الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو كان إرضاع الكبير مؤثرًا لقال النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن الحمو، ترضعه زوجة أخيه حتى يدخل عليها وتصبح امرأته من محارمه، ولكن قال "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ، قَالَ:"الْحَمْوُ الْمَوْتُ"" (1)
قال النووي: قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد: الْحَمو أَخُو الزَّوْج، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِب الزَّوْج: ابْن الْعَمّ وَنَحْوه. اتَّفَقَ أَهْل اللُّغَة عَلَى أَنَّ الْأَحْمَاء أَقَارِب زَوْج الْمَرْأَة كَأَبِيهِ، وَأَخِيهِ، وَابْن أَخِيهِ، وَابْن عَمّه، وَنَحْوهمْ.
ثم قال: وَأَمَّا قَوْله صلى الله عليه وسلم (الحمو المُوْت) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره، وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ، وَالْفِتْنَة أَكْثَر لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى المَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ. وَالمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. (2)
الوجه الخامس: فيمن قال من أهل العلم بأن رضاع الكبير يُحرم مطلقًا وبيان حجتهم والرد عليها
.
قد ثبت ذلك عن طائفة من السلف والخلف على أن رضاع الكبير يُحرم مطلقًا.
قال ابن القيم: وَهَذَا قَوْلٌ ثَابِت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَيُرْوَى عَنْ عِليّ بن أبي طالب (3)، وَعُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ قَوْلُ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي مُحَمّدِ بْنِ حَزْمٍ. (4)
قال ابن حزم: ورضاع الكبير ولو أنه شيخ يحرم كما يحرم رضاع الصغير ولا فرق. (5)
(وهذه أدلتهم).
1 -
حديث سهلة بنت سهيل عن عائشة قالت:
(1) البخاري (5232)، ومسلم (2172).
(2)
شرح صحيح مسلم للنووي (7/ 410).
(3)
قال ابن عبد البر في التمهيد: وروي عن علي ولا يصح عنه والصحيح أنه لا رضاع بعد الفطام.
(4)
زاد المعاد لابن القيم (5/ 579)، وانظر نيل الأوطار للشوكاني (7/ 112).
(5)
المحلى لابن حزم (10/ 19).
جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّه إني أَرَى في وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ -وَهُوَ حَلِيفُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "أَرْضِعِيهِ"، قَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ".
وفي رواية أخرى: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ.
وفي رواية أخرى: أَنَّ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قال: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو جَاءَتِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ سَالِمًا -لِسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ- مَعَنَا فِي بَيْتِنَا وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَلِمَ مَا يَعْلَمُ الرِّجَالُ. قَالَ "أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ"، قَالَ فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُهُ، ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ، فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُهُ بَعْدُ، قَالَ فَمَا هُوَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ فَحَدِّثْهُ عَنّي أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ.
وفي رواية أخرى: أن أُمُّ سَلَمَةَ قالت لِعَائِشَةَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ قَالَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ قَالَتْ إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ.
وفي رواية أخرى: أن زينب بنت أبي سلمة تقول: سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لعائشة واللَّه ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة فقالت لم؟ قد جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت يا رسول اللَّه إني لأرى في وجه أبي حذيفة من
دخول سالم، قالت فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرضعيه، فقالت إنه ذو لحية، فقال: أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة، فقالت: واللَّه ما عرفته في وجه أبي حذيفة.
وفي رواية أخرى: أن أم سلمة كانت تقول: أَبَى سائرُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يُدْخِلْنَ عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقُلْنَ لعائشة: واللَّه ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحدٌ بهذه الرضاعة ولا رَائِينَا. (1)
وعند أبي داود بسياق طويل عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس كان تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زيدا، وكان من تبنَّى رجلًا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه؛ حتى أنزل اللَّه سبحانه وتعالى في ذلك:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (الأحزاب: من الآية 5) فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت يا رسول اللَّه: إنا كنا نرى سالمًا ولدًا وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلًا، وقد أنزل اللَّه عز وجل فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة واللَّه ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس. (2)
(1) كل هذه الروايات أخرجها مسلم في صحيحه باب رضاعة الكبير حديث (1453 - 1454).
(2)
صحيح. حديث سهلة أخرجه مسلم (1453، 1454)، وأخرج البخاري طرفًا منه (5088)، وأخرج السياق الطويل أبو داود (2051)، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (9/ 53) ورواه أيضًا مرسلًا عن =