المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحريم المعاملات الربوية كلها: - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَيْنَ عِلْمَيِّ أصُوْل الْفِقْهومَقَاصِد الشَّرِيْعَةِ الإسْلاميَّةِ

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد لمقاصد الشريعة

- ‌الباب الأولقضايا ذات صلة بالفقه وبعلمي أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفصل الأول: بين الفقه وأصول الفقه ومقاصد الشريعة

- ‌ الفقه

- ‌علم أصول الفقه:

- ‌علم مقاصد الشريعة:

- ‌الفصل الثاني: قضايا أصولية وكلامية

- ‌قطعيّة أدلةِ علم أصول الفقه وظنّيّتها:

- ‌من أسباب ظنّية علم الأصول:

- ‌أ - الأحوال العارضة للنصوص:

- ‌اختلاف أنواع الدلالة:

- ‌أنواع المفاهيم:

- ‌تباين المحكم والمتشابه:

- ‌خبر الآحاد:

- ‌الإجماع وأنواعه:

- ‌ب -‌‌ التعليل، والعلة، والتعبّدي:

- ‌ التعليل

- ‌العلَّة:

- ‌شروط العلة:

- ‌التعليل عند المتكلمين:

- ‌رد الشيخ ابن عاشور على الأشاعرة:

- ‌الوجوب والغرض:

- ‌رد الجويني على الأشاعرة:

- ‌الأصوليون والتعليل:

- ‌العول:

- ‌أهميّة التعليل:

- ‌إصرار ابن حزم على رأيه واستدلاله على صحّة موقفه:

- ‌التعبّدي:

- ‌حكم القياس:

- ‌العمل بالقياس:

- ‌القياس بين المثبتين والنُّفاة:

- ‌مجالات الإثبات والإنكار للقياس:

- ‌القياس عند الظاهرية:

- ‌حجية القياس: أدلة المثبتين:

- ‌أدلة نفاة القياس:

- ‌الباب الثانيمع روّاد علم أصول الفقه وعلم مقاصد الشريعة

- ‌الفصل الأول: من طلائع الأصوليين وعلماء المقاصد

- ‌1 - الجويني: البرهان:

- ‌2 - الغزالي: شفاء الغليل، المنخول، المستصفى:

- ‌3 - العز بن عبد السلام: القواعد:

- ‌4 - القرافي: الفروق:

- ‌الفصل الثاني: موضوعات من علم المقاصد في كتب جماعة من الفقهاء

- ‌(1) المقاصد وكتاب الفروق للإمام القرافي:

- ‌الموضع الأول: انتصاب الشارع للتشريع:

- ‌الموضع الثاني: الحقوق وإسقاطها:

- ‌الموضع الثالث: نوط الأحكام الشرعية بمعانٍ وأوصاف لا بأسماء وأشكال:

- ‌الموضع الرابع: سدّ الذرائع:

- ‌الموضع الخامس: نفوذ الشريعة:

- ‌(2) المقاصد وكتاب نفائس الأصول:

- ‌(3) المقاصد وكتاب تنقيح الفصول:

- ‌الشاطبي وكتاب الموافقات:

- ‌ رأي ابن عاشور في عمل الشاطبي

- ‌تأييد ابن عاشور للشاطبي في بيان قصد الشارع من التكليف:

- ‌انصباب تكاليف الشريعة على العبادات والمعاملات والعادات:

- ‌مناقشة الشاطبي قوله بقطعيّة الأدلة:

- ‌تعريف الشيخ ابن عاشور بأنواع المصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا:

- ‌تقسيم التكاليف إلى عزائم ورخص:

- ‌التحيّل:

- ‌الفصل الثالث: المقاصد العامة والمصالح

- ‌الفطرة:

- ‌السماحة:

- ‌ المساواة

- ‌موانع المساواة:

- ‌الحرية:

- ‌تشوف الشارع للحرية:

- ‌تعريف المصلحة والمفسدة:

- ‌المصلحة والمفسدة محضتان خالصتان ومشوبتان مختلطتان:

- ‌الفصل الرابع: ضوابط المقاصد وأقسامها

- ‌القسم الأول من المقاصد:

- ‌المقاصد بين كلية وجزئية:

- ‌المقاصد بين قطعيّة وظنيّة:

- ‌المقاصد الأصلية والمقاصد التابعة:

- ‌المقاصد والوسائل:

- ‌الفصل الخامس: بحث المقاصد في أطراف الكتاب

- ‌الباب الثالثفي إثبات مقاصد التشريع الإسلامي وحاجة الفقهاء إلى معرفتها والوقوف عليها

- ‌توطئة

- ‌الفصل الأول: منهج السلف في طلب مقاصد الشرع من الأحكام

- ‌الفصل الثاني: الأنحاء الخمسة لتصرّفات الفقهاء في طلب المقاصد

- ‌الفصل الثالث: من طرق إثبات المقاصد الشرعية

- ‌الفصل الرابع: في القواعد الشرعية

- ‌الكليات:

- ‌الطريق الممهِّدة للتعرّف الدقيق على المقاصد وتعيينها:

- ‌القواعد والضوابط لمعرفة الأحكام وتعيين المقاصد:

- ‌الباب الرابعأمثلة للمقاصد مستخرجة من كتب المؤلف:

- ‌الفصل الأول: أمثلة للمقاصد الشرعية المستخرجة من التحرير والتنوير

- ‌المثال الأول: النبي الأمي صلى الله عليه وسلم

- ‌الْمَعْرُوفِ}

- ‌الطيبات:

- ‌الرحمة:

- ‌المثال الثاني: ضرب المرأة:

- ‌المثال الثالث: الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد:

- ‌المثال الرابع: مثال من كتاب النظر الفسيح: حديث الوصيّة

- ‌المثال الخامس: مثال من كتاب كشف المُغطَّى: حديث بيع الخيار

- ‌الباب الخامسمنهجية الشيخ ابن عاشور في كتاب المقاصد

- ‌الفصل الأول: أسس النظر في المقاصد والأحكام

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌من صفات الشريعة رفع خلط الاعتبارات بالأوهام:

- ‌الخطاب الشرعي أو النصوص التشريعية:

- ‌الفصل الثاني: منهج الشيخ ابن عاشور في تقريراته وفي تناوله لبعض متممات الخطاب

- ‌التفصيل والتقسيم:

- ‌الضوابط والشروط:

- ‌التقرير والتقعيد:

- ‌الأسباب:

- ‌إعمال النظر الشرعي طلباً لتحديد الأحكام:

- ‌الاستدلال:

- ‌المقام والسياق:

- ‌الاستقراء:

- ‌تنوُّع الأحكام بين التعبّدي والمُعلَّل:

- ‌تعقيبات الإمام ابن عاشور ومناقشاته:

- ‌الفصل الثالث: مع فقهاء الشريعة الإسلامية

- ‌1 - التضييق في الرخص:

- ‌2 - تعارض الروايات:

- ‌3 - الإجماعُ:

- ‌4 - اختلاف الفقهاء:

- ‌5 - من صور اختلاف الفقهاء:

- ‌توجيه وتنبيه:

- ‌التنبيهات:

- ‌6 - المقادير:

- ‌7 - المصطلحات الشرعية:

- ‌من المصطلحات:

- ‌المنهج:

- ‌المسائل والأحكام في "مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌القواعد والمقاصد باعتبار ما ينبني عليها، أو ما تدعو إليه من ترتيبات وتصرفات:

- ‌القسم الأول: يتضمن جملة من القواعد والمقاصد:

- ‌القسم الثاني: استنباط الأحكام من القواعد العامة:

- ‌القضاء بالعوائد:

- ‌الأوصاف الطردية:

- ‌ترجيح المصلحة الكبرى:

- ‌العمل بالمصلحة المرسلة:

- ‌القسم الثالث: موضوعات ذات صلة بالأصول والمقاصد للإمام عليها ملاحظات أو له بشأنها اقتراحات:

- ‌الباب السادسمصادر التشريع

- ‌الكتاب:

- ‌السُّنة:

- ‌الإجماع:

- ‌القياس:

- ‌أنواع القياس:

- ‌أقيسة الاستدلال:

- ‌جريان القياس:

- ‌المصلحة المرسلة:

- ‌الاستحسان:

- ‌سدّ الذرائع:

- ‌الحيلة:

- ‌أركان الحيلة:

- ‌أنواع التحيّل:

- ‌الباب السابعتوجه الأحكام التشريعية إلى المعاملات وتعيين الحقوق لأنواع مستحقيها

- ‌توطئة

- ‌الفصل الأول: الحقوق وأنواعها

- ‌تعيين مستحقي الحقوق يرفع أسباب النزاع:

- ‌أصحاب الاستحقاق:

- ‌حقوق العمال:

- ‌القواعد العامة لقيام المجتمعات الإنسانية:

- ‌الفصل الثاني: مقاصد العائلة في الشريعة

- ‌آصرة النكاح:

- ‌ آصرة النسب

- ‌آصرة الصهر:

- ‌طرق انحلال الأواصر الثلاث:

- ‌الفصل الثالث: الأموال

- ‌ تعريف المال:

- ‌ أنواع المال:

- ‌ أقسام المال في الملكية:

- ‌ الفوارق بين الأموال العينية والنقدية:

- ‌ المقايضة

- ‌النقود

- ‌من النقود السلعية إلى النقود المعدنية:

- ‌رأي الغزالي والمقريزي في النقدين:

- ‌النقود عند ابن القيم وابن عابدين:

- ‌أنواع النقود:

- ‌النقود المساعدة:

- ‌الفصل الرابع: مقاصد التصرّفات المالية ونظر الشريعة في أهمية الأموال

- ‌من مقاصد المعاملات المالية

- ‌أ - مصارف المال: البرّ، والصدقات، والزكاة:

- ‌الزكاة:

- ‌ب - التملُّك والتكسُّب:

- ‌1 - الأسباب المشروعة وغير المشروعة للتملك:

- ‌2 - أصول التكسّب:

- ‌ الأرض

- ‌ العمل:

- ‌ أنواع العمل:

- ‌ اختيار المسؤولين والعمال:

- ‌ج - رأس المال:

- ‌د - مجالات التكسب:

- ‌ التجارة

- ‌ الفلاحة:

- ‌ الصناعة:

- ‌ الاحتكار:

- ‌ الرواج:

- ‌استنفادُ بعض الثروة:

- ‌من أحكام المعاوضات:

- ‌توسيع الدراسات الفقهية:

- ‌الفصل الخامس: العقود

- ‌المجموعة الأولى: عقود التمليك:

- ‌التبرعات:

- ‌الرهن:

- ‌الوقف:

- ‌الهبة:

- ‌المجموعة الثانية: عقود المعاوضات:

- ‌البيع:

- ‌الإجارة:

- ‌السَّلَم:

- ‌المجموعة الثالثة: عقود المشاركة أو الشركات القائمة على عمل الأبدان:

- ‌ المضاربة

- ‌المساقاة:

- ‌المزارعة:

- ‌المغارسة:

- ‌تحريم المعاملات الربوية كلها:

- ‌العقود المنهي عنها:

- ‌بيع حاضرٍ لبادٍ ممن لا يعرف الأسعار، ومن كل وارد على مكان وإن كان من مدينة:

- ‌تلقي الركبان

- ‌البيع وقت النداء لصلاة الجمعة:

- ‌البيع والشرط وهو ما يسميه الفقهاء بيع الثُّنْيَا وبيع الوفاء:

- ‌الفصل السادس: مسائل مختلفة

- ‌تصرّفات المكلفين وأفعالهم، وما يترتب عليها من تشاريع وأحكام تناط بها أغراض الشارع ومقاصده

- ‌أثر المقاصد والمصالح في التشاريع والأحكام التي تحكم تصرّفات المكلفين:

- ‌جواز كراء الأرض بالخارج منها:

- ‌الفصل السابع: بيان طرق الاستدلال على مقاصد الشريعة

- ‌طرق التعرف إلى المقاصد:

- ‌دلالات المقاصد:

- ‌الرخصة:

- ‌الإصلاح والمصلحة:

- ‌الباب الثامنمقاصد أحكام القضاء والشهادة

- ‌توطئة

- ‌تولية القاضي:

- ‌عزل القاضي:

- ‌الباب التاسعالغرض من مقاصد الشريعة

- ‌مع علم مقاصد الشريعة:

- ‌النزوع إلى التجديد عند ابن عاشور وغيره من العلماء:

- ‌أول المجددين للدين في نظر صاحب المقاصد هو الإمام مالك بن أنس:

- ‌إمام الحرمين:

- ‌التطوّر والتجديد:

- ‌التجديد بين اتجاهين تحيط بهما محاذير:

- ‌المحاذير من التجديد:

- ‌التراث عروبة وإسلام:

- ‌تصورات للتجديد:

- ‌الباب العاشرالاجتهاد

- ‌الفصل الأول: مقدمات في الاجتهاد

- ‌واجب الاجتهاد:

- ‌إعادة النظر في قضايا اجتهادية:

- ‌الإجراءات الشرعية:

- ‌الفصل الثاني: عالميّة الشريعة والعمل بها

- ‌عالمية الشريعة وأسباب العمل بها:

- ‌العمل بالشريعة:

- ‌الفصل الثالث: بعض ما يحتاج إلى إعادة النظر فيه من الأحكام

- ‌مسائل بيع الطعام:

- ‌المُقاصّة:

- ‌بيوع الآجال:

- ‌كراء الأرض بما يخرج منها:

- ‌الشفعة في خصوص ما يقبل القسمة:

- ‌الفصل الرابع: الدعوة إلى إقامة مجمع للفقه الإسلامي

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌تحريم المعاملات الربوية كلها:

منوطة بأسباب، وما جعلت الأسباب إلّا لاشتمالها على الحكم والمصالح. فيكون في إلغائها تفريغها من حكمة التشريع التي عني بها الشارع وهذا أول الطريق في خرق الأحكام والاختلاف بها عن المنهج الشرعي الموثوق به".

‌تحريم المعاملات الربوية كلها:

إذا كان الشرع بحكمته قد أحلّ ما أحلّ من بيوعات ومعاملات كثيرة، وسمحَ ببعض ما كان أصله المنع رفعاً للمشقة ودفعاً للضرورة، فأباحه وأبطل ما سوى ذلك من أنواع التصرّفات المالية والمداينات القائمة على الأثرة والظلم والاستغلال، أو المجافية لروح الشريعة، ولما تقتضيه الحكمة النظرية العقلية السليمة. فقد صدع القرآن بالحق والعدل، وجاء بالحكم الفصل في هذه المعاملات، وبالتحذير والوعيد لمن يخالف أمر الله فيها {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1).

والربا: مطلق الزيادة. وفي اصطلاح الفقهاء: الزيادة المشروطة في أموال مخصوصة، في عقود مخصوصة، وفي حالات مخصوصة. وهو سبب في انقطاع المعروف بين الناس لتعطيل القروض. وبتحريم الربا تطيب النفوس بقرض الدراهم للمحتاج واسترجاع مثلها من غير زيادة ابتغاء للأجر من الله.

(1) سورة البقرة، الآية:275.

ص: 459

وقد جاءت أحاديث كثيرة في تحريم الربا، منها:

(1)

حديث أبي سعيد الخدري: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمِثل يداً بيد. فمن زاد أو استزاد فقد أربى، والآخذ والمعطي في ذلك سواء"(1).

(2)

حديث عبادة بن الصامت: "الذهب بالذهب تِبرُها وعَينُها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبُر بالبر مُدْيٌ بمُدْي، والشعير بالشعير مُدي بمُدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، والملح بالملح مُدْي بمُدْي. فمن زاد أو ازداد فقد أربى. ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البُر بالشعير والشعير أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا"(2).

(3)

سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاضل في بيع الطعام صاعين بصاع ربا. وقال لبلال: "أوّه أوّه، عين الربا، عين الربا! لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبع ببيع آخر ثم اشترِ به"(3).

(4)

ومثل هذا الحديث ما أثبتناه من رواية أبي هريرة من نهيه صلى الله عليه وسلم عن أخذ الصاع بالصاعين من الجمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتعْ بالدراهم جنيباً"(4).

(5)

حديث عائشة. قالت: لما أُنزلت هذه الآيات من آخر البقرة في الربا قرأها النبي صلى الله عليه وسلم. ومن هديه تحريم التجارة في الخمر (5).

(1) الكتاب 22، الباب 15، ح 820، مَ: 2/ 1211.

(2)

17 كتاب البيوع والإجارات، 12 باب الطرف. دَ: 3/ 643، عدد 3349.

(3)

خَ: 3/ 64 - 65.

(4)

انظر المقاصد: 479، 480.

(5)

خَ: 1/ 112.

ص: 460

(6)

حديث مالك. إن امرأة قالت: وفدت من المدينة إلى الكوفة فلقيت عائشة فأخبرتها أنها باعت من زيد بن أرقم في الكوفة جارية بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم إن زيداً باع الجارية فاشترتها المرأة منه بستمائة نقداً. فقالت لها عائشة: بئسما شريت وما اشتريت. أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب. قالت: فقلت لها: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ قالت عائشة: نعم فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف، فجعلته عائشة من الربا ولذلك تلت الآية (1).

وقد اعتمد الفقهاء على الآية وعلى هذه الآحاديث فأثبتوا أن الربا ثلاثة أنواع في اصطلاح الشرع:

(1)

ربا الجاهلية. وهو الزيادة على الدين لأجل التأخير.

(2)

ربا الفضل. وهو الزيادة في أحد العوضين في بيع الصنف بصنفه من الأصناف الستة المذكورة.

(3)

ربا النسيئة. وهو بيع شيء من تلك الأصناف بمثله مؤخراً.

(4)

وأضافت المالكية: ما يؤول إلى واحد من الأصناف بتهمة التحيّل على الربا. وهو المعروف ببيوع الآجال.

(5)

وأضاف ابن العربي نوعاً خامساً يشمل كل بيع فاسد.

قال الإمام الأكبر معقباً على هذه الأنواع الربوية المأخوذة من السُّنة: إن أظهر المذاهب في هذا هو مذهب ابن عباس، وإن أحاديث ربا الفضل تحمل على حديث أسامة:"إنما الربا في النسيئة"(2)

(1) سورة البقرة، الآية:275. أخرج هذا الأثر عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عائشة. السيوطي. الدر المنثور: 2/ 105.

(2)

34 كتاب البيوع، 79 باب بيع الدينار بالدينار. خَ: 3/ 31.

ص: 461

ليجمع بين الحديثين. وتسمية التفاضل بالربا في حديثي أبي سعيد وعبادة دليل على ما قلناه. وإن ما رعاه مالك من إبطال ما يفضي إلى التعامل بالربا إن صدر من مواقع التهمة رعي حسن، وما عداه إغراق في الاحتياط. وقد يؤخذ من بعض أقوال مالك في الموطأ وغيره أن انتفاء التهمة لا يبطل العقد (1).

ولا تمسك في نحو حديث عائشة في زيد بن أرقم لأن المسلمين في أمرهم الأول كانوا قريبي عهد بربا الجاهلية. فكان حالهم مقتضياً لسدّ الذرائع. وربا الجاهلية المحرّم لذاته لا يباح إلا للضرورة التي تبيح أكل الميتة.

وقال ابن عرفة: إن ما يحرم به فضل القدر والنَّساء هو عوض متحدي جنس الذهب أو الفضة، وربوي الطعام، وإن ما يحرم فيه النَّساء فقط هو عوض اختلف في جنسه، أو الذهب والفضة. وباتخاذ العوضين في درجة الطيب من الطعام تحصل المماثلة، فلا يجوز بيع فريك الحنطة بيابسها، ولا السمن بالزبد متماثلاً ولا متفاضلاً (2).

واعتقادي أنه لا يجوز التصرّف بسرعة وارتجال في إلحاق عدد كبير من المبادلات المالية بما تقرَّر حظرُه ومنعُه. فإن للفقهاء في بعض هذه المعاملات توقفاً أو خلافاً. فما كان من العقود لا ينطبق عليه النهي الوارد من الشارع دخل باتفاق في دائرة المعاملات المشروعة، وما اختلفت فيه وجهة النظر من حيث شمول النهي أو عدم شموله كان موضع اختلافهم. فمن أدخل هذا النوع من التبادل

(1) التحرير والتنوير: 2/ 88 - 89.

(2)

الرصاع. شرح حدود ابن عرفة: 1/ 335 - 336.

ص: 462

المالي، ضمن دائرة النهي، أي في عموم النهي قال بحظر التعامل به لحرمته. فنهيُ الشارع عنه موجِبٌ لحُرمَته، فينبغي تركه والخروج عنه وهو معدود في العقود المحرّمة.

والمقصد الشرعي من تحريم الربا وحكمتُه منع الظلم، والحثُّ على العمل ليكون سبيلاً للتكسّب وتدريباً للنفوس على البرّ والمعروف والصدقة والقرض الحسن والتعاون على الخير. ويؤكد هذه المعاني قوله عز وجل:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (1).

وذهب ابن القيم إلى أن تحريم هذا النوع من الربا دفعٌ لما يربو على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضرر. وقد قابل الله عز وجل، كما في الآية الأولى، بين حِلِّ البيع وحرمة الربا فتوعد طائفة ووعد أخرى قائلاً:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (2). ومن وعده سبحانه للمنفقين في سبيل الله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (3).

وقد حدَث في عصرنا كثير من التصرّفات المالية استوجبت النظر والتعليل وبيان حكم الشارع فيها. وهذه كثيرة كتلك التي تقوم بها البنوك التجارية مثل الفائدة والودائع والقروض وفتح الاعتماد

(1) سورة الروم، الآية:39.

(2)

سورة آل عمران، الآية: 130 - 131.

(3)

سورة آل عمران، الآية: 133، 134.

ص: 463