الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسه، وكذلك ما يعود منها إلى قسمي المصلحة. فليس لأحد إسقاط حقه فيها، لأن حقّه ثابت مع حقّ غيره (1). وقد وقفتُ عند خصوص هذه الجزئية من البحث، وإن تعددت المراجع في قاعدة الحقوق، لما ذكره صاحب المقاصد من أسرار ولطائف لا ينبغي أن يطغى عليها غيرُها بكثرته وتعدد مسائله.
ويرتبط هذا كله بما ورد في الفرق الثاني والعشرين من قاعدة حقوق الله وقاعدة حقوق الآدميين من كتاب الفروق. قال القرافي: فحق الله أمره ونهيه، وحق العبد مصالحه، والتكاليف على ثلاثة أقسام: حق الله تعالى فقط كالإيمان وتحريم الكفر، وحق العباد فقط كالديون والأثمان. وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حق الله تعالى أو حق العبد كحد القذف (2). وقد اشتمل هذا الفرق على مسائل كثيرة وضعها الشيخ ابن عاشور مواضعها، وتحدث عنها كمسائل مفردة إبرازاً لأهميتها وتفصيلاً لأحكامها.
الموضع الثالث: نوط الأحكام الشرعية بمعانٍ وأوصاف لا بأسماء وأشكال:
من المسائل التي استوقفت الإمام الأكبر، وإن كانت خاضعة لقاعدة من أهم القواعد؛ هي نوط الأحكام الشرعية بمعان وأوصاف لا بأسماء وأشكال، مثل ما يعرض لبعض الفقهاء من تسليط أحكامهم على الأسماء الموضوعة لبعض المسميات، فتكون فتاواهم واحدة، وإن تغير المسمى ولم يبقَ خاضعاً لما وضع له من الأسماء أصالة أيام التشريع.
وإذا كان الإمام القرافي قد افتتح الفرق الأربعين من كتابه
(1) المقاصد: 223 - 225.
(2)
القرافي. الفروق: 1/ 140 - 142.
الفروق (1)، بموضوع التمييز بين قاعدة المسكرات، وقاعدة المرقّدات، وقاعدة المفسدات، مبيناً كل واحدة منها بقوله: فإن المتناول من هذه، أي من الثلاثة، إما أن تغيب عنه الحواس أَوْ لَا، فإن غابت معه الحواس فهو المرقد، وإن لم تغب عنه فلا يخلو إما أن يحدثَ عنه نشوةٌ وسرورٌ وقوةُ نفس عند غالب المتناول له أَوْ لَا، فإن حَدَثَ ذلك فهو المسكِر وإلا فهو المفسد. فالمسكر هو المغيّب للعقل مع نشوة وسرور كالخمر ونحوها، والمفسد هو المشوش للعقل مع عدم السرور الغالب كالبنج. اهـ.
وقد استنتج من هذه التعريفات أن الحشيشة مفسدة وليست بمسكرة، وأن الخمر والمسكرات لا تكاد تجد أحداً ممن يشربها إلا وهو نشوان. فالحشيشة عند القرافي من المفسدات وليست من المسكرات، لم يوجب فيها الحدَّ، ولا أبطل بها الصلاة، بل اكتفى بالتعزير الزاجر عن ملابستها. وهكذا فرّق بين العقوبات منبّهاً إلى أن المسكرات تنفرد عن المرقدات والمفسدات بثلاثة أحكام هي: الحد والتنجيس وتحريم اليسير، والمرقدات والمفسدات لا حد فيها ولا تنجيس، ويجوز تناول اليسير منها.
وذكرَ الشيخ ابن عاشور من هذا أمثلةً أخرى تتصل بالسحر والساحر، وبالتدخين، وبشرب القهوة، منتهياً إلى ضبط قواعد لا بد من الالتزام بها في الحكم والفتوى. قال:
إن من حق الفقيه أن ينظر إلى الأسماء الموضوعة للمسمى أصالة أيام التشريع، وإلى الأشكال المتطوّرة عند التشريع، من حيث
(1) القرافي. الفروق: 1/ 217.