الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدلّ على ذلك وصف الله تعالى الأمة الإسلامية أو صدّرها بها: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (1). وقد وردت نصوص كثيرة من القرآن والسُّنة نذكر منها جملة تشهد بأن من استقراء الشريعة يحصل العلم بأنَّ السماحة واليُسر من مقاصد الدين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسّرا ولا تعسّرا وبشّرا ولا تنفّرا"(2). وتبعاً لهذا قرر الشاطبي: أن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع. وإنا لندرك هنا أن السماحة كان لها الأثر الكبير في انتشار الشريعة وبقائها. فاليسر من الفطرة، ومن الفطرة حب الرفق، وفي ذلك جميعاً رحمة للناس.
ومن المقاصد الشرعية المتولدة عن الفطرة حقائق وأوصاف كثيرة نذكر منها
المساواة
والحرية.
المساواة:
هي مقصد شرعي نشأ عن عموم الشريعة كقولنا: المسلمون سواءٌ بأصل الخلقة واتحاد الدين. وكل ما شهِدت به الفطرة من التساوي فيه فرضته أحكام الشريعة، وكل ما شهدت الفطرة منه بالتفاوت بين الناس كان التشريع بمعزل عن فرض الأحكام الشرعية فيه متساوية.
فالناس سواءٌ في البشرية، في حقوق الحياة بحسب الفطرة، وهم متساوون في أصول التشريع. وذلك في حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسب، وحفظ المال، وحفظ العقل، وزاد بعضهم حفظ العرض.
والمساواة في التشريع أصل لا يتخلف إلا عند وجود مانع.
(1) سورة البقرة، الآية:143.
(2)
المقاصد: 144.
والموانع هي العوارض وهي أربعة أنواع: جبليّة، وشرعية، واجتماعية، وسياسية (1).
والمساواة هي الظاهرةُ البارزةُ المميّزةُ لهذه الشريعة. وهي مناط العدل وإثبات الحق. والأخوةُ في الدين بين جميع المسلمين تمثّل وحدة، يتحد بصفة عامة فيها، الفكر والتوجّه، ويخضع كل أفرادها إلى تشريع واحد يدينون لله به. وهو تشريع لا يتأثّر بقوّة أو ضعف، يَحمِل دوماً على مراعاة هذا الأصل، وعلى نبذ كل ما عداه من أسباب المجافاة للحق التي قد تخامر العقل، أو يحمل عليها نوع من أنواع العصبيّات النسبيّة أو القبليّة. فالمساواة حقيقة أقرها المنهج الإسلامي، وفرض سلطانها، ورعايةَ المؤمنين جميعِهِم لها. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (2). وفي هذا تقرير للمساواة بين أفراد الجنس البشري، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، في القضاء وجوباً على كل ميز عنصري:"كلكم لآدم وآدم من تراب"(3).
والتساوي في حقوق الحياة في هذا العالم بحسب الفطرة، لا على ما يكون من تفاوت في الألوان والصور والسلائل والأوطان. ومن أغراض هذا المقصد في أصول التشريع حقّ الوجود في حفظ النفس والنسب والمال، وحق الاستقرار في الأرض التي اكتسبها النالس أو نشأوا فيها، وحق حفظ أسباب البقاء على حالة نافعة ولا
(1) المقاصد: 279 - 291.
(2)
سورة النساء، الآية:135.
(3)
رواه البزار؛ مجمع الزوائد: 8/ 86.