الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما كانت تفعله أمهات المؤمنين، حيث كن يفتين من استفتاهن، ويروين الأحاديث من يريد أن يتحملها عنهن، وقد كانت المرأة تسأل النبي صلى الله عليه وسلم في حضرة الرجال، ولم تجد في ذلك حرجًا، ولا منعها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رأينا الفتاة ابنة الشيخ الكبير المذكور في سورة القصص تقول لموسى: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} (القصص: 25).
كما تحدثت إليه هي وأختها من قبل حين سألهما: {مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (القصص: 23).
كما حكى لنا القرآن ما جرى من حديث بين سليمان عليه السلام وملكة سبأ، ومثل ذلك بينها وبين قومها من الرجال.
وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ما ينسخه من شرعنا، كما هو المذهب المختار.
كل ما يمنع هنا هو التكسر والتميع في الكلام، الذي يراد به إثارة الرجل وإغراؤه، وهو ما عبر عنه القرآن باسم الخضوع بالقول، وذلك في قوله تعالى:{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (الأحزاب: 32).
فالمنهي عنه هنا هو هذا الخضوع الذي يطمع الذين أمرضت قلوبهم الشهوات، وهذا ليس منعًا للكلام كله مع الرجال كلهم، بدليل قوله تعالى تتمة للآية:{وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (الأحزاب: 32). (1)
الوجه الثاني: ضوابط صوت المرأة
. (2)
وأما سماع الرجال صوت النساء غير المرقق أو المقطع فيباح عند أمن الفتنة، إذا كان ثمة ضرورة أو حاجة تقتضيه، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، فقد كان أصحاب رسول اللَّه
(1) فتاوى معاصرة 2/ 255.
(2)
أحكام العورة في الفقه الإسلامي 2/ 558.
-صلى الله عليه وسلم يذهبون إلى بيوت أزواجه يسألونهن عن عبادته وما يعن لن من أسئلة حتى بعد نزول آيات الحجاب، ولم ينكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على هؤلاء السائلين أن سمعوا أصوات زوجاته، ولو كان صوتهن عورة لأنكر عليهن، أو لنزل الوحي بأمرهن بمنع التحدث مع الرجال الأجانب عنهن، كما نزل بأمرهن بالاحتجاب، بل إن آيات الحجاب قد أبيح فيها للرجال الأجانب عنهن أن يسألوهن الفتوى في بعض المسائل، وهذا يقتضي أن يسمع السائلون أصوات أمهات المؤمنين بالجواب عن ذلك، كما أن بعض أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد رووا الأحاديث عن النساء، وقامت امرأة من بين صفوف النساء تسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن السبب في أن أكثر النساء حطب جهنم، وقامت أخرى من بين النساء في آخر المسجد تجادل عمر وتحاوره في دعوته إلى عدم المغالاة في المهور (1)، ولم ينكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الأولى أن تحدثت في حضرة الرجال الأجانب عنها، فقد سمعها جابر بن عبد اللَّه -راوي الحديث- وهو في صفوف الرجال في مقدمة المسجد، وسمعها بلال الذي كان مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حينئذ، وكذلك لم ينكر عمر رضى اللَّه عنه على المرأة الثانية الكلام بحضرة الرجال الأجانب عنها، فلو كان صوت المرأة عورة لأنكر على هاتين المرأتين، فدل هذا على أن صوتها ليس بعورة وأنه يجوز للرجال الأجانب عنها سماعه منها عند الحاجة إلى ذلك، كسماعه منها عند التعليم، أو المعاملة، أو تشخيص المرض، أو الشهادة، أو الفتوى، أو ما شابه ذلك إذا أمنت الفتنة. اهـ.
قال د/ البلتاجي: إذا كنا نتكلم في إطار الإسلام الذي أتى به النبي محمد صلى الله عليه وسلم فاذكروا لنا نص القرآن الكريم، أو السنة الصحيحة التي قالت إن صوت المرأة عورة يجب سترها عن عالم الرجال، فهل عندكم مثل هذا النص؟ .
إن الذي ورد في القرآن الكريم متصلًا بذلك هو قوله تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} (الأحزاب: 32). أي -كما
(1) ورد هذا الأثر من طرق كلها لا تخلو من مقال.