الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحاذير من التجديد:
حذّر أصحاب الاتجاه الرافض للحركة الإصلاحية التطويريّة التجديدية معلّلين ذلك بقولهم:
(1)
إن حركة تطوير الفقه وأصوله بديل مُتطورٌ لحركة تركيا الثورية نحو العلمانية.
(2)
إن العمل الجاد التجديدي لهو الذي يقوم على مبدأ المصلحة وحدها.
(3)
وصف الفقه بالوضعي، وإقامة الرأي في الأصول على النص يستهدف هدم الحواجز القائمة بين شريعة البشر وشريعة الله.
(4)
حصر النصوص في الأمور الثابتة، وترك الفقه الوضعي للأمور المتغيرة.
(5)
استخدام هذا المنهج لإضفاء صفة الشرعية للأفكار الغربية على الأسرة والاقتصاد والقانون (1).
ويقابل هذا التوجيه من الخارج تحذير للطبقة المستسلمة في الداخل يَنصحها بالمحافظة على التراث الإسلامي.
التراث عروبة وإسلام:
يقول عماد خليل: "التراث جذور الأمة، ومكوّنات شخصيتها، ومسارها الحيوي عبر الزمان والمكان. وهو القاعدة والمنطلق وحجر الزاوية. وهو قدر الأمة ونسيج وجودها الذي لا يمكن لإنسان أن
(1) يوسف كمال محمد: تطور أم تحول. المسلم المعاصر. المجلد الثاني: 84 - 85.
ينكره إلا على مستوى الجدل النظري الذي لا رصيد له في عالم التجربة الحية والواقع المعاشي". وهو من خلال بحثه يؤكد بأن كل المحاولات التي تستهدف الفصل بين تراثنا وإسلامنا إنما هي محاولات تسعى لإقامة الحواجز بين العروبة والإسلام. وهي محاولات انفصالية موقوتة غير دائمة. ولن تكون نتيجتها سوى الفشل المحتوم (1).
وبعودتنا إلى التجديد والتطوير، تستوقفنا من بين المجموعة التي بين أيدينا جملة من الكتب والدراسات منها:
كتابُ علم أصول الفقه وهو بحث د. جابر فياض. درج المؤلف في كتابه هذا على تصوير المراحل المختلفة لهذا العلم.
فمن التشريع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة، إلى التشريع بعد صدر الإسلام.
ومن تدوين الشافعي لأصول الفقه، والتنويه بعمله والتفصيل لمذهبه يظهر به أثر الشافعي في دراسة الأصول، يتخلص إلى بحثِ وضبطِ المبادئ والأسس التي قام عليها هذا العلم.
وينتقل من حديثه عن رسالة الشافعي إلى ذكر التطوّرات التي وقعت في هذا العلم عن طريق إمام الحرمين بكتابه البرهان، والغزالي بالمستصفى، وظهور طريقة الحنفية إلى جنب طريقة المتكلمين.
ومن التمحّض لقواعد الفقه الكلية إلى تقدير ما ينبغي أن يكون عليه علم أصول الفقه في عصرنا الحاضر.
ويقف المؤلف، ليقول في مرارة: إنه منذ القرن الثالث عشر لم يوضع في علم أصول الفقه ما يمكن أن يعتبر تطويراً لهذا العلم
(1) صلاح الدين حفني. المسلم المعاصر: 85.
الجليل باستثناء بعض الرسائل الجامعية. ويرجع هذا عنده إلى سد باب الاجتهاد، واكتفاء الناس بما وصلهم من كتب السلف. وربما كان من أشد الأسباب في ذلك إلغاء الشريعة الإسلامية كنظام يحكم حياة المسلمين (1).
ومن هذه اللفتة الدقيقة لمختلف مراحل الكتابة والتأليف في علم أصول الفقه، يستوقفنا كتاب المنطلق في التجديد لحسين أتاي الذي لخّص بعض ملاحظاته فيه بقوله:
(1)
يحتاج التجديد إلى تثبيت وتعيين نقطة البداية، ووضع منهج خاص للقيام بعمل نافع.
(2)
توجيه النظرة من قبل العمل التجديدي في علم أصول الفقه إلى وجوب التفريق بين الشريعة والفقه، وبيان العلاقة بينهما.
(3)
وجوب مسايرة الفقه أو العلم بالأحكام الشرعية التي يُتوصل بها بواسطة الاستدلال والاستنباط إلى معالجة وضع معين في زمن معين لمقتضيات الحياة المتطورة للبشر، بحيث لا تخرج عن إطار الدين. أما الشريعة فثابتة لا يمكن تبديلها، لأن القرآن قد حصر سلطة التشريع في الإسلام، فجعلها بيد الله وبيد رسوله صلى الله عليه وسلم.
(4)
تمسك أكثر العلماء بما ظهر من مذاهب شغلتهم عن دراسة علم أصول الفقه، وفي هذا تحوّل بالفروع بجعلها أصولاً. وهو ما يعوق الأئمة في الغالب عن ولوج باب الاجتهاد.
وبجانب هذه التأملات والملاحظات، تقدم صاحب المنطلق في التجديد بالدعوة إلى مفهومين.
(1) صلاح الدين حفني. تلخيص لكتاب المؤلف. المسلم المعاصر. السنة العاشرة، عدد 40: 88 - 89.
(1)
دراسة تراثنا الفقهي للاستفادة منه في كيفية فهم المتقدمين للنصوص، وليس لغرض الاتباع والتدين. فإن أصول الفقه والفقه ما هما إلا من الله الواحد الأحد، وهما من مشكاة واحدة، وواسطة لفهم القرآن والسنة لا غايةً في ذاتهما.
(2)
أن يكون القرآن والسُّنة مصدرين رئيسيين مهما كان الحكم الفقهي، وبغضّ النظر عن صاحب الحكم، وأن يرجع إلى الكتاب والسُّنة كلما حدث حادث أو أريد وضع قانون أو نظام.
ويمكن أن يتبع ما قدمناه، من ذكر لعلم أصول الفقه، بيانُ المنهج الأصولي الثابت المعروف بين مذاهبنا الفقهية بالمذهب الظاهري، فقد تولى الكتابة في ذلك د. عبد الحليم عويس حين قام بتقويم عمل ابن حزم وجهوده، وبيان مذهبه في مجال التشريع الإسلامي. ويتمثل اتجاه ابن حزم هذا كما هو معلوم في الاعتماد على البيان وهو السنة. وابن حزم لا يقبل من السنة إلا القولي منها. وقد ضمن كتابه المحلَّى نحو ثمانين حديثاً من المتواتر. ومذهبه الاحتجاج بأحاديث الآحاد، والأخذ بظواهرها من الأوامر والنواهي. وهو يحصر الإجماع في إجماع الصحابة وإجماع من بعدهم ممن أتى تبعاً لهم. وفي مقابل هذه الأصول المقرّرة المعتدّ بها عند الظاهرية نجد ابن حزم ينكر في شدةٍ القياسَ والتعليلَ والاستحسانَ وسدَّ الذرائع (1).
وحاول إسماعيل راجي الفاروقي في بحثيه تسليط الضوء على أسرار التشريع في العبادات. والتنبيه إلى أنها الركن الركين في موضوعات المقاصد الشرعية. وفي بيان ذلك أورد في رسالته عن
(1) المسلم المعاصر: 40 - 84.
أبعاد العبادات في الإسلام جوانب ثلاثة:
يتجلّى الأول في البعد الاقتصادي. وهو البعد المادي المتضمن لجميع أنواع الخَير المادي، من بقاء وصحة وقوة علمية ومادية للتغلّب على المشاكل والأزمات والتخلص من آثارها. والإيقان بأن الإسلام مركزٌ على العمل الشريف.
ويتمثل الجانب الثاني في البعد الاجتماعي. وهو مجد الإسلام في علمه وحكمته، في تحكيم الأخلاق في القوانين وتعييرها بها.
والجانب الثالث هو البعد السياسي. وأركانه هي الوحدة والمساواة والعدل والتعبئة (1).
أما كتابه الثاني: الاجتهاد والاجماع وهما طرفا الديناميكية في الإسلام فقد تساءل فيه عن أشياء لا بد أن تحضرنا ذهنياً في كل حين للإجابة عنها قولاً وفعلاً. وهي: من يجتهد؟ وفيمَ يجتهد؟ وكيف يجتهد؟.
وقد أضاف إلى بحثه هذا الشروط الإسلامية المعروفة. أهمها:
(1)
فهم مقاصد الشريعة الحضارية، وتحقيقها والولاءُ لها.
(2)
إتاحة فرصة للإسلام لأن يدبِّر كل ناحية من نواحي الحياة، بناء على ما تنطق به تشريعاته.
(3)
العمل على حلّ أهمّ مشاكل العصر الحديث بالاجتهاد. وذلك بالخوض في أمهات المبادئ، وربط القيم الإسلامية بعضها ببعض.
(4)
جعل المنطلق الأساسي في هذا الاجتهاد ما يعمر القلب
(1) المسلم المعاصر: عدد 40/ 86.