الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي يراجع تعليمات بولس في رسالته الأولى الى تيموثاوس لا يخفى عليه أن استحسانه بوجود زوجة واحدة فقط للأسقف والشماس، حتى يمكنه تدبير بيته وبالتالي يحسن تدبيره لكنيسته، ومعنى ذلك أنه يجوز على الأقل للآخرين أن يكون لهم أكثر من زوجة واحدة: ليكن الشماسه كلُّ بعل امرأة واحدة مدبرين أولادهم وبيوتهم حسنًا (تيموثاوس الأولى 3: 12)(1).
فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة، صاحبًا، عاقلًا، محتشمًا، مضيفًا للغرباء، صالحًا للتعليم غير مدمن الخمر، ولا ضراب، ولا طامع بالربح القبيح، بل حليمًا، غير مخاصم، ولا محب للمال يدبر بيته حسنًا، له أولاد في الخضوع بكل وقار، وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة اللَّه؟ . (2)
ولم تحرم المسيحية التعدد مطلقًا وانظر ما يلي:
* كان شارلمان الإمبراطور الروماني المسيحي متزوجًا بأكثر من زوجة، ومن زوجاته (سوارت) و (هولجاور) إلى جانب عدد كبير من المحظيات.
* وكان للامبراطور (ليو السادس) في القرن العاشر الميلادي ثلاث زوجات وتسرى برابعة، وهي التي ولدت له ابنه الإمبراطور قسطنطين الذي حكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية.
* وكان لملك انجلترا هنري الثامن ثلاث زوجات فقد تزوج كاترين، آن بولين، حنا سيمور.
* وقد قرر الإمبراطور فلنتيان الثاني الذي ولي الحكم عام 375 م أي في القرن الرابع الميلادي: أن الاقتصار على زوجة واحدة إنما هو من آثار الوثنية الرومانية، ولذلك أصدر أمرًا بجواز الجمع بين أكثر من زوجة، قائلًا: إن المسيحية لم تمنع ذلك، وهذا الاتجاه في التعدد يتلاءم مع ما رآه مارتن لوثر زعيم طائفة البروتستانت، الذي قرر: أن التعدد أمر لم
(1) وعلى الشمامسة أن يكون الواحد منهم زوج امرأة واحدة، وأن يحسنوا رعاية أبنائهم وبيوتهم.
(2)
إنسانية المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى (269).
يحرمه الرب، وضرب مثلًا بإبراهيم الذي كان له ثلاث أو أربع زوجات، لذلك سمح لوثر لأمير هيس الأمير فليب أن يجمع بين زوجتين وقال:
إذا نظر الرجل إلى امرأة وحسنت في عينيه وأحبها وهو متزوج فخير له أن يتزوجها من أن يتخذها خليلة، الأمر الذي جعل طائفة (برسير) في إنجلترا تقرر أن من حق المسيحي أن يجمع بين عدد زوجات.
* ومن علماء المسيحية أنفسهم من يقرر أن نظام الزوجة الواحدة نظام مصطنع، ولا يتصل مطلقًا بالديانة المسيحية في نشأتها الأولى، وإنما هو نظام وضعته الكنيسة كما قرر وول ديورانت قال أرثر فيلبس في كتابه (دراسة الزواج والأسرة في أفريقيا):
كما أن بعضهم يرى أن التعدد إنما فرضه المسيحيون الأوربيون على أنفسهم، لينفذوه في البلاد التي استعمروها؛ ليبقى لهم فائض خيرات هذه المستعمرات، والمنع لم يكن لسبب ديني وإنما كان لسبب استعماري.
* وبقى تعدد الزوجات في العالم المسيحي مباحًا إلى القرن الثامن عشر، وبالتحديد إلى عام 1750، أما قبل هذا التاريخ فلم يكن التعدد ممنوعًا، وإنما كان مباحًا تقره الكنائس المسيحية وتباركه كما جاء في تواريخ الزواج بين الأوربيين.
يقول وسترماك في تاريخه:
وفي الحق إن العهد الجديد اتخذ هذا النظام كمثل أعلى للزواج ولكن مع ذلك لم يحرم تعدد الزوجات، تحريمًا ظاهرًا إلا للشماس أو القسيس، ويكفي أن نعلم أننا لم نجد مجلسًا كنيسيًا واحدًا عارض تعدد الزوجات، أو وضع عقبات في سبيله عند الملوك أو الحكام الذين كانوا يمارسونه في الدول الوثنية في قرون المسيحية الأولى، ثم قال:
إن ديارمنت ملك إيرلندا كان له زوجتان وسريتان وتعدد زوجات الملوك الميروفنجيين غير مره في القرون الوسطى، وكان لشارلمان زوجتان كما يظهر في بعض قوانينه أن تعدد الزوجات لم يكن مجهولًا بين رجال الدين أنفسهم، وبعد ذلك بزمن كان
فيليب أوف هيس وفردريك وليام الثاني البروس بيرمان عقد الزواج مع اثنتين بموافقة القساوسة اللوثريين، وأقر مارتن لوثر نفسه تصرف الأول منهما، كما أقره ملانكستون، وكان لوثر يتكلم في شتى المناسبات عن تعدد الزوجات بغير اعتراض، فإنه لم يحرم بأمر من اللَّه، ولم يكن إبراهيم يحجم عنه إذْ كان له زوجتان {وهو هنا قد نسى أن إبراهيم قد تزوج بقطروة} نعم إن اللَّه أذن بذلك لرجال من العهد القديم في ظروف خاصة، ولكن المسيحي الذي يريد أن يقتدي بهم يحق له أن يفعل ذلك؛ متى تيقن أن ظروفه تشبه تلك الظروف فإن تعدد الزوجات على كل حال أفضل من الطلاق.
* وعقب الحرب العالمية الأولى، قام جورج أنكيتي بالمطالبة بإلغاء النص في القانون الذي يعاقب على الجمع بين زوجتين بالأشغال الشاقة المؤقتة، وطالب بإباحة تعدد الزوجات للقضاء على شيوع الفجور الذي كان لوجود عدد كبير من النساء بدون رجال، وحتى يكون لكل امرأة حقها الطبيعي في تحقيق نزعة الأمومة المشروعة.
* في سنة 1830 م قامت فرقة تسمى فرقة المورنتر التي أسسها جوزيف سمث تبيح التعدد وتقول: إن إفرادية الزوجة أمر غير طبيعي.
* وقال جرجي زيدان: فالنصرانية ليس فيها نص صريح يمنع أتباعها من التزوج بامرأتين فأكثر لو شاءوا لكان تعدد الزوجات جائز عندهم، ولكنَّ رؤساءهم القدماء وجدوا نظام الزوجة الواحدة أقرب لحفظ نظام العائلة واتحادها - وكان ذلك شائعًا في الدولة الرومانية.
* ونرى المسيحية المعاصرة تعترف بالتعدد في إفريقيا السوداء، فقد وجدت الإرساليات التبشيرية نفسها أمام واقع اجتماعي، وهو تعدد الزوجات لدى الإفريقيين الوثنيين، ورأوا أن الإصرار على منع التعدد يَحُوْلُ بينهم وبين الدخول في النصرانية، فنادوا بوجوب السماح للإفريقيين المسيحيين بالتعدد إلى غير حد محدود، وقد ذكر السيد تورجيه مؤلف كتاب (الإسلام والنصرانية في أواسط أفريقية) هذه الحقيقة، ثم قال:
فقد كان هؤلاء الإرساليون يقولون إنه ليس من السياسة أن نتدخل في شئون الوثنيين الاجتماعية التي وجدناهم عليها وليس من الكياسة أن نُحَرِّمَ عليهم التمتعَ بأزواجهم ماداموا نصارى يدينون بدين المسيح، بلا ضرر من ذلك مادامت التوراة؛ -وهي الكتاب الذي يجب على المسيحيين أن يجعلوه أساس دينهم- تتيحُ هذا التعدد فضلًا عن أن المسيح قد أقر ذلك بقوله: لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. (متى 5: 17).
وأخيرًا أعلنت الكنيسة رسميًا: السماح للأفريقيين النصارى بتعدد الزوجات إلى غير حد.
* كما وجدت الشعوب الغربية نفسها -تجاه زيادة عدد النساء على الرجال عندهم خاصةً بعد الحربين العالميتين- إزاءَ مشكلةٍ اجتماعية خطيرة لا تزال تتخبط في إيجاد الحل المناسب لها، وقد كان بين الحلول التي برزت؛ إباحة تعدد الزوجات، فقد حدث أن مؤتمر الشباب العالمي عقد في ميونغ بألمانيا عام 1948 م، واشترك فيه بعض المسلمين الدارسين من البلاد العربية، وكان من لجانهِ لجنةٌ تبحث مشكلة زيادة عدد النساء في ألمانيا أضعافًا مضاعفةً عن عدد الرجال بعد الحروب، وقد استعرضت مختلف الحلول بهذه المشكلة، وتقدم الأعضاء المسلمون في هذه اللجنة باقتراح تعدد الزوجات، وقوبل هذا الرأي بشيء من الدهشة والاشمئزاز، ولكن أعضاء اللجنة اشتركوا جميعًا في مناقشته، فتبين بعد البحث الطويل أنه لا حل غيره، وكانت النتيجة أن قررت اللجنة توصية المؤتمر بالمطالبة بإباحة تعدد الزوجات لحل المشكلة.
* ويقول هنري هلام henrihallam: إن المصلحين الألمان من علماء الدين المسيحي قد أقروا التزوج بثانية وزوجة ثالثة مع الزوجة الأولى، واستمر العمل بذلك حتى القرن السادس الميلادي، وكذلك قال الألماني إدواردفون هارتمان آراء تشبه هذه الآراء فهو يرى أن الغريزة الطبيعية للرجل تميل إلى تعدد الزوجات.
* وفي عام 1949 م تقدم أهالي بون عاصمة ألمانيا الاتحادية في ذلك الوقت بطلب إلى السلطات المختصة، يطلبون فيه أن ينص في الدستور الألماني على تعدد الزوجات.
* بل ذكرت الصحف الألمانية في ذلك الوقت أن الحكومة الألمانية أرسلت إلى مشيخة الأزهر تطلب منها نظام تعدد الزوجات في الإسلام؛ لأنها تفكر في الاستفادة منه كحل لمشكلة زيادة النساء، ثم أتبع ذلك وصول وفد من العلماء الألمان اتصلوا بشيخ الأزهر لهذه الغاية، كما التحقت بعض الألمانيات المسلمات بالأزهر لتطلعَ بنفسها على أحكام الإسلام في موضوع المرأة عامةً وتعدد الزوجات خاصةً، وقد حدثت محاولة قبل هذه الحالات في ألمانيا أيام الحكم النازي لتشريع تعدد الزوجات.
يقول د/ عبد الودود شلبي: حدثنا الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر: أن هتلر حدثه برغبته في وضع قانون يبيح تعدد الزوجات وطلب إليه أن يضع له في ذلك نظامًا مستمدًا من الإسلام، ولكن قيام الحرب العالمية الثانية حالت بين هتلر وبين تنفيذ هذا الأمر، وقد سبق أن حاول "إدوارد السابع" مثل هذه المحاولة، فأعد مرسومًا يبيح فيه التعدد ولكن مقاومة رجال الدين قضت عليه.
ثم إن المفكرين الغربيين الأحرار أثنوا على تعدد الزوجات خاصة عند اليهود والمسلمين، فقد عرض جروثيوس العالم القانوني المشهور لموضوع تعدد الزوجات، فاستصوب شريعة الآباء العبرانيين والأنبياء خاصة في العهد القديم في إقرارها تعدد الزوجات، وكذلك استحسن القديس أوغسطين أن يتخذ الرجل إلى جانب زوجته سرية إذا ما كانت زوجته عقيمًا وثبت عقمها، وإن كان لم يسمح بمثل ذلك للزوجة إذا ثبت أن زوجها هو العقيم، وليس ذلك خوفًا من اختلاط الأنساب، ولكن لأمن الأسرة لأنه كما قال في كتابه الزواج الأفضل: لا يصح أن يكون في الأسرة سيدان.
* وقال الفيلسوف الألماني الشهير "شوبنهاور" في رسالته كلمة عن النساء:
إن قوانين أوربا فاسدة المبنى بمساواتها المرأة بالرجل، فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة، فأفقدتنا نصف حقوقنا، وضاعفت علينا واجباتنا، على أنها مادامت أباحت للمرأة حقوقًا مثل الرجل كان من اللازم أن تمنحها أيضًا عقلًا مثل عقله. . .، إلى أن