الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحريم هذا هو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأحمد وأصحابه، ومالك وجمهور أصحابه، وهو قول كثير من أصحاب الشافعي، وأنكروا أن يكون الشافعي نص على خلاف ذلك، وقالوا إنما نص علي بنته من الرضاع دون الزانية التي زنى بها واللَّه أعلم. (1)
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُلِيط (2) أولاد الجاهلية بمن ادَّعاهم في الإسلام، وهذا إذا لم يكن هناك فراش لأنهم في الجاهلية كانوا يسافحون ويناكحون، وأكثر نكاحاتهم على حكم الإسلام غير جائزة، وقد أمضاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما جاء الإسلام أبطل به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حكم الزنى لتحريم اللَّه إياه، وقال:"للعاهر الحجر"(3)، فنفى أن يلحق في الإسلام ولد الزنى، وأجمعت الأمة على ذلك نقلًا عن نبيها صلى الله عليه وسلم، وجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كل ولد يولد على فراش لرجل لاحقًا به على كل حال إلى أن ينفيه بلعان. (4)
ثم قال أبو عمر: وقد ظُنَّ أنَّ عمرَ بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم سواء كان هناك فراش أم لا، وذلك جهل وغباوة وغفلة مفرطة، وإنما الذي كان عمر يقضى به أن يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم إذا لم يكن هناك فراش، وفيما ذكرنا من قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الولد للفراش، وللعاهر الحجر ما يكفي ويغني، وإن كان مستحيلًا أن يظن به أحدٌ أنه خالف بحكمه حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الولد للفراش وللعاهر الحجر - إلا جاهل، لا سيما مع استفاضة هذا الخبر عند الصحابة، ومن بعدهم. (5)
6 - ومن الأوجه الدالة على تحريم هذه المسألة:
(1) مجموع الفتاوى (32/ 142).
(2)
أي: يلحق.
(3)
رواه البخاري (4631)، ومسلم (1457) عن عائشة رضي الله عنها.
(4)
التمهيد (8/ 183).
(5)
التمهيد (8/ 193).
القياس على التحريم بلبن الفحل، والمعني: أن الرجل لو أرضعت زوجته بنتًا حرمت عليه؛ لأنه هو المتسبب في اللبن الذي أثر في جسمها، فكونها تحرم لأنها تكونت من مائه مباشرةً، فهذا أولى وهذا قياس جلي.
قال ابن القيم: وقد دل التحريم بلبن الفحل على تحريم المخلوقة من ماء الزنى دلالة الأولى والأحرى؛ لأنه إذا حرم عليه أن ينكح من قد خُلق من نفس مائه بوطئه؟ وكيف يحرم الشارع بنته من الرضاع لما فيها من لبن كان وطءُ الرجلِ سببًا فيه؟ ثم يبيح له نكاح من خلقت بنفس وطئه ومائه؟ ! هذا من المستحيل، فإن البعضية التي بينه وبين المخلوقة من مائه أكمل وأتم من البعضية التي بينه وبين من تغذت بلبنه؛ فإن بنت الرضاع فيها جزء ما من البعضية، والمخلوقة من مائه كاسمها مخلوقة من مائه، فنصفها أو أكثرها بعضه قطعًا، والشطر الآخر للأم، وهذا قول جمهور المسلمين، ولا يعرف في الصحابة من أباحها، ونص الإمام أحمد على أن من تزوجها قتل بالسيف محصنًا كان أو غيره، وإذا كانت بنته من الرضاعة بنتًا في حكمين فقط الحرمة والمحرمية، وتخلف سائر أحكام البنت عنها لم تخرجها عن التحريم وتوجب حلها؛ فكذا بنته من الزنا تكون بنتًا في التحريم وتخلف أحكام البنت عنها لا يوجب حلها، واللَّه -سبحانه- خاطب العرب بما تعقله في لغتها، ولفظ البنت لفظ لغوي لم ينقله الشارع عن موضعه اللغوي حتى يثبت نقل الشارع له عنه إلى غيره، فلفظ البنت كلفظ الأخ والعم والخال ألفاظ باقية على موضوعاتها اللغوية.
وقد ثبت في الصحيح أن اللَّه تعالى أنطق ابن الراعي بقوله: أبي فلان الراعي، وهذا الإنطاق لا يحتمل الكذب.
وانقطاع الإرث بين الزاني والبنت لا يوجب جواز نكاحها.
وقال ابن قدامة: ويحرم على الرجل نكاح ابنته من الزنا، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وأخته من الزنا، وهو قول عامة الفقهاء.