الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجتمعات الإنسانية، وبعث الحياة فيها، وتغيير ما عليه الحشود البشرية من فاقة وبؤس.
°
الصناعة:
الصناعة معدودة في الرتبة الثالثة قديماً، إذ لم تكن تحتاج إلى علم وتكوين دقيقين. وهي لا ترتقي إلا بالارتقاء الحضاري وازدياد الحاجة إليها وطلب الناس لها. وقد نبهتنا إلى هذه الحقائق آيات الله الحكيمة الخالدة كقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (1)، وقوله أيضاً:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} (2)، وهي تشير إلى بعض الصناعات كما في قوله:{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} (3)، وقوله:{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} (4)، وقوله:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} (5)، وقوله:{يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (6)، وقوله:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُون} (7)، وقوله: {وَمَا يَسْتَوِي
(1) سورة الحديد، الآية:25.
(2)
سورة سبأ، الآية:10.
(3)
سورة النحل، الآية:67.
(4)
سورة هود، الآية:38.
(5)
سورة الأنبياء، الآية:80.
(6)
سورة الأعراف، الآية:26.
(7)
سورة النحل، الآية: 80 - 81.
الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1).
ففي هذه الآيات الكريمة امتنان من الله على عباده بما وفّره لهم، رحمة منه ولطفاً، من ضروريّات وحاجيّات وتحسينيات في هذه الحياة: تقيم أودهم، وتلبّي رغباتهم، وتَقِيهم أنواع المخاطر والمهالك. وهو سبحانه يطوي فيها أمرهم باتخاذ معدن الحديد الذي سخَّرهُ لهم يليّنونه رغم متانته وصلابته، لاستخدامه في شتى المجالات في حالتي السلم والحرب. فمنه آلة الحرث، والدروع والسيوف، والمراكب على اختلاف أنواعها، والآلات والأجهزة، وأمدّهم بالمواد الأولية لصناعة الثياب واللباس، وجعل ذلك ستراً لهم ووقاية، كما سخر لهم البحر والينابيع الجارية من الماء، وفيها رزقهم من الأسماك والحيوانات البحرية وما يحرصون على اقتنائه من جواهر ولآلئ تكون لهم حلية وزينة. إنه التذكير بالنعمة، والتحريك للمواهب، والهداية والتوجيه إلى ضروب الصناعات التي يحتاجون إليها لتحقيق الإنتاج وتنمية الثروة الزراعية والحيوانية والتطور بها.
وقد تمايزت الشعوب والبلدان بصناعاتها، وتزاحمت بذلك في ميادينها بصورة مطردة وعجيبة. فمن الصناعات ما يخدم الزراعة وينمي الإنتاج الفلاحي، ومنها ضروريّ لا يستغنى عنه، وشريف بموضوعه يحرص الناس على الإفادة منه والظهور به، ومنها ما دون ذلك مما يعدّ صنائع تابعة وممتهنة في الغالب. ولكن هذا الميدان
(1) سورة فاطر، الآية:12.
أصبح اليوم رئيساً وشهد من القدرات والإمكانات ما لم ينكشف للناس أمره إلا في هذا العصر. وهو لا يقف في أنواعه وأشكاله، وفي تطوره وتقدمه عند ما بلغ إليه الآن بفضل التقدم العلمي والتقانة والتكنولوجيا.
وإنا لنشاهد من الصناعات شعباً ثلاثة: الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية، والخدمات.
فأما الأولى فكالزراعة واستخراج المعادن والانتفاع بمصادر القوة والطاقة. وهذا النوع من العمل يشهد تطوراً وزيادة على مر العصور وبخاصة في عصرنا الحاضر.
وأما الأعمال التحويلية التي يطلبها الكثير من الناس فهي في الأصل من الصناعات الاستخراجية. ومن أمثلتها في المحل الأول الصناعات التحويلية الثقيلة التي يمكن أن يتوفر القيام بها، ويتم إنجازها في بلادنا الثرية بالغاز الطبيعي والنفط خاصة. وهي ترتكز بشكل أساسي على أمرين: الأول استخدام هاتين المادتين، والثاني توفر القدرة على التمويل. فهي تتطلب أن يكون رأس المال كثيفاً لإنشاء صناعات تستخدم أحدث أساليب التقنية، تكون في مراحلها الأولى موجّهة للتصدير، ثم تتحوّل تدريجياً إلى التكامل التحتي بتشجيع القيام بالعديد من الصناعات المستخدمة لمنتجاتها. وتتمثل هذه الصناعات وفقاً لما تدل عليه نتائج الدراسات الاقتصادية: في صناعة التكرير، والأسمدة الكيماوية، والبتروكيماويات (1).
وأما الخدمات فهي كالطب والتدريس اللذين عدهما ابن
(1) د/ علي خليفة الكواري. دور المشروعات العامة في التنمية الاقتصادية: 34.