الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: أما عن احتجاجهم بحديث "إنما الرضاعة من المجاعة" بقولهم إن شرب اللبن يؤثر في الكبير كما يؤثر في الصغير. فهذا كلام غير صحيح.
قال ابن القيم: وقولكم إن الرضاعة تطرد الجوع عن الكبير كما تطرد الجوع عن الصغير كلام باطل، فإنه لا يُعهد ذو لحية قط يشبعه رضاع المرأة ويطرد عنه الجوع بخلاف الصغير فإنه ليس له ما يقوم مقام اللبن فهو يطرد عنه الجوع، فالكبير ليس ذا مجاعة إلى اللبن أصلا، والذي يوضح هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد حقيقة المجاعة، وإنما أراد مظنتها وزمنها ولا شك أنه الصغر. (1)
ثالثًا: وأما احتجاجهم بقول ونقل عائشة رضي الله عنها.
فهذا لا دليل له.
فرضي اللَّه عن أم المؤمنين فإنها وإن رأت أن هذا الرضاع يثبت المحرمية فسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يخالفنها في ذلك ولايرين دخول هذا الستر المصون والحمى الرفيع بهذه الرضاعة، فهي مسألة اجتهاد، وأحد الحزبين مأجور أجرًا واحدًا والآخر مأجور أجرين.
وأسعدهما بالأجرين من أصاب حكم اللَّه ورسوله في هذه الواقعة، فكل من المدخل للستر المصون بهذه الرضاعة والمانع من الدخول فائز بالأجر مجتهد في مرضاة اللَّه وطاعة رسوله وتنفيذ حكمه، ولهما أسوة بالنبيين الكريمين - داود وسليمان اللذين أثنى اللَّه عليهما بالحكمة والحكم وخص بفهم الحكومة أحدهما. (2)
قلت: وقد بينا في المقدمة حرص عائشة رضي الله عنها على الخير ورفعة أخلاقها وتجنبها للشبهات وغير هذه الأمور.
الوجه السادس: الرد على باقي أدلتهم حول هذه الشبهة
.
أما عن قولهم لماذا وضع البخاري الرضاع في كتاب النكاح.
والجواب على ذلك نقول:
(1) زاد المعاد (5/ 589)، راجع كلام أهل العلم على معنى هذا الحديث فيما سبق بيانه من هذا البحث.
(2)
زاد المعاد (5/ 590).
لقد وضع البخاري تحت الرضاع بابًا وأسماه (باب من قال لا رضاع بعد حولين لقوله تعالى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها "فإنما الرضاعة من المجاعة" (1).
وكل هذا واضح لا إشكال فيه،
فهل معنى أن البخاري وضع باب الرضاع تحت باب النكاح أنه أجاز لمن ارتضع من امرأة أن ينكحها؟ من قال هذا؟
وإنما وضع الرضاع تحت باب النكاح ليُعلم أن الرضاع محظور من محظورات النكاح وهو الرضاع الذي يكون قبل الحولين أما ما بعد الحولين، فلا إشكال فيه ولذا وضع هذا الباب الذي ذكرناه. (2)
أما عن حديث عائشة قالت: لقد نزلت آية الرجم ورضعات الكبير عشرًا وكانت في ورقة تحت سرير في بيتي فلما اشتكى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بموته فدخل الداجن فأكلها" (3).
(1) البخاري مع الفتح (2 - 51).
(2)
راجع كلام الحافظ ابن حجر (9/ 50: 53) وقد بينا تفصيل ذلك في هذا البحث فليراجع.
(3)
شاذ بهذا اللفظ. أخرجه أبو يعلى (4569) من حديث جعفر بن حميد الكوفي، والدارقطني (4330)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (15468) من حديث محمد بن يحيى القطعي، وابن ماجه (1944)، والطبراني في الوسيط (7805)، وابن حزم في المحلى (11/ 235)، من حديث يحيى بن خلف ثلاثتهم (جعفر - ومحمد - ويحيى) عن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد ابن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة الحديث.
وأخرجه أحمد (6/ 269) من حديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قال حدثني عبد اللَّه به.
وأخرجه ابن الجوزي في الناسخ والمنسوخ (188) من حديث ابن أبي داود، قال: حدثنا عبد اللَّه بن سعد قال: حدثني عمر، قال: حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد اللَّه به. . . وأخرجه أبو يعلى (4588)، والدارقطني (4330)، وابن ماجه (1944)، والطبراني في الوسط (7805)، وابن حزم في المحلى (11/ 235) عن عبد الأعلي بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: قالت عائشة. . . . الحديث. =