الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين آمنوا في هذه الآية تشمل المؤمنين والمؤمنات معًا.
لقد قال صلى الله عليه وسلم: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها"(1)، فكيف تستطيع المرأة إدارة شئون منزلها إذا كانت جاهلة؟ ، وكيف تستطيع أن توجه طفلها توجيها سليما صائبا هادفا إذا لم تكن عارفة مطلعة على التعاليم الإسلامية؟ .
وقد مهد الإسلام السبيل لطلب العلم، وجعل من واجب الحكومة الإسلامية أن تقوم بالإنفاق على الأولاد ذكورا وإناثا إذا ضاقت بآبائهم سبل الحياة، وكانوا فقراء عاجزين عن الإنفاق على تعليم أولادهم وبناتهم. إن الإسلام لم يمنع المرأة من تعليم شتى العلوم والفنون، ولم يحرم هذه العلوم عليها، ولكن المصلحة العامة -مصلحة الأمة- تقضي بأن تمارس المرأة بعض هذه العلوم دون البعض كالتدريس والتطبيب والتمريض وما شابه ذلك مما ينسجم وطبيعة تكونها ومقتضيات وظيفتها كأم. . . والإسلام يراعي دائما وأبدا مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة.
الوجه التاسع: تاريخ تعليم وتعلم المرأة المسلمة في ظل الحضارة الإسلامية
.
كان تاريخًا مشرفًا في العلم والتعلم وقد برزت المرأة المسلمة في كثير من مجالات العلم في ظل حضارة الإسلام، والتاريخ الإسلامي حافل بأخبار النساء اللاتي بلغن منه العلم درجة رفيعة ومكانة عالية.
يقول الدكتور/ علي عبد الحليم: فإذا كانت تلك هي الأصول الثابتة في تعلّم المرأة المسلمة؛ وتعليمها لتمارس حياتها وواجبها في الدعوة إلى اللَّه، وهذا هو موقف الإسلام من تعلم المرأة وتعليمها، فمن أين جاءت تلك التهمة أو الفرية التي تزعم أن المرأة المسلمة غارقة في الجهل والتخلف؟ ومن أين جاءت المفتريات التي تزعم أن الإسلام قد حرم المرأة المسلمة من التعلم والتعليم، ومنعها من الخروج من البيت لتعلم أو لغيره؟ (2).
(1) البخاري (853)، مسلم (1829).
(2)
المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى اللَّه (336 - 340).
إن هذه الفرية رددها الحاقدون على الإسلام، من بعض المستشرقين والمبشرين والمستعمرين، على أمل أن تنطلي الخدعة على المسلمين، فتظل المرأة جاهلة غير متعلمة، لكي يحرموا الأسرة المسلمة من أم متعلمة واعية واسعة الثقافة، تحسن تربية أبنائها، وتنشئهم على القيم والمبادئ الإسلامية الرفيعة.
إن هؤلاء الأعداء نظروا إلى المرأة المسلمة في فترة كان العالم الإسلامي فيها في أسوأ حالاته، مقهورًا بأعدائه، متراجعًا عن حضارته، متخليًا عن أخلاق دينه وآدابه، محكومًا بمنهج فرضه عليه عدوه، فكان لابد أن يصيب المرأة المسلمة من هذا نصيب، كما كان لابد أن يحال بينها وبين التعليم والتعلم بسبب سياسة الأعداء للإسلام والمسلمين، فلما حدث هذا بسببهم قالوا: إن المرأة المسلمة جاهلة، وغير متحضرة، وأن هذا الجهل وذلك التراجع الحضاري راجع إلى أسباب دينية وتقاليد إسلامية!
إن مقولتهم تلك من أكذب الكذب على الإسلام؛ لأنه دين العلم والثقافة والمعرفة، الدين الذي كان أول ما نزل من كتابه على الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} (العلق: 1 - 5).
أي دين مجد القراءة والكتابة والعلم والتعلم والثقافة، كهذا الدين؟ أي دين جعل طلب العلم أو التعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة؟
إن تاريخ ومكانة المرأة المسلمة في ظل الحضارة الإسلامية، وقبل أن يقع العالم الإسلامي في براثن أعدائه من شرق وغرب، كان تاريخًا مشرفًا في العلم والتعلم والتعليم، إن المرأة المسلمة برزت في مجالات العلم وبخاصة العلوم الإسلامية حتى بلغ بعضهن في تلك العلوم شأوا بعيدًا، إن الإسلام لم يكتفِ بأن يجيز للمرأة أن تتعلم ما شاءت من علوم الدين والدنيا، بل أوجب عليها ذلك كما أوجبه على الرجل، وقد كانت النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمن كالرجال، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حدد لهن موعدًا يحضرن فيه للعلم والتعلم، كما ورد ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرته.
وكان بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم كأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يؤخذ عنها العلم، وكانت بذلك تُعلِّم عددًا من الرجال الذين كانوا يتوجهون إليها بالسؤال عن حال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهديه، كما كانت تعلم عددًا لا بأس به من النساء، وكان لبعض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم معرفة بكثير من قضايا التفسير لبعض آيات القرآن الكريم، وكثير من مسائل الفقه.
إن الإسلامَ حرَّض النساء على طلب العلم والتعلم كما أسلفنا، وبعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان لبعض النساء المسلمات قدم راسخة في العلم، ولم يكن عددُهن قليلًا في أي قرن من القرون التي كانت الحضارة الإسلامية فيها مزدهرة.
وسوف أدلل على هذا بما يلي:
1 -
ذكر الحافظ ابن عساكر (449 - 571 هـ) المؤرخ المحدث الرحالة أن عدد شيوخه وأساتذته من النساء كان بضعًا وثمانين امرأة، فهل كان هؤلاء هن المتعلمات وحدهن؟ وله معجم سماه "معجم النسوان".
2 -
وذكر الحافظ الذهبي (673 - 748 هـ) المؤرخ المحدث المحقق، وله مؤلفات عديدة في رواة الحديث النبوي، وقد قال عن روايات الحديث من النساء: وما علمت من النساء من اتهمت، ولا من تركوها. أي: لم يتهم أحد من المحدثين الذين رووا عن النساء إحداهن بما يطعن في روايتها، ولم يتركوا الرواية عن واحدة منهن، لفقدها شروط حمل الحديث وروايته.
وقد روى الإمام البخاري عددًا من الأحاديث النبوية في صحيحه عن بعض النساء من راويات الحديث.
وكان ممن عَلَّم الإمام الشافعي، وابن خلكان، وأبا حيان بعضُ النساء، كما حكى هؤلاء الأعلام ذلك بأنفسهم.
فقد ذكر ابن خلكان أن أستاذته أم المؤيد زينب بنت الشعري أخذتِ العلم من كبار العلماء وروته عنهم، وقد منحوها إجازة علمية في ذلك، ثم يقول ابن خلكان بعد ذلك: إنها منحته إجازة علمية كتبتها له سنة 610 هـ".
وكان من النساء المسلمات من اشتغلن بالفقه والتدريس، ومنهن من اشتغلن بالطب والسياسة والاجتماع، والكثرة الكاثرة منهن اشتغلن بالتدريس، وكان عدد لا بأس به منهن قد انقطعن لتدريس العلوم الدينية.
وقد اشتُهر عدد كبير منهن في معظم مجالات العلم، يلتمس في كتب الطبقات مثل:"طبقات المحدثين"، "طبقات الأدباء"، "طبقات الأطباء" وغيرها، كما يلتمس في الكتب الموسعة، ولا نستطيع هنا أن نذكر مسردًا بأسمائهن، حتى لا نخرج عن سمت الكتاب. اهـ.
يقول الأستاذ إبراهيم النعمة: هكذا غرس الإسلام في نفس المرأة المسلمة خطب الجمع والعيدين وهي من وسائل التعليم والتربية وتهذيب النفوس. فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تخرج البنات البالغات، أو اللائي قاربن المحيض واللائي تكون في حالة الحيض في عيدي الفطر والأضحى؛ ليتعلمن ما ينفعهن من تعاليم الإسلام (1).
فكانت هذه الأحاديث وغيرها دروسا قيمة ألقاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك المجتمع الذي غرق في ازدراء المرأة إلى الأذقان. . وقد أثمرت دروسه تلك، وآتت نتائج طيبة حيث أقبلت النساء في صدر الإسلام على رواية الحديث إقبالا عظيمًا، حتى أتى ابن سعد في الجزء الذي عقده من طبقاته لرواية الحديث من النساء على سبعمائة امرأة روين عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه. وترجم ابن حجر في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" لثلاثة وأربعين وخمسمائة وألف من المحدثات، وشهد لهن بالعلم ووثقهن.
وقد كتب كثير من العلماء الأوائل عن مراكز بعض النساء العلمية كالخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" والنووي في "تهذيب الأسماء واللغات" والسخاوي في "الضوء اللامع". . . إلخ، ونبغ في التاريخ الإسلامي عالمات خلد التاريخ ذكرهن، فكانت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عالمة جليلة، تحدث الناس، وتصحح للصحابة وتفتيهم، بل
(1) مجلة الوعي الإسلامي العدد (1) ص 83.
وتستدرك على فتاواهم وأقوالهم، حتى ألف الإمام بدر الدين الزركشي كتابا سماه "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة".
وكانت السيدة فاطمة بنت الشيخ علاء الدين السمرقندي مثلًا من آلاف الأمثلة التي يزخر بها تاريخنا الإسلامي، فقد درست العلوم والفنون حتى صارت الفتوى تخرج من بيت والدها وعليها خطها وخط والدها، فلما تزوج الشيخ علاء الدين الكاساني صارت الفتوى تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها. بل كانت ترد زوجها إلى الصواب إذا أخطأ وهو من هو في العلم، هو الذي شرح تحفة الشيخ السمرقندي حتى قيل: شرح تحفته وزوجه ابنته.
ومن العالمات اللائي خلد التاريخ ذكرهن: أم الواحد: ستيتة بنت القاضي الحسين بن إسماعيل الضبي المحاملي التي كانت من أحفظ الناس للفقه الشافعي. وكانت تحدث ويكتب عنها الحديث، وكانت تفتي من العلماء. توفيت سنة 377 هـ.
وكانت أم الفتح بنت القاضي أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة من أعلم زمانها. كانت تتسم بتمسكها الشديد بتعاليم الإسلام، وكانت عاقلة رزينة حصيفة. أخذ عنها كثير من العلماء كثيرًا من العلوم توفيت سنة 390 هـ.
وكانت زينب بنت عبد الرحمن الشعري عالمة جليلة. وقد أخذ عنها أعيان العلماء رواية وإجازة. وممن أجازها الحافظ أبو الحسن الفارسي، وأبو القاسم الزمخشري صاحب تفسير "الكشاف" وقد أجازت هي ابن خلكان وكان صغيرًا؛ تشجيعًا له.
أما كريمة بنت أحمد المروزي، فكانت من أعلم الناس بالحديث بمكة، وقد قرأ عليها الخطيب البغدادي "صحيح البخاري".
وكانت عنيدة جدة أبي الخير التيناني الأقطع تجلس للتدريس فيجلس أمامها خمسمائة تلميذ من الرجال والنساء. وقل مثل ذلك عن الشيخة شهدة التي كانت تلقب بـ (فخر النساء). ونفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسين بن علي. . . إلخ.
ويكفينا أن نذكر في هذا المقام أن ابن عساكر عد أساتذته الذين أخذ عنهم، فكان منهم إحدى وثمانون امرأة كما قال ياقوت في "معجم الأدباء".
وذكر عبد الواحد المراكشي أنه كان بالربض الشرقي في قرطبة 170 امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي علمًا بأن عدد أرباض -أحياء- مدينة قرطبة واحد وعشرون ربضًا كما يقول المقري في "نفح الطيب".
وكان لبعض الشواعر أثر كبير في الإسلام منهن ليلى الأخيلية، وحميدة بنت النعمان، وسكينة بنت الحسين التي كانت تنقد الشعراء في قصائدهم وتكون حكما بينهم. وبدانية مولاة أبي المطرف عبد الرحمن بن غلبون التي كانت تحفظ الكامل للمبرد والنوادر لأبي علي الفارسي وتشرحهما، ومريم بنت أبي يعقوب الأنصاري التي من شعرها حين كبرت:
وما يرتجى من بنت سبعين حجة
…
وسبع، كنسج العنكبوت المهلهل
تدب دبيب الطفل تسعى إلى العصا
…
ويمشي بها مشي الأسير المكبل
وقل مثل هذا عن رابعة العدوية، وزبيدة أم جعفر زوجة الرشيد، وحفصة بنت الحاج الدكوني، وتقية أم علي بنت أبي الفرج. . . وقد ألف السيوطي كتابا قيما في أشعار النساء عنوانه:"نزهة الجلساء في أشعار النساء".
هذه أمثلة أقل من القليل، تدلنا على مكانة المرأة العلمية في العصر الإسلامي، ومشاركتها في شتى العلوم والفنون، فقد كان كثير من النساء أساتذة للرجال، يدرسونهم، ثم يجيزونهم. ونجد في الإجازات العلمية أسماء عدد من النساء اللاتي أجزن الرجال. وإذا كان التاريخ لم ينقل إلينا أخبار كثير منهن، فإن من ذكرهن شاهد على المنزلة العلمية الكبيرة التي وصلت إليها المرأة المسلمة، وفي الوقت الذي كانت المرأة في أوربا تباع وتشترى، وقد سموها رجسا وجعلوها من سقط المتاع وقالوا عنها: إنها كائن لا نفس له، بل كانوا يبيعون زوجاتهم ويأخذون جميع أموالهن. يقول سان بونا فنتور من رجال
الكنيسة إلى تلاميذه: إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم ترون كائنًا بشريًا، بل ولا كائنا وحشيا، وإنما الذي ترون هو الشيطان بذاته، والذي تسمعون هو صفير الثعبان.
ويقول: ترتوليان من أقطاب المسيحية عن المرأة: إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان. وإنها دافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة، ناقضة لقانون اللَّه، ومشوهة لصورة اللَّه -أي الرجل-.
وقد اعترف كثير من المستشرقين المنصفين والمستشرقات بالمنزلة العالية التي كانت تتبوأها المرأة المسلمة.
يقول بعض الذين أرخوا الحكم الثاني في الأندلس: إن نساء ذلك الزمن الذي كان للعلم والأدب شأن عظيم فيه ببلاد الأندلس كن محبات للدرس في خدورهن، وكان الكثير منهن يتميزن بدماثتهن ومعارفهن، وكان قصر الخليفة يضم لبنى، أي هذه الفتاة الجميلة العالمة بالنحو والشعر والحساب وسائر العلوم والكاتبة البارعة التي كان الخليفة يعتمد عليها في كتابة رسائله الخاصة، والتي لم يكن في القصر مثلها دقة تفكير وعذوبة قريض، كما كان يضم أيضًا فاطمة التي كانت تكتب بإتقان نادر وتنسخ كتبا للخليفة، ويعجب جميع العلماء برسائلها، وتملك مجموعة ثمينة من كتب الفن والعلوم.
وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: وسار الركب وشاهد الناس سيدات يدرسن القانون والشرع، ويلقين المحاضرات في المساجد ويفسرن أحكام الدين فكانت السيدة تنهي دراستها على يد كبار العلماء ثم تنهي دراستها على يد كبار العلماء ثم تنال منهم تصريحًا لتدرس هي بنفسها ما تعلمه، فتصبح الأستاذة الشيخة. كما لمعت من بينهن أديبات وشاعرات. والناس لا ترى في ذلك غضاضة أو خروجًا على التقليد.
على أن أحدًا لا يستطيع أن يجد نصًا واحدًا في كتاب اللَّه ولا في سنة رسوله ولا في أقوال سلفنا الصالح يحرم تعليم البنات أو النساء، بل وجدنا على العكس نصوصًا كثيرة