الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22 - شبهة: السِّحاق
نص الشبهة:
قالوا إن الإسلام أحلَّ السِّحاق بدليل قوله عز وجل: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (النساء: 15).
والحديث: لا تباشر المرأةُ المرأةَ حتى تصفها لزوجها كأنما ينظر إليها.
والجواب على ذلك من وجوه
الوجه الأول: القرآن يحرم السحاق
.
الوجه الثاني: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة وأن تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد
، فمن باب أولى حرمةُ السحاق.
الوجه الثالث: خطورة السحاق طبيًا ونفسيًا.
الوجه الرابع: لقد وضع الإسلام الحصون التي تقي المرأة من الوقوع في الفواحش كالزنا والسحاق وغير ذلك.
إليك التفصيل
الوجه الأول: القرآن يحرم السحاق.
وفي ذلك أدلة كثيرة منها:
1 -
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (المؤمنون: 5 - 7)(1).
الوجه الثاني: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة، وأن تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد.
عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضى الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد". (2)
(1) راجع بحث الاستمناء فالآيات مشتركة في الحرمة وفيها فوائد مهمة.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه باب تحريم النظر إلى العورات (338).
قال النووي: ففيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا لا خلاف فيه.
ثم قال: وأما قوله: ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، وكذلك في المرأة مع المرأة فهو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل.
وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان، وهذا متفق عليه. (1)
قلت: فهذا واضح في تحريم لمس المرأة عورة المرأة الأخرى فيكون أولى من هذا وأشد في الحرمة فاحشة السحاق.
أما عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا تباشر المرأةُ المرأةَ فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها. (2) فلا يدل معناه على حل السِّحاق.
قال المناوي في فيض القدير: (لا تباشر) خبر بمعنى النهي (المرأةُ المرأةَ)، زاد النسائي (في الثوب الواحد): أي لا تمس امرأة بشرة أخرى ولا تنظر إليها، فالمباشرة كناية عن النظر، إذ أصلها التقاء البشرتين، فاستعير إلى النظر إلى البشرة يعني لا تنظر إلى بشرتها.
(فتنعتها) أي تصف ما رأت من حسن بشرتها وهو عطف على تباشر، (لزوجها كأنه ينظر إليها) فيتعلق قلبه بها فتقع بذلك فتنةٌ، والنهي منصب على المباشرة والنعت معًا فتجوز المباشرة بغير توصيف، قال القابسي: هذا الحديث أصل لمالك في سد الذرائع فإن حكمة النهي خوف أن يعجب الزوجَ الوصفُ فيفضي إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة. (3)
وفي عون المعبود قال: والمباشرة بمعنى المخالطة والملامسة، وأصله من لمس البشرة البشرة، والبشرة ظاهر جلد الإنسان، (لتنعتها): وفي رواية البخاري (فتنعتها) أي فتصف نعومة بدنها ولين جسدها (كأنما ينظر إليها): فيتعلق قلبه بها ويقع بذلك فتنة. والمنهي في
(1) شرح صحيح مسلم للنووي 2/ 266، 267.
(2)
البخاري (5240)، وفي مسند أحمد (1/ 387)، وانظر: معنى المباشرة أيضًا في شبهة "مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم"، ومباشرة الرجل زوجته في الحيض.
(3)
فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (6/ 385).
الحقيقة هو الوصف المذكور.
قال الطيبي: المُعْنَي به في الحديث النظر مع اللمس فتنظر إلى ظاهرها من الوجه والكفين وتجس باطنها باللمس وتقف على نعومتها وسمنتها، فتنعتها عطف على تباشر، فالنفي منصب عليهما فيجوز المباشرة بغير التوصيف كذا في المرقاة. (1)
قال العلامة بدر العيني: أي هذا باب يذكر فيه: لا تباشر من المباشرة؛ وهي الملامسة في الثوب الواحد. (2)
قال ابن حزم: فهذه نصوص جلية على تحريم مباشرة الرجل الرجل والمرأة المرأة على السواء، فالمباشرة منها لمن نهى عن مباشرته عاص للَّه تعالى مرتكب حرام على السواء فإذا استعملت بالفروج كانت حراما زائدا ومعصية مضاعفة. (3)
أما عن استدلالهم بقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (النساء: من الآية 15).
فالآية تذكر عقوبة من تقع في الفاحشة وكما عليه جمهور أهل العلم أن الآية منسوخة.
قال ابن كثير: كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت؛ ولهذا قال: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} يعني: الزنا {مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} فالسبيل الذي جعله اللَّه هو الناسخ لذلك. (4)
(1) عون المعبود لشرح سنن أبي داود (6/ 132).
(2)
عمدة القاري (21920).
(3)
المحلى لابن حزم (11/ 392).
(4)
تفسير ابن كثير (2/ 233).