الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستطيع أن يتحمل أعباء الحياة؟ والمرأة كما هو معروف عنها ترجح جانب العاطفة على جانب العقل وسريعة الاغترار كما بينا من قبل.
ومن هذا يتضح أن المرأة إذا رضيت رجلًا كفئا، فليس لوليها أن يمنعها من التزويج به، ولو أصر على الامتناع يسقط اعتبار إذنه، ويزوجها وليٌ آخر غيره.
الوجه الخامس: وأخيرًا كلمة إنصاف في هذه المسألة لكل العقلاء
.
ولعله قد تبين من مجموع ما سبق كله أن موضوع الولي في الإسلام لم يُشرع ليكون حجرًا على المرأة في اختيار شريك حياتها، أو عضلها عن ذلك، أو امتهانًا لكرامتها، وعقلها، وانتقاصًا منها، وزراية عليها -كما يغلط بذلك معارضون- إنما قد شرع لنقيض ذلك كله من حفظ حياء المرأة، وإعزازها، ومساندتها في أهم العقود والتصرفات المتصلة بها، وإرشادها في ذلك كله ومعاونتها لمزيد الاهتمام بها، مع أنه -بجوار هذه المكاسب لهما- لا ضرر عليها مطلقًا منه، ولا تعطيل لمصالحها، ولا إهدار. وإذا وازن المنصفون بين هذه المكاسب التي تتبدى من الفهم المتكامل الذي قدمناه في مجموع النصوص، وبين ما قد تتعرض له المرأة من تأخير زواجها وقتًا ما حتى يستفسر الولي عنه، ونحو ذلك، لرجح جانب مصلحتها في هذا الفهم رجحانًا عظيمًا، ولمثل هذا وجه هام من وجوه تكريم الإسلام للمرأة، وعنايته العظمى بمصالحها. (1)
يقول د/صابر أحمد طه (2): لقد زعم بعض المستشرقين أن الإسلام لم يكن منصفًا حينما قيد حرية المرأة في جميع أطوار حياتها، ولم يعطها الحق في أن تتصرف فيما تريد كيفما تشاء.
وللرد على هذا الزعم أقول:
لقد ذكرتُ أن الإسلام أعطى للمرأة الحق في قبول أو رفض منْ جاء يطلب يدها، ولا حق لوليها أن يُجبرها على قبول من لا تريد، وأن يمنعها أن تتزوج من رضيته من أهل
(1) مكانة المرأة في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة (487).
(2)
نظام الأسرة في اليهودية والنصرانية والإسلام (215 - 218) بتصرف يسير.
الخُلق والدين، فذلك شأنها وحدها، بل إنه أخص خصائصها، تتصرف فيه بالمعروف على ما ترى فيه استقرارها وأُلفتها.
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه: وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَى: أَنْ تَسْكُتَ". (1)
والأحاديث في إعطاء المرأة حرية الاختيار كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:
عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجَارِيَةِ يُنْكِحُهَا أَهْلُهَا أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ تُسْتَأْمَرُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: فَإِنَّهَا تَسْتَحْيِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: فَذَلِكَ إِذْنُهَا إِذَا هِىَ سَكَتَتْ. (2) أي سكوتها يُكتفى به، فلا تُكلّف التصريح لحيائها، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة، والتي يفهم منها أن الإسلام قد أعطى المرأة حرية الاختيار، وأنه لا مكان لدعوى المستشرقين الزائفة حولى حرية المرأة، لكن المستشرقين لا يعنون هذه الحرية، وإنما يعنون بالحرية هي أن تنطلق المرأة بلا قيد، وأن تتحرر من كل ضابط، وأن تتخلص من كل رقابة، فلا دين يكبح جماحها، ولا أخلاق تهذب طباعها، ولا زوج ولا والد يغير عليها، ويتدخل في حياتها.
هذه الحرية يرفضها الإسلام ولا يقرها؛ لأنها تُحوّل المرأة عن طبيعة فطرتها ورسالتها، ولأنها تدفع المرأة إلى طريق مُظلم مضلل، تكون فيه أداة للأهواء والرغبات، وهذا يؤدى بدوره إلى تحطيم القيم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية، والتي تؤدي بدورها حتمًا إلى تدمير المجتمع وهدم الأسرة، كما أن هذه الحرية تجعل المرأة تدوس على أقدس واجباتها كزوجة وأم وربة منزل، فتهدم تلك الأصول الثلاثة، أضف إلى هذا أن إعطاء الحرية للمرأة، كما يطالب بها الزاعمون تؤدي إلى تفشي الفساد في البلاد، وإلى انتشار الخلاعة والفجور، وإلى فتك الأمراض التناسلية بالعباد، وزهد أكثرهم في الزواج، واتخاذهم الخليلات والأخدان.
(1) البخاري (5136)، مسلم (1419).
(2)
البخاري (5137)، مسلم (1420) واللفظ له.
ولا أدلَّ على ذلك مما يحدث في البلاد التي أعطت المرأة الحرية، تقول صحف أمريكا أرحب بلاد العالم صدرًا بالحرية الجنسية: إن هناك مشكلة اجتماعية خطيرة يتزايد خطرها كل يوم حتى أصبحت تقلق بال المسئولين، فيفزعون إلى المختصين من علماء الاجتماع يسألونهم العون في هذه المشكلة التي تُنذر بالويل والثبور، تلك هي مشكلة الاختطاف، فكل يوم تأتى الأخبار المزعجة بأن بعض الفتيان قد اختطفوا فتيات في سياراتهم، فقضوا منهن وطرهم، وتركوهن بعيدًا عن منازلهن بمسافات شاسعة، لا يتيسر لهنّ الرجوع منها إلا بعد أمد طويل.
ويتبادر إلى الذهن هذا السؤال: فيم الاختطاف والحرية مُباحة للجميع إباحة كاملة لا قيد فيها ولا حدود؟ والسؤال على عجبه مردود ببساطة: إنه لا مناص حين تُطلق الحرية يصنعون ما يشاءون أن تتعارض الأهواء وتصطدم الرغبات فيحدث أن يعشق فتًى فتاة لا تحبه، وإنما تميل بمشاعرها إلى غيره، وما دامت النوازع والشهوات قد أُطلقت من عقالها ولم يضبطها ضابط خوفًا من تقييد الحرية، فإن هذا العاشق المتهوس لن يضبط عواطفه (أستغفرُ اللَّه) بل شهوته إلى تلك الفتاة بعينها، فلا يجد سبيلًا إلا استدراجها واختطافها، وهكذا يحدث هذا الأمر الشنيع في البلد الذي أباح كل شيء للجميع، بل يحدث نتيجة لهذه الإباحة التي لا تقف عند حد. هذا خطر تعترف به أمريكا وتُنذر به الصحف وتطلب تدخل المسئولين، وإن تزايده يوما بعد يوم لينذر بأنه مقدمة لما هو أخطر منه في الحياة الاجتماعية الأمريكية.
كما أن بريطانيا أعلنت أن عصابات النساء المراهقات قد ازدادت، فقد أُلقى القبض على (742000) فتاة وسيدة بتهمة السطو والسرقة، و (10000) فتاة بتهمة الدعارة، و (2680) فتاة دخلت السجن بتهمة السرقة بالإكراه وغير ذلك كثير.
وفي إيطاليا يصل حجم الأعمال اليومي في سوق الدعارة إلى (500) مليون جنيه إسترليني في اليوم الواحد، وليس ذلك في شهر أو حتى أسبوع، وهذه الملايين اليومية تذهب جميعها إلى العصابات التي تُدير تجارة الرقيق الأبيض، وتقوم باستغلال حوالي مليون امرأة من مختلف الأعمار.
وفي فرنسا أصدرت منظمة فرق مقاومة تجارة الرقيق الأبيض بيانًا ذكرت فيه المكاسب التي يحققها زعماء شبكات الدعارة خلال عام واحد في فرنسا نحو (3000 مليون فرنك) أي حوالي 230 مليون جنيه استرليني، كما أوضح البيان أنه لا توجد فتاة في السويد والدانمارك لا تعرف العلاقة الجنسية قبل الزاوج.
وقد كتبت مجلة تايم الأمريكية أن العذرية قد فقدت أهميتها وأصبحت مسألة غير ذات أهمية بالنسبة للفتيات؛ ولذلك فقد دلت الإحصائيات أن سدس الفتيات الأمريكيات يتزوجن وهنّ حاملات من علاقات جنسية سابقة، وارتفعت نسبة الفتيات اللاتي وضعت أولادًا من علاقات جنسية غير مشروعة ممن تقل أعمارهن عن العشرين، من (804 في الألف) سنة 1940 م إلى (16 في الألف) سنة 1961 م، فكم تكون بلغت الآن؟
وأما من هن فوق العشرين إلى (25) سنة فنسبتهن من (11 في الألف) إلى (41 في الألف)، ولا شك أن هذه النسبة زادت نظرًا لازدياد الإباحية والفجور.
كما نشرت مجلة مستشفى اليوم اللندنية في مقالها الافتتاحي لعدد إبريل سنة 1975 موجزًا عن التقرير السنوي للمسئول الطبي في وزارة الصحة والشئون الاجتماعية قال فيه: وبالرغم من التوافر الواسع في حبوب منع الحمل والإجهاض القانوني فإن (6.8%) من الأطفال يولدون لأمهات غير متزوجات، وتبين وجود (28) حالة حمل لفتيات في الثالثة عشر، (255) لفتيات في الرابعة عشر، (6600) حالة إجهاض قانونية في نفس العام، كما أن (50%) من هذا العدد أي (83000) حالة إجهاض لنساء غير متزوجات.
هذه هي الحرية عند الغرب، وهذه هي عاقبتها، الأمر الذي جعل العقلاء منهم ينصحون بأن نمنع الاختلاط، وأن نقيد حرية الفتاة، وأن نتمسك بتقاليدنا وأخلاقنا وديننا وتعاليمنا فهي تعاليم صالحة ونافعة.
إذًا فلا ضرر في أن يقيد الإسلام حرية المرأة من أجل الحفاظ عليها، ولأداء رسالتها الاجتماعية الكبرى.
* * *