الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه السادس: أن فقهاء المسلمين قالوا بوجوب تعلم المرأة، وها هي بعض أقوالهم شاهدة على ذلك
.
قال ابن حزم: ويجب عليهن -أي النساء- النفار للتفقه في الدين كوجوبه على الرجال، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة، والصلاة، والصيام، وما يحل، وما يحرم: من المآكل، والمشارب، والملابس كالرجال، ولا فرق، وأن يُعَلمن الأقوال والأعمال، إما بأنفسهن، وإما بالإباحة لهن لقاء من يعلمهن، وفرض على الإمام أن يأخذ الناس بذلك (1).
وقال ابن الجوزي: المرأة شخص مُكَلف كالرجل، فيجب عليها طلب علم الواجبات عليها؛ لتكون من أدائها على يقين، فإن كان لها أب، أو أخ، أو زوج، أو محرم يعلمها الفرائض، ويُعرِّفها كيف تؤدي الواجبات، كفاها ذلك، وإن لم يكن؛ سألت وتعلمت، فإن قدرت على امرأة تعلم ذلك تعرفت منها، وإلا تعلمت من الأشياخ، وذوي الأسنان من غير خلوة بها، وتقتصر على قدر اللازم، ومتى حدثت لها حادثة في دينها سألت عنها، ولم تستح، فإن اللَّه لا يستحي من الحق. (2)
وقال الغزالى: فإن كان الرجل قائمًا بتعليمها، فليس لها الخروج لسؤال العلماء، وإن قَصُرَ علم الرجل، ولكنه ناب عنها في السؤال، فأخبرها بجواب المفتي، فليس لها الخروج، فإن لم يكن ذلك، فلها الخروج للسؤال، بل عليها ذلك، ويعصى الرجل بمنعها، ومهما تعلمت من الفرائض، فليس لها أن تخرج إلى مجلس ذكر، ولا إلى تعلم فضل -أي علم زائد عما يجب- إلا برضاه. (3)
الوجه السابع: طلب العلم حق للمرأة كما هو حق للرجل وهذه هي المساواة بين الرجل والمرأة التي حافظ عليها الإسلام
.
(1) إحكام الأحكام 1/ 325، 413.
(2)
أحكام النساء (38).
(3)
إحياء علوم الدين 2/ 44.
قال الألبانى: والحق أن الكتابة والقراءة، نعمة من نعم اللَّه تبارك وتعالى على البشر كما يشير إلى ذلك قوله عز وجل:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} (العلق: 1 - 5)، وهي كسائر النعم التي امتن اللَّه بها عليهم وأراد منهم استعمالها في طاعته، فإذا وجد فيهم من يستعملها في غير مرضاته، فليس ذلك بالذي يخرجها عن كونها نعمة من نعمه، كنعمة البصر والسمع والكلام وغيرها، فكذلك الكتابة والقراءة، فلا ينبغي للآباء أن يحرموا بناتهم من تعلمها شريطة العناية بتربيتهن على الأخلاق الإسلامية، كما هو الواجب عليهم بالنسبة لأولادهم الذكور أيضًا، فلا فرق في هذا بين الذكور والإناث.
والأصل في ذلك أن كل ما يجب للذكور وجب للإناث، وما يجوز لهم جاز لهن ولا فرق، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما النساء شقائق الرجال"، فلا يجوز التفريق إلا بنص يدل عليه، وهو مفقود فيما نحن فيه، بل النص على خلافه، وعلى وفق الأصل، وهو هذا الحديث الصحيح، فتشبث به ولا ترض به بديلًا، ولا تصغ إلى من قال:
ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابة
…
هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة!
فإن فيه هضما لحق النساء وتحقيرا لهن، وهن كما عرفت شقائق الرجال.
نسأل اللَّه تعالى أن يرزقنا الإنصاف والاعتدال في الأمور كلها (1).
يقول د/ على عبد الواحد وافي: يسوي الإسلام بين الرجل والمرأة في حق التعلم والثقافة. فقد أعطى المرأة الحق نفسه الذي أعطاه الرجل في هذه الشئون. فأباح لها أن تحصل على ما تشاء الحصول عليه من علم وأدب وثقافة وتهذيب، بل إنه ليوجب عليها ذلك في الحدود اللازمة لوقوفها على أمور دينها وحسن قيامها بوظائفها في الحياة.
(1) السلسلة الصحيحة 1/ 296: 297.
ولا يفرق الإسلام في حق التعلم والثقافة بين الحرة والأمة، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحث على تعليم الحرة ولم يرغب في تثقيفها بمقدار ما حث على تعليم الأمة ورغب في تثقيفها وتأديبها. فقد روى البخاري في "صحيحه" عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل كانت عنده وليدة -أي جارية- فعلمها فأحسن تعليمها. وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران".
وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أروع مثل في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في حق التعلم والثقافة وفي حرصه على تعليم المرأة وتثقيفها بما فعله مع زوجه حفصة أم المؤمنين. فقد روت كتب السنة والتاريخ أن الشفاء العدوية، وهي سيدة من بني عدى رهط عمر بن الخطاب، كانت كاتبة في الجاهلية، وكانت تعلم الفتيات، وأن حفصة بنت عمر أخذت عنها القراءة والكتابة قبل زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم. ولما تزوجها صلى الله عليه وسلم طلب إلى الشفاء العدوية أن تتابع تثقيفها وأن تعلمها تحسين الخط وتزيينه كما علمتها أصل الكتابة. عن الشفاء بنت عبد اللَّه قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي:"ألا تعلمين هذه رُقية النملة كما علمتها الكتابة"، ويقصد برقية النملة تحسين الخط وتزيينه (1)(2).
ومن هذا يظهر أن الإسلام قد هيأ للنساء على العموم فرصًا للتربية الراقية من انتهزنها منهن بلغن أعلى المراتب التي قدر للرجال بلوغها، فلم يكن السبب في الجهل الذي كان فاشيًا بين النساء المسلمات في الجيل الماضي راجعًا إلى النظم التربوية في الإسلام، وإنما كان
(1) المرأة في الإسلام (24 - 30).
(2)
قلت: الحديث أخرجه النسائى في الكبرى (7543)، مصنف عبد الرزاق (19768)، وصححه الألبانى في الصحيحة (178) ثم قال معلقًا على الحديث: وفي الحديث فوائد كثيرة أهمها اثنتان:
الأولى: مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى، بخلاف طلب الرقية من غيره فهو مكروه لحديث "سبقك بها عكاشة" وهو معروف مشهور.
والأخرى: مشروعية تعليم المرأة الكتابة. ومن أبواب البخاري في "الأدب المفرد"(1118): "باب الكتابة إلى النساء وجوابهن".