الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سدّ الذرائع:
الذريعة لغة: هي السبب، والوسيلة إلى الشيء، وجمعها ذرائع. ومثلها الدريئة، وهي الجَمل يُختَل به الصيد، يمشي الصياد إلى جنبه فيستتر به، ويرمي الصيد إذا أمكنه، ويسيّب ذلك الجَمل مع الوحش أولاً حتى تألفه.
وللمنية أسباب تقرّبها
…
كما تقرب للوحشيّة الذرع (1)
وفي اصطلاح الفقهاء والأصوليين: هي الأشياء التي ظاهرها الإباحة، ويتوصّل بها إلى فعل محظور. وهذا الاصطلاح يطلق في الواقع على ما اشتهر بين العلماء بسدّ الذريعة. والمراد به حسم داء الفساد، دفعاً له إذا كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى المفسدة (2). وقد بنى الشاطبي هذه القاعدة على أساس أن النظر في مآلات الأفعال معتبر ومقصود شرعاً. وقال المازري: سدّ الذريعة منع ما يجوز لئلا يتطرّق به إلى ما لا يجوز (3).
ومن المعلوم أن المصطلح بالمعنى الذي حدّدناه هو ما استقر عليه الأمر عند علماء الشريعة لقَصرهم الحديث عن الذرائع، في كتبهم، على ما أفضى إلى الفساد خاصة. يقول ابن تيمية: الذريعة ما كان وسيلة أو طريقاً إلى الشيء، لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرّم. ولو تجرّدت عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها مفسدة فليست إلا سبباً ومقتضياً (4). وعلى هذا النحو جرى
(1) اللسان.
(2)
القرافي. الفروق: 2/ 32.
(3)
المازري. شرح التلقين مخط. باب بيوع الآجال، 2: ق 373 - 374؛ المقاصد: 335.
(4)
الفتاوى: 3/ 356.
تلميذه ابن القيم (1).
وقد وردت تعاريف كثيرة أخرى لهذا المصطلح عند الشاطبي (2)، والشوكاني (3). وذكره ابن العربي مجارياً لما ذهب إليه الإمام المازري في تحديده، قال: هو كل عقد جائز في الظاهر يؤول أو يمكن أن يُتوصَّل به إلى محظور (4).
وأركان الذريعة ثلاثة: الوسيلة، والإفضاء، والقصد. ويفرق الشيخ محمد هشام البرهاني بين الأركان الثلاثة بقوله، منتزعاً ذلك من تعريف الذريعة:"إنها عبارة عن أمر غير ممنوع في نفسه، قويت التهمة في التطرّق به إلى الممنوع". فعبارة "أمر غير ممنوع لنفسه" إشارة إلى الوسيلة، وعبارة "قويت التهمة في التطرّق به" إشارة إلى الركن الثاني وهو الإفضاء، وعبارة "إلى ممنوع" يحدّد وصف القصد أو المتوسل إليه (5).
ولا أظنّ أن ركن الذريعة هو على ما صوّره، لما سبق في التعريفات أنها لا يشترط فيها القصد. فقد يكون المتوسَّل إليه محرّماً، سواء أراد المتذرّع ذلك القصد السيئ أو لم يرده.
وتبعاً لتقسيم القرافي الذرائع إلى ما يجب سدّه وما يجب فتحه، وما هو موضع اجتهادٍ ونظرٍ بين الفقهاء والمجتهدين يقول الشيخ ابن عاشور: الذريعة في الشريعة الإسلامية قسمان:
قسم لا يفارقه كونه ذريعة إلى فساد، لاطِّراد هذا الوصف فيه،
(1) إعلام الموقعين: 3/ 135. ط. دار الجيل.
(2)
الموافقات: 4/ 198 - 200.
(3)
إرشاد الفحول: 3/ 247.
(4)
ابن العربي. أحكام القرآن: 2/ 743.
(5)
سدّ الذرائع في الشريعة الإسلامية: 102.
لأن الفساد من خاصة ماهيته. وهذا القسم من أصول التشريع عند الإمامين مالك وابن حنبل، وعليه بنيت أحكام كثيرة منصوص عليها مثل تحريم الخمر. والقياس أصل في هذا الباب.
والقسم الثاني ما يصير مآله إلى فساد كثيراً أو قليلاً. وهذا منه ما يكون سبباً للتشريع المنصوص عليه لمنع النبي صلى الله عليه وسلم بيع الطعام قبل قبضه، ومنه ما تكون وقائعه وصوره غير قائمة في زمن الرسول، ولكنها مما استَجدّ بعد ذلك. وقد اختلفت أنظار الفقهاء فيه؛ فربما اتفقوا على حكمه، وربما اختلفوا. وذلك بحسب مقدار اتضاح الإفضاء إلى المفسدة وخفائه، وكثرته وقلته، ووجود معارض ما، يقتضي إلغاء المفسدة وعدم وجوده، وتوقيت ذلك الإفضاء ودوامه. ومثال هذا بيوع الآجال التي لها صور كثيرة. قال مالك بمنعها لتذرّع الناس بها كثيراً إلى إحلال معاملات الربا التي هي مفسدة. فإن الاعتداد بالتهمة عند مالك قائم فيها، إذ ليس لقصد الناس تأثير في التشريع، لولا أن ذلك إذا فشا صار القصد مآلَ الفعل. وهو مقصود الناس فاستحلّوا به ما حرّم عليهم. ومن دقائق الفهوم ما اتجه إليه نظر إمام دار الهجرة: إذا كان المنع منها لأجل التهمة كان حقاً ألّا يُمنع ما صدر منها عن أهل الدين (1). وفي هذا إبطال لكلام الغزالي (2). وإنما جعلت التهمة علامة على التمالي على إحلال المفسدة الممنوعة (3).
(1) لعل مما يشير إلى هذا المعنى من تحكيم التهمة في سد الذرائع تعريف القاضي عبد الوهاب للذريعة إلى الفساد وذلك قوله: الذرائع هي الأمر الذي ظاهره الجواز إذا قويت في التطرّق به إلى الممنوع. الإشراف على مسائل الخلاف: 1/ 275.
(2)
الفرق 194.
(3)
المقاصد: 339.
وختم الشيخ ابن عاشور كلامه عن الذريعة بالتنبيه في مجال التفقّه والاجتهاد إلى التفريق بين الغلوّ في الدين، وبين سدّ الذريعة. وهي تفرقة دقيقة، لأن سدّ الذريعة موقعه وجود المفسدة، والغلو موقعه المبالغة والإغراق في إلحاق مباح بمأمور أو منهي عنه شرعاً بدعوى خشية التقصير. وهذا من التعمّق والتنطّع المذمومين شرعاً. وهو سبب ما يعرض لكثير من الناس من الوسوسة الذميمة. ولهذا انتهى في تحرير هذا الموضوع إلى القول بأنه يجب على المستنبطين والمفتين أن يتجنّبوا مواقع الغلو والتعمّق في حمل الأمة على الشريعة وما يسنّ لها من ذلك (1).
ومما سبقت الإشارة إليه نعلم أن سدّ الذرائع أصل من الأصول المعتمدة في التشريع. أخذ به المالكية والحنابلة، كما قدمنا، مستدلين بقوله عز وجل:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (2)، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"(4).
وذكر ابن رشد أن أبواب الذرائع في الكتاب والسُّنة يطول ذكرها ولا يمكن حصرها. وقال ابن القيم: ولو أباح الرب الوسائل والذرائع المفضية إلى الشيء المحرّم لكان ذلك نقضاً للتحريم وإغراء للنفوس به، وحكمةُ الشارع وعلمُه يأبى ذلك كلَّ الإباء (5).
وأنكر الحنفية والشافعية الأخذ بقاعدة سدّ الذرائع. وقالوا:
(1) المقاصد: 342.
(2)
سورة الأنعام، الآية:108.
(3)
سورة البقرة، الآية:104.
(4)
تَ: 4/ 668.
(5)
إعلام الموقعين: 3/ 135.
ليست هي من أدلة الفقه لأن الذرائع هي الوسائل، والوسائل مضطربة اضطراباً شديداً. فقد تكون حراماً وقد تكون واجبة، وقد تكون مكروهة أو مندوبة أو مباحة (1).
ومن المؤكد أن الإمامين أبا حنيفة والشافعي رُوي عنهما نفيُ اعتبارهما الذريعة دليلاً وحجّةً صراحةً، كما وردت عنهما نصوص تشهد باعتبارها عندهم. فمن ذلك ما جاء في النهي عن بيع السلاح في الفتنة. قال الشافعي: أصل ما أذهب إليه أن كل عقد كان صحيحاً في الظاهر لم أُبطله بتهمة ولا بعادة بين المتبايعين، وأَجزتُه بصحة الظاهر، وأكره لهما النية، إذا كانت النية لو ظهرت كانت تفسد البيع (2). كما أن نصوصه صريحة في عدم سد الذريعة في بيوع الآجال، وقوله فيها قولاً واحداً لم يختلف فيه عنه أصحابه.
وقد نصَب القرافي والشاطبي الخلاف في الذرائع بين مالك والشافعي في هذا القسم دون غيره من أقسام الذريعة. ومما جاء عنه من النصوص ما يشهد ظاهرها بعمله بقاعدة سد الذرائع. فهو يقول: ولا نحسب مبايعة مَن أكثرُ ماله الربا أو ثمنهُ المحرّم ما كان اكتسابه المال من الغصب والمحرّم كله. وإن بايع رجل رجلاً من هؤلاء لم أفسخ البيع؛ لأن هؤلاء قد يملكون حلالاً فلا يفسخ البيع، ولا نحرم حراماً بيَّناً، إلا أن يشتري الرجل حراماً يعرفه، أو بثمن حرام يعرفه، وسواء في هذا المسلم والذمي والحربي. والحرام كله حرام (3). ويحمل هذا على أن الإفضاء لو كان مقطوعاً به عادة لعاد على العقد بالإبطال.
(1) الموسوعة الفقهية: 24/ 278.
(2)
الأم: 3/ 37.
(3)
الأم: (1)، 3/ 33.
وأمثلة الحنفية أكثرها وارد في باب البيع الفاسد. فمن ذلك قولهم فيما إذا آجره دابته لينقل عليها الخمر أو آجره نفسه ليرعى له الخنازير. وكذلك بيع ما هو من لباس النساء للرجل يلبسه، وكذلك الإسكافي يأمره إنسان أن يتخذ له خفاً على زي المجوس أو الفسقة، أو الخياط يأمره رجل أن يخيط له ثوباً على زي الفساق. كل ذلك كرهه الصاحبان مع تصحيح العقد والقول بنفاذه. وعلَّلا لهما بأنه تعاون على المعصية، وأجازه أبو حنيفة من غير كراهة، لعدم القطع بالإفضاء إلى المآل الفاسد، وهو استعماله في الوجه الذي هو معصية (1).
وكتب الفقه ودواوينه بها أثر من اعتبار سدّ الذرائع في أكثر الأبواب من عبادات، ومعاملات، وأنكحة، وقضاء، أو في الشهادات، وفي الحدود والجنايات، والوصايا والمواريث.
ونحن وإن ضاق بنا المجال عن ذكر أمثلة لذلك من مختلف أبواب الفقه، نرى من الضروري تبعاً لما فعله المتقدّمون أن نقف على الأقل في موضوعنا هذا على أمثلة ظهر فيها أثر اعتبار الذرائع في الأحكام في قسم المعاملات. ذكروا منها ثمانية فروع موزّعة بين البيوع والسلم وتضمين الصنّاع.
ومن الفروع الثمانية نهيُ الشرع عن أن يجمع الرجل بين سلف وبيع.
قال ابن رشد: اتفق الفقهاء على أنه من البيوع الفاسدة (2)،
(1) الزيلعي. تبيين الحقائق: 6/ 29.
(2)
بداية المجتهد: 2/ 162.
ودليله الحديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف (1). ومن تفسير مالك له قال: آخذ سلعتك بكذا على أن تسلفني كذا وكذا. فإن عَقَد المتبايعان البيع على هذا الشرط فالبيع غير جائز، وإن ترك صاحب الشرط شرطَه جاز البيع وانعقد. وقال الصنعاني: في هذه الصورة تحيّل لأجل ما يفضي إليه من الفساد. ووجه سدّ الذريعة في هذا المثال ما صرّح به ابن القيم في قوله: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع الرجل بين سلف وبيع. ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صحّ. وإنما ذلك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يقرضه ألفاً، ويبيعه سلعة تساوي ثمانمائة بألف أخرى. فيكون قد أعطاه ألفاً وسلعة بثمانمائة ليأخذ منه ألفين. وهذا هو معنى الربا. فانظر إلى حمايته الذريعةَ إلى ذلك بكل طريق (2).
ومنها بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. وقد اختلفت آراء العلماء في هذا البيع. فمنهم من يقول بجواز ذلك مطلقاً وهو مذهب الشافعي، وهو الرواية الصحيحة عن أحمد. وفي المجموع: لا ربا في الحيوان عندنا، فيجوز بيع شاة بشاتين وبعير ببعيرين ونحو ذلك، وكذا سائر الحيوان (3). وقال ابن قدامة: لا يحرم النَّساء في شيء من ذلك سواء بيع بجنسه أو بغيره متساوياً أو متفاضلاً (4).
ومذهب أبي حنيفة منع بيع الحيوان بالحيوان نسيئة مطلقاً. ومذهب مالك عدم جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فيما اتفقت منافعه وتشابه، مع التفاضل. وفيما عدا ذلك فهو جائز.
(1) طَ: 2/ 657؛ دَ: 3/ 281؛ تَ: 3/ 525؛ نَ: 7/ 288.
(2)
إعلام الموقعين: 3/ 141.
(3)
المجموع: 9/ 399.
(4)
المغني: 4/ 131.
قال مالك: ولا بأس أن يبتاع البعيرَ النجيبَ بالبعيرين أو بالأبعرة من الحمولة من ماشية الإبل، وإن كانت من نَعَم واحدة، فلا بأس أن يشتري منها اثنان بواحد إلى أجل إذا اختلفت فبان اختلافها، وإن أشبه بعضها بعضاً واختلفت أجناسُها أو لم تختلف فلا يؤخذ منها اثنان بواحد إلى أجل (1). وقد اختلفت الأدلة بين أصحاب هذه الآراء الثلاثة ما بين سُنة وآثار وإجماع أهل المدينة. ومن أدلة مالك في أساس مراعاة منع النَّساء عند اتفاق الأغراض سد الذريعة. وذلك لكونه من باب سلف جرّ نفعاً. وهو محرّم.
أما إجماع أهل المدينة فقد صوره مالك بقوله: الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا بأس بالجمل بالجمل مثلِه وزيادة دراهم يداً بيد، ولا بأس بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم: الجمل بالجمل يداً بيد والدراهم إلى أجل. قال: ولا خير في الجمل بالجمل مثلِه وزيادة دراهم، الدراهمُ نقداً والجمل إلى أجل، وإن أَخّرت الجمل والدراهم لا خير في ذلك أيضاً (2).
ومنها منع بيع السلعة بالسلعة نقداً بكذا، ونسيئة بكذا إذا تفرّقا قبل تعيين الثمن. وحجّة مالك في ذلك سد الذريعة الموجبة للربا، لإمكان أن يكون مَنْ له الخيار قد اختار أولاً إنفاذ العقد بأحد الثمنين المؤجل أو المعجل، ثم بدا له ولم يُظهِر ذلك، فيكون قد ترك أحد الثمنين للثمن الآخر فيكون كمن باع الثمنين بالثاني فيدخله بيع ثمن بثمن نسيئة أو نسيئة ومتفاضلاً.
واعتمد سائر الأئمة كون الجهالة في الثمن مفضية إلى النزاع. ففي قول الشافعية: ولو قال: بعتك هذا بألف نقداً أو ألفين إلى سعة
(1) طَ: 2/ 652.
(2)
طَ: 2/ 652.
فخذ بأيهما شئت أنت أو شئتُ أنا؛ فهو باطل للجهالة (1). وقال ابن قدامة: وإن قال: بعتك بعشرة صحاح أو إحدى عشرة مكسرة أو بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة لم يصح، وعللوا عدم الصحة بجهالة الثمن (2).
ومن هذا القسم النهي عن البيع وقت صلاة الجمعة، وبيع الرجل على بيع أخيه، والنهي عن بيع السلاح في الفتنة، وبيع العنب لعاصر الخمر، وبيع الثمار قبل بدو صلاحها.
وذكروا فرعين في باب السَّلَم:
أولهما: المسلَم فيه المتعذر تسليمه واختلاف العلماء فيه على رأيين (3):
الأول: التخيير بين أن يأخذ المسلِمُ الثمن، أو يصبر حتى يوجَدَ المسلَمُ فيه، وهذا رأي الأئمة: الشافعي وأبي حنيفة وأحمد (4).
الثاني: فسخ العقد وأخذ صاحب المال ماله إذا تعذر على المسلَمِ إليه تسليم المسلَمِ فيه. وهذا أحد قولي الشافعي.
والقول بالرأي الأول أوْلى لما فيه من ضمان للمعاملات وإحسانٍ إلى المعسر.
والفرع الثاني: الإقالة من بعض المسلَم فيه. وفي هذا الفرع اختلاف المذاهب الأربعة. فإذا حلَّ الأجلُ في السَلَم وتراضى المسلِم والمسلَم إليه على الإقالة تعددت أقوال المذاهب:
قال مالك: لا تجوز الإقالة من البعض. فإما أن يقيله من الكل، وإما أن يأخذ الكل. ودليل ذلك سد الذريعة، لأن الإقالة من البعض وأخذ البعض منه تذريع إلى بيع وسلف وهو منهي عنه. وقد جاء هذا القول مفصلاً عند ابن رشد (5).
(1) مغني المحتاج: 2/ 31.
(2)
المغني: 4/ 33.
(3)
د/ محمود حامد شعبان. قاعدة سد الذرائع وأثرها في الفقه الإسلامي: 349 - 353.
(4)
انظر: الأم: 3/ 121 ط الشعب، والهداية: 3/ 72، والمغني: 4/ 333، 334 ط (1).
(5)
البداية: 2/ 206.
وذهب الشافعي إلى جواز الإقالة من بعض المسلَم فيه قياساً على الإقالة من الكل؛ لأن الإقالة منهم. فإذا جازت من الكل جازت من البعض. وورد شرح وتفصيل ذلك في المذهب (1). وقالت الحنفية بجواز الإقالة من البعض أيضاً. ودليلهم أن الإقالة شرعت نظراً للعاقدين لدفع حاجة الندم، وفي الإقالة من البعض نظر من المتعاقدين. قال الكاساني: وإن تقايلا السلَم في بعض المسلم فيه، فإن كان بعد حِلِّ الأجل جازت الإقالة فيه بقدره إذا كان الباقي جزءاً معلوماً من النصف أو الثلث ونحوه، لما ذكرنا أن الإقالة شرعت نظراً (للعاقدين وفقاً لحاجة الندم)، وفي إقالة البعض دون البعض نظر من الجانبين (2).
وروي عن أحمد قولان:
أولهما بمنع الإقالة عن بعض المسلم فيه لأن السلف في الغالب يزاد فيه في الثمن من أجل التأجيل فلم يجز، وفيه مراعاة لسد الذرائع.
ثانيهما: أن الإقالة من بعض المسلم فيه تجوز؛ لأن الإقالة مندوب إليها. وكل معروف جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء والإنظار (3).
ومنها تضمين الصناع. ذهبت المالكية والحنابلة والإمامان من الحنفية والشافعي في أحد قوليه إلى تضمين الأجير المشترك. قال ابن رشد: وأما تضمين الصناع ما ادعوا هلاكه من المصنوعات المدفوعة إليهم. فمذهب مالك أنهم يضمنون ما هلك عندهم (4). وقال ابن قدامة: الأجير المشترك ضامن لما جنت يداه (5). وذهب أبو حنيفة والشافعي في القول الآخر إلى عدم الضمان إذا لم يقع تعدٍّ منه. وبهذا قال زفر والحسن بن زياد. قال الكاساني: الأجير لا يخلو إما
(1) انظر: الأم: (1) 3/ 116.
(2)
البدائع: 5/ 215.
(3)
ابن قدامة. المغني: 4/ 343؛ الشربيني. الإقناع: 2/ 108.
(4)
ابن رشد. البداية: 2/ 232.
(5)
المغني: 6/ 115 - 117.