الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - شبهة: البغاء
.
نص الشبهة:
ادعى المدعي في هذه الشبهة أن البغاء أحله اللَّه تعالى في كتابه واستدل على ذلك بآيات من القرآن وببعض الوقائع التي حدثت؛ فهل هذا صواب؟
والجواب على ذلك من وجوه
الوجه الأول: ما هو البغاء
؟ .
الوجه الثاني: إثبات
حكم البغاء
في الشريعة الإسلامية والإجابة عن الآيات التي استدلوا بها
.
الوجه الثالث: الإجابة عن الوقائع التي زعموا أنها حجة على الإسلام مع ذكر حال المجتمع الغربي مع البغاء.
الوجه الرابع: البغاء في الكتاب المقدس.
وإليك الفصيل
الوجه الأول: ما هو البغاء؟
البغاء: الزنا، مصدر: بغت المرأة تبغي بغاء، أي: زنت، وهو مختص بزنا النساء (1)، وقال النسفي: ويكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة والبغاء الزنا للنساء خاصة وهو مصدر لبغت (2)، وقال الماوردي: البغاء (الزنى). (3)
الوجه الثاني: إثبات حكم البغاء في الشريعة الإسلامية والإجابة عن الآيات التي استدلوا بها.
حكم البغاء:
يدعي هذا المدعي أن اللَّه أحل البغاء في كتابه وأحله النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه ونحن نقول: إن حرمة البغاء ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع. وهذه هي الأدلة على ذلك:
الدليل الأول:
قال تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)} (النور: 33).
(1) تفسير اللباب لابن عادل 12/ 99.
(2)
تفسير النسفي 3/ 144.
(3)
النكت والعيون 4/ 101.
يقول تعالى ذكره: زوجوا الصالحين من عبادكم وإمائكم ولا تكرهوا إماءكم على البغاء وهو الزنا {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} يقول: إن أردن تعففًا عن الزنا.
{لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يقول: لتلتمسوا بإكراهكم إياهن علي الزنا عرض الحياة الدنيا.
وذلك ما تعرض لهم إليه الحاجة من رياشها وزينتها وأموالها، (ومن يكرهن) يقول:
ومن يكره فتياته على البغاء، فإن اللَّه من بعد إكراهه إياهن على ذلك، لهن {غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، ووزر ما كان من ذلك عليهن دونهن (1).
وعن جابر، أن جارية لعبد اللَّه بن أبي يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة فكان يكرههما على الزنى فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل اللَّه عز وجل {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إلى قوله {غَفُورٌ رَحِيمٌ} . (2)
فهذا أول دليل على تحريم البغاء في الشريعة الإسلامية، ولكن العجيب أنه استدل بها على العكس، فماذا قال فيها علماء الإسلام وما هي شبهته في هذه الآية؟
وقال البغوي: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ} إماءكم، {عَلَى الْبِغَاءِ} أي: الزنا. (3)
وقال البقاعي: ولما أمر اللَّه سبحانه بالجود في أمر الرقيق تارة بالنفس، وتارة بالمال، نهاهم عما ينافيه، فقال:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ} أي: إماءكم، ولعله عبر بلفظ الفتوة هزًا لهم إلى معالي الأخلاق، وتخجيلًا من طلب الفتوة من أمة {عَلَى الْبِغَاءِ} أي الزنى لتأخذوا منهن مما يأخذنه من ذلك، ولما كان الإكراه على الزنى لا يصح إلا عند العفة وكان ذلك نادرًا من أمة {عَلَى الْبِغَاءِ} أي: الزنى لتأخذوا منهن مما يأخذنه من ذلك، ولما كان الإكراه على هذا الفعل حيث كانت النساء مطلقًا يتعففن عنه مع أنهن مجبولات على حبه، فكيف
(1) تفسير الطبري 19/ 174.
(2)
مسلم (3029).
(3)
تفسير البغوي 3/ 344.
إذا لم يمنعهن مانع خوف أو حياء كالإماء؟ فكيف إذا أذن لهن فيه؟ ، فكيف إذا ألجئن إليه؟ وأشار بصيغة التفعل وذكر الإرادة إلى أن ذلك لا يكون إلا عن عفة بالغة، وزاد في تصوير التقبيح بذكر علة التزام هذا العار في قوله:{لِتَبْتَغُوا} أي تطلبوا طلبًا حثيثًا فيه رغبة قوية بإكراههن على الفعل الفاحش {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فإن العرض متحقق فيه الزوال والدنيا مشتقة من الدناءة.
ولما نهي سبحانه عن الإكراه رغب الموالي في التوبة عند المخالفة فيه، فقال {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ} دون أن يقول: وإن أكرهن، وعبر بالمضارع إعلامًا بأن يقبل التوبة ممن خالف بعد نزول الآية، وعبر بالاسم العلم في قوله {فَإِنَّ اللَّهَ} إعلامًا بأن الجلال غير مؤيس من الرحمة، ولعله عبر بلفظ {بَعْدِ} إشارة إلى العفو عن الميل إلى ذلك الفعل عند مواقعته إن رجعت إلى الكراهة بعده، فإن النفس لا تملك بغضه حينئذ، فقال {مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} أي: لهن وللموالي يستر ذلك الذنب إن تابوا {رَحِيمٌ} بالتوفيق إلى ما يرضيه. (1)
وقال ابن كثير: وقوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} ، كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهي اللَّه المؤمنين عن ذلك وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة فيما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف في شأن عبد اللَّه بن أبي بن سلول، فإنه كان له إماء فكان يكرههن على البغاء طلبًا لخراجهن ورغبة في أولادهن ورياسة منه فيما يزعم (2).
إنه سبحانه لما أرشد الموالي إلى نكاح الصالحين من المماليك نهى المسلمين عما كان يفعله أهل الجاهلية من إكراه إمانهم على الزنا، فقال:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} ، والمراد
(1) نظم الدرر 5/ 262 - 263.
(2)
تفسير ابن كثير 3/ 282.
بالفتيات هنا الإماء وإن كان الفتى والفتاة قد يطلقان على الأحرار في موضع آخر، والبغاء: الزنا مصدر بغت المرأة تبغي بغاء إذا زنت وهذا مختص بزنا النساء، فلا يقال للرجل إذا زنا إنه بغي (1)، وقوله تعالى:{وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ} إلى آخرة جملة مستأنفة سيقت لتقرير النهي وتأكيد وجوب العمل ببيان خلاص المكرهات من عقوبة المكره عليه عبارة، ورجوع غائلة الإكراه إلى المكرهين إشارة أي ومن يكرههن على ما ذكر من البغاء فإن اللَّه من بعد إكراههن غفور رحيم لهن كما في قراءة ابن مسعود وقد أخرجها عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عنه لكن بتقديم لهن على غفور رحيم ورويت كذلك أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنه وينبئ عنه على ما قيل قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} أي كونهن مكرهات على أن الإكراه مصدر المبني للمفعول، فإن توسيطه بين اسم إن وخبرها للإيذان بأن ذلك هو السبب للمغفرة والرحمة (2).
قلت: فهذه بعض أقوال العلماء في تفسير الآية، وهي واضحة في أنهم استدلوا بها على تحريم البغاء، فما هي شبهة المتكلم على هذه الآية حيث استدل بها على العكس؟
أجاب العلماء على ذلك من وجوه:
أحدها: أن الكلام ورد على سبب، وهو الذي ذكرناه، فخرج النهي عن صفة السبب وإن لم يكن شرطًا فيه (3).
وقال الماوردي: أنه وارد على سبب فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطًا فيه، وهذا ما روى جابر بن عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن أبي بن سلول كاهما له أمة يقال لها مسيكة، وكان يكرهها على الزنى، فزنت ببُرْدٍ فأعطته إياه، فقال: ارجعي فازني على آخر،
(1) فتح القدير سورة النور: 33.
(2)
روح المعاني 18/ 158.
(3)
زاد المسير لابن الجوزي 6/ 38.
فقالت: لا واللَّه ما أنا براجعة، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سيدي يكرهني على البغاء، فأنزل اللَّه هذه الآية وكان مستفيضًا من أفعال الجاهلين طلبًا للولد والكسب (1).
والثاني: إنه إنما شرط إرادة التحصن؛ لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن، فأما إذا لم ترد المرأة التحصن، فإنها تبغي بالطبع (2).
وقال الخازن: إنما شرط إرادة التحصن لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن، فأما إذا لم ترد المرأة التحصن فإنها تبغي بالطبع طوعها (3).
وقال الجصاص: وإنما (إن أردن تحصنًا) لأنها لو أرادت الزنا ولم ترد التحصن ثم فعلته على ما ظهر من الإكراه وهي مريدة له، كانت آثمة بهذه الإرادة، وكان الإكراه زائلًا عنها في الباطن وإن كان ثابتًا في الظاهر (4).
والثالث: أن (إن) بمعنى (إذا) ومثله قوله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (البقرة من الآية 278)، وقوله:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} (آل عمران: 139). (5)
والرابع: أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، تقديره:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى} إلى قوله {وَإِمَائِكُمْ} {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} ، ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ
(1) النكت والعيون للماوردي 3/ 172.
(2)
زاد المسير لابن الجوزي 6/ 39.
(3)
تفسير الخازن 5/ 4، وانظر: تفسير البغوي، والنسفي حيث قالا: وإنما قيده بهذا الشرط لأن الإكراه لا يكون إلا بالتحصن فأمر المطيعة للبغاء لا يسمى مكرهًا ولا أمره إكراهًا، ولأنها نزلت على سبب فوقع النهي على تلك اللفظة، وفيه توبيخ للموالي أي إذ رغبن في التحصن فأنتم أحق بذلك. وانظر تفسير الزمخشري، ومما قال: كلمة (إن) وإيثارها علي إذ إيذان بأن المساعيات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهن، وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من حيز الشاذ النادر، تفسير البغوي 6/ 44.
(4)
أحكام القرآن للجصاص 5/ 187.
(5)
زاد المسير لابن الجوزي 6/ 39.
الدُّنْيَا} وهو كسبهن وبيع أولادهن {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} للمكرهات {رَحِيمٌ} وقرأ ابن عباس، وأبو عمران الجوني، وجعفر بن محمد {مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1)، وعلى هذا يكون: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَي مِنْكُمْ إن أردن تحصنًا ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء. (2)
الخامس: قال البيضاوي: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} تعففًا شرط للإكراه، فإنه لا يوجد دونه، وإن جعل شرطًا للنهي لم يلزم من عدمه جواز الاكراه لجواز أن يكون ارتفاع النهي بامتناع المنهي عنه، وإيثار إن على إذا؛ لأن إرادة التحصن من الإماء بالشاذ النادرة هي غالب أحوال الإماء البغايا المؤمنات إذ كن يحببن التعفف أو لأن القصة التي كانت سبب نزول الآية كانت معها إرادة التحصن، والداعي إلى ذكر القيد تشنيع حالة البغاء في الإسلام بأنه عن إكراه وعن منع من التحصن ففي ذكر القيدين إيماء إلى حكمة تحريمه وفساده وخباثة الاكتساب به (3).
السادس: قال الآلوسي:
وقوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} ليس لتخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف عن الزنا وأخراج ما عداها عن حكمه، كما إذا كان الإكراه بسبب كراهتهن الزنا لخصوص الزاني أو لخصوص الزمان أو لخصوص المكان، أو لغير ذلك الأمور المصححة للإكراه في الجملة، بل هو للمحافظة على عادة من نزلت فيهم الآية حيث كانوا يكرهونهن على البغاء وهن يردن التعفف عنه مع وفور شهوتهن الآمرة بالفجور وقصورهن في معرفة الأمور الداعية إلى محاسن الزاجرة عن تعاطي القبائح، وفيه من الزيادة لتقبيح حالهم وتشنيعهم على ما كانوا يفعلونه من القبائح ما لا يخفى، فإن من له أدنى مروءة لا يكاد يرضى بفجور من يحويه بينه من إمائه، فضلًا عن أمرهن به أو إكراههن عليه لاسيما عند إرادة التعفف
(1) زاد المسير آية 33 من سورة النور 6/ 36.
(2)
البغوي 5/ 155.
(3)
التحرير والتنوير 1/ 2905.
وتوفر الرغبة فيها، كما يشعر به التعبير بأردن بلفظ الماضي وإيثار كلمة إن علي إذا لأن إرادة التحصن من الإماء كالشاذ والنادر، أو للإيذان بوجوب الانتهاء عن الاكراه عند كون إرادة التحصن في حيز التردد والشك، فكيف إذا كانت محققة الوقوع كما هو الواقع؟ (1).
وقال أبو السعود: للمحافظة على عادتهم المستمرة حيث كانوا يكرهونهن على البغاء وهن يردن التعفف عنه مع وفور شهوتهن الآمرة بالفجور وقصورهن في معرفة الأمور الداعية إلى المحاسن الزاجرة عن تعاطي القبائح، فإن عبد اللَّه بن أبي كانت له ست جوار يكرهن على الزنا، وضرب عليهن ضرائب، فشكت اثنتان منهن إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنزلت، وفيه من زيادة تقبيح حالهم وتشنيعهم على ما كانوا عليه من القبائح ما لا يخفى، فإن من له أدنى مروءة لا يكاد يرضى بفجور من يحويه حرمه من إمائه فضلًا عن أمرهن به أو إكراههن عليه لا سيما إرادتهن التعفف فتأمل! . (2)
السابع: وقال الآلوسي: ويعلم من توجيه هذا الشرط ما أشرنا إليه بيان حسن موقع الفتيات هنا باعتبار مفهومها الأصلي أنه لا مفهوم لها ولو فرضت صفة لأن شرط اعتبار المفهوم عند القائلين به أن لا يكون المذكور خرج مخرج الغالب، وقد تمسك جمع بالآية لإبطال القول بالمفهوم فقالوا: إنه لو اعتبر يلزم جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصن والإكراه على الزنا غير جائز بحال من الأحوال إجماعًا ومما ذكرنا يعلم الجواب عنه، وفي شرح المختصر الحاجي للعلامة العضد الجواب عن ذلك أولًا أنه مما خرج مخرج الأغلب إذ الغالب أن الإكراه عند إرادة التحصن ولا مفهوم في مثله وثانيًا أن المفهوم اقتضى ذلك وقد انتفى لمعارض أقوى منه وهو الإجماع، وقد يجاب عنه بأنه يدل على عدم الحرمة عند عدم الإرادة وأنه ثابت إذ لا يمكن الإكراه حينئذ لأنهن إذ لم يردن التحصن لم يكرهن البغاء والإكراه إنما هو إلزام فعل مكروه، وإذا لم يمكن لم يتعلق به التحريم لأن شرط
(1) روح المعاني 18/ 157، وانظر تفسير البغوي (النور: 33).
(2)
تفسير أبي السعود 6/ 173.
التكليف الإمكان ولا يلزم من عدم التحريم الإباحة انتهى، ولعل ما ذكرناه أولًا هو الأولى وجعل غير واحد زيادة التقبيح والتشنيع جوابا بتغيير يسير ولا بأس به. (1)
الثامن: وقال ابن عثيمين: إنما هذا القيد للتعليل أي للعلة هذه وليست للاحتراز.
العاشر: وقال السيوطي في الإتقان فائدة، قال بعضهم: وقع في القرآن إن بصيغة الشرط وهو غير مراد في ستة مواضع {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} (النور: 33). (2)
ثم تعلق بكلمة أخرى من الآية وهي قوله تعالى: {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} حيث فهم أنه إذا لم يبتغ عرض الحياة الدنيا جاز له إكراهها، وجواب ذلك أنه:
لا حجة لهم في قوله تعالى: {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، فإنه كما في إرشاد العقل السليم قيد للإكراه لا باعتبار أنه مدار للنهي عنه، بل باعتبار أنه المعتاد فيما بينهم أيضًا جيء به تشنيعًا لهم فيما هم عليه من احتمال الوزر الكبير لأجل الوزر الحقير، أي: لا تفعلوا ما أنتم عليه من إكراههن على البغاء لطلب المتاع السريع الزوال الوشيك الاضمحلال، فالمراد بالابتغاء الطلب المقارن لنيل المطلوب واستيفائه بالفعل إذ هو الصالح لكونه غاية للإكراه مترتبًا عليه، لا المطلق المتناول للطلب السابق الباعث عليه ولا اختصاص لعرض الحياة الدنيا بكسبهن أعني أجورهن التي يأخذها على الزنا بهن وإن كان ظاهر كثير من الأخبار يقتضي ذلك، بل ما يعمه، وأولادهن من الزنا، وبذلك فسره سعيد بن جبير كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم وفي بعض الأخبار ما يشعر بأنهم كانوا يكرهونهن على ذلك للأولاد.
أخرج الطبراني والبزار وابن مردوية بسند صحيح عن ابن عباس أن جارية لعبد اللَّه بن أبي كانت تزني في الجاهلية فولدت له أولادًا من الزنا فلما حرم اللَّه تعالى الزنا، قال لها: ما لك لا تزنين قالت واللَّه لا أزني أبدًا فضربها فأنزل اللَّه تعالى {وَلَا تُكْرِهُوا} الآية، ولا يقتضي هذا
(1) روح المعاني للآلوسي 18/ 158.
(2)
الإتقان 1/ 178.