الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لعرض رأيه في الحلول المناسبة لمشكلة البطالة، توجه الطالب الكويتي إلى اللوح ورسم ثلاث دوائر، كتب داخل إحداها "رجال عاملون" وفي الأخرى "نساء عاملات" وفي الثالثة "رجال عاطلون".
وصار يشرح فيقول: الحل هو في أن ينتقل "الرجال العاطلون" إلى دائرة "النساء العاملات" وتنتقل "النساء العاملات" إلى بيتوهن؛ لتربية أطفالهن ورعاية أزواجهن، وأضاف الطالب: وبهذا نكون قد ألغينا البطالة وحفظنا المجتمع من أمراض خطيرة معظمها ناتج عن تصدع الأسر وغياب الأمهات عن البيوت! ! ختم الطالب شرحه البسيط الواضح. والموجز بقوله: يبقى أن أذكر أن هذا الحل قرره الإسلام قبل أربعة عشر قرنًا.
نعم أكثر من اثنى عشر مليون عاطل عن العمل في أوروبا الغربية وحدها، مئات آلاف الجرائم التي ترتكب فيها سنويًا، يمكن أن تتراجع تراجعًا كبيرًا إذا ضمنا عودة المرأة إلى بيتها (1).
الوجه التاسع: الإنسان ليس آلة لا روح فيها
.
إنَّ مصالح الشعوب لا تقاس دائمًا بالمقياس المادي البحت، فلو فرضنا أن اشتغال المرأة يزيد من الثروة القومية، إلا أنه من المؤكد أن الأمة تخسر بذلك خسارة معنوية واجتماعية لا تقدر، تلك هي خسارتها بانسجام الأسرة وتماسكها، إن الغرب خسر كثيرًا باشتغال المرأة، حيث إنها صرح الأسرة، وفسدت أخلاق الأولاد، فأي الخسارتين أبلغ ضررًا في الأمة؟ الخسارة المادية! أم الخسارة الاجتماعية؟ .
إن الذين يلحون على ضرورة اشتغال المرأة خارج بيتها؛ لتكسب البلاد نتيجة عمل المرأة، لا يبالون بما تخسره البلاد من تفكك الأسرة، وفقدان الرقابة والرعاية على تربية أبنائها وبناتها، ومثل هؤلاء يتبنون فلسفة مادية بحتة -وهذا ما تفعله الشيوعية تمامًا- ولكن المجتمع لا تتم سعادته إذا نظر إلى القيم الأخلاقية والروحية والعائلية نظرة ثانوية أو نظرة ازدراء، ومجتمعنا
(1) رسالة إلى حواء صـ 205: 204.
مجتمع متدين تسير سلوكه المبادئ الأخلاقية التي جاءت بها أديانه، فلا يمكن أبدًا أن ينظر إلى الأسرة بالمنظار الذي تنظر به الشيوعية والحضارة الغربية المادية إليها، وإلا كان ذلك خرابًا للمجتمع في نظر أديانه ومبادئه ومثله الخلقية، ورسالته الإنسانية.
إن النظر إلى كل فرد في المجتمع كآلة منتجة لا تهتم الدولة إلا بزيادة إنتاجها، هو رجوع بالإنسان إلى الوراء. . إلى عهود الرق والعبودية والسخرة. . وهذا ما لا ترضاه الإنسانية الكريمة في إنسان مجتمعنا المتدين الراقي بعواطفه وأخلاقه ومثله العليا.
على أن النظرة المادية لا تنطبق على واقع حياتنا وحياة المجتمعات الأخرى حتى في الشيوعية نفسها، فهناك -في كل مجتمع- فئات معطلة عن الإنتاج المادي، فالجيوش والموظفون لا يزيدون في ثروة الأمة المادية، وقد رضيت كل الأمم بأن يتفرغ الجيش لحماية البلاد، دون أن تلزمه بالعمل والكسب، فهل يقال: إن هذا تعطيل للثروة البشرية يؤدي إلى انخفاض الثروة القومية في البلاد؟ أم إن هؤلاء المنادين باشتغال المرأة خارج بيتها يوافقون على حرمان الأمة من جهود أفراد الجيش الاقتصادية في سبيل مصلحة أعلى وأثمن من المنفعة الاقتصادية؟ وإذا كان كذلك، فهل يكون التفرغ لشئون الأسرة أقل فائدة للأمة من تفرغ الجيش لحماية البلاد؟ أم يريدون أن ترهق المرأة بالعملين معًا؟
إن حياة الناس -أي ناس كانوا- ليست كلها تحسب بحساب الربح ولخسارة المادية، فالكرم والشهامة والتضحية والوفاء وبذل العون للآخرين كل ذلك خسران مادي، ولكنه ربح عظيم لا يتخلى عنه الناس الشرفاء الذين يعتزون بكرامتهم الإنسانية.
وليست صيانة الأسرة، ورعاية الطفولة، وتربية الأولاد بأقل شأنًا في نظر الإنسان الراقي المعتز بإنسانيته من تلك القيم الأخلاقية التي لا تقاس بالمقياس المادي البحت.
وأخيرًا فإن خوض الأمة معارك الدفاع عن حياتها، أو انتزاع استقلالها من أيدي المغتصبين، ترحب به كل أمة، بل لا تستطيع أي أمة كانت أن تفعل غيره، فكم تلحق بالأمة من خسائر مادية وبشرية في سبيل الدفاع المشروع؟ وهل يجرؤ أحد على أن يدعو
الأمة إلى تسريح جيشها، وعدم شراء الأسلحة والذخائر أو صنعها، وعدم مقاومة المغيرين المعتدين بحجة أن في ذاك كله خسائر مادية، وإضرارًا بالإنتاج القومي والثروة العامة في البلاد؟
ثم أي معنى لقول من يقول: إن وجود المرأة في البيت يعودها الكسل ولذلك تسمن نساؤنا أكثر من الغربيين، إن مثل هؤلاء لا يعرفون متاعب البيت وأعماله، وكيف تشكو المرأة من عنائه، فما يمسي المساء إلا وهي منهوكة القوى تروح عن نفسها بالاجتماع إلى جاراتها وصديقاتها.
والبنت ما دامت في المدرسة فهي تلقى العلم فلا يجوز إرهاقها بالعمل معه وإذا انتهت من المدرسة لا تمكث في بيت أبيها وأمها إلا بمقدار ما تتهيأ للانتقال إلى بيت الزوجية، فهي في هذه الحالة تتلقى دروسًا عملية عن أمها في إدارة البيت وأعماله وشئونه، فلا يجوز مع ذلك إرهاقها بالعمل خارج البيت.
إن الذي أؤكده في الموضوع أن أعمال المرأة في البيت -بنتًا كانت أم زوجة- لا تقل عن أعمالها خارج البيت مشقة وعناء. وكثيرًا ما تكون أكثر مشقة وإرهاقًا.
أما ما يزعمون من سمن المرأة الشرقية، فهذه نكتة لا تستحق المناقشة لولا أننا سمعناها كثيرًا من هؤلاء المتحمسين لعمل المرأة خارج بيتها، ذلك أن السمن والنحافة تابعان لنظام التغذية، ومما لا ينكر أن نظامنا في الطعام يؤدي إلى السمنة في الرجل والمرأة على السواء، بل الملاحظ أن السمن عند الرجال في الغرب كما شاهدنا ذلك، ويؤكد هذا أن الأعراب المقيمين في الصحراء قل أن يوجد فيهم السمين، ولقد لاحظت في إحدى المرات التي أديت فيها فريضة الحج، وقد حضره من مختلف أنحاء الجزيرة العربية ما يبلغ نحوًا من ثلاثمائة ألف بدوي، لاحظت حينئذٍ أنه قل أن يوجد بينهم سمين، بل إني لم أر في هذا العدد الضخم سمينًا واحدًا قط.
فالقضية تابعة لنظام التغذية ونوع الغذاء لا إلى الراحة أو التعب (1).
(1) المرأة بين الفقه والقانون صـ 132: 130.