قانونٍ عدلٍ يضمن النتائج الصالحة لحياة ذوي المال وأصحاب الثروة. وهي لم تهمل جانب ما بعد الموت في التشريع، إذ تولى سبحانه قسمة الفرائض بنفسه، وشرّع الوصية للأقارب وغيرهم، حصرها في ثلث المال ولغير وارث. والحكمة من هذا التوزيع جعل مال الفرد آيلاً إلى قرابة صاحبه. وبه يكون عوناً على حفظ أموال الأسرة أو المجموعة. ولم تَحرِم الشريعة أولي الأرحام حقَّهم في المال والميراث. وسمى الله تعالى ذلك فريضة في قوله:{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (1).
وتوصف بالرواج الأموال التي يتعامل بها الناس. وقد تحول المجتمع البشري من التقايض بالأعيان إلى التعاوض بالنقد. ويبرر ذلك ما اشترطوه في الأموال من الرواج، وأن تكون قابلة للادخار، مرغوباً في تحصيلها، قابلة للتداول، محدودة المقدار.
وكان دور المحتسب في القديم إجراءاً إدارياً يحرص به على تطبيق ما تقدم الإلماع إليه من التشريعات. ومن دوره منع المتاجرين
(1) سورة النساء، الآية:11.