الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-رضي الله عنهم كانوا يفدونه صلى الله عليه وسلم بالمهج والأرواح، ولو أنه طلب منهم الأبكار لما ترددوا، فلماذا لم يعدد الزوجات في مقتبل العمر وريعان الشباب؟ ، ولماذا ترك الزواج بالأبكار وتزوج الثيبات؟
إن هذا بلا شك يدفع كل تَقَوِّلٍ وافتراء، ويدحض كل شبهة وبهتان، ويرد على كل أفاك أثيم يريد أن ينال من قدسية الرسول صلى الله عليه وسلم أو يشوه سمعته، فما كان زواج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقصد الهوى أو الشهوة؛ وإنما كان لحكم نبيلة وغايات جليلة وأهداف حامية؛ سوف يقر الأعداء بنبلها وجلالها إذا ما تركوا التعصب الأعمى وحَكَّمَوا منطق العقل والوجدان، وسوف يجدون في هذا الزواج المثل الأعلى في الإنسان الفاضل الكريم والرسول النبي الرحيم الذي يضحي براحته في سبيل مصلحة غيره وفي سبيل مصلحة الدعوة والإسلام.
الوجه الثاني: الحكمة من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
-.
وهي كثيرة ومتشعبة ويمكننا أن نجملها فيما يلي:
1 -
الحكمة التعليمية.
2 -
الحكمة التشريعية.
3 -
الحكمة الاجتماعية.
4 -
الحكمة السياسية.
وهذه إشارة سريعة نحو كل حكمة من هذا الحكم
أولًا: الحكمة التعليمية
.
لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات رسول صلى الله عليه وسلم هي تخريج بضع معلمات للنساء يعلمنهن الأحكام الشرعية فالنساء نصيف المجتمع، وقد فرض عليهن من التكاليف ما فرض على الرجال، وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور الشرعية وخاصة المتعلقة بهن كأحكام الحيض، والنفاس، والجنابة، والأمور الزوجية وغيرها من الأحكام، وقد كانت المرأة تغالب حياءها عندما تريد أن تسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن مسألة من هذه المسائل، كما كان من خُلق الرسول الحياء الكامل وكان كما تروي كتب السنة أشد حياءً من العذراء في خدرها، فما كان صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يعرض عليه من جهة النساء بالصراحة الكاملة، كان يُكَنِّي في بعض الأحيان ولربما لم تفهم المرأة عن طريق الكناية مراده صلى الله عليه وسلم.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ:"خذي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا"(1). قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: "تَطَهَّرِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: "سُبْحَانَ اللَّه تَطَهَّرِي". فَاجْتَبَذْتها إِلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. (2)
فكان صلوات اللَّه عليه يستحي من مثل هذا التصريح، وهكذا كان القليل من النساء من تستطيع التغلب على نفسها وعلى حيائها فتجاهر النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال عما يقع لها. ومن ذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها، قالت: جاءت أم سليم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت له "يا رسول اللَّه: إن اللَّه لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: نعم إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة لقد فضحت النساء، ويحك أو تحتلم المرأة، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إذًا فبما يشبهها ولدها؟ " (3)
مراده صلى الله عليه وسلم أن الجنين يولد من ماء الرجل وماء المرأة؟ ولهذا يأتي له شبه بأمه، وهكذا مثل هذه الأسئلة المحرجة كان يتولى الجواب عنها فيما بعد زوجاته الطاهرات.
ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"(4).
وكانت المرأة تأتي السيدة عائشة في الظلام لتسألها عن بعض أمور الدين وعن أحكام الحيض والنفاس والجنابة وغيرها من الأحكام، فكان نساء الرسول خير معلمات وموجهات لهن وعن طريقهن تفقه النساء في دين اللَّه.
ثم إنه من المعلوم أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ليست قاصرة على قول النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل هي تشمل قوله وفعله وتقريره؛ وكل هذا من التشريع الذي يجب على الأمة اتباعه، فمن ينقل
(1) قطعة من القطن بها أثر طيب.
(2)
البخاري (314)، ومسلم (332).
(3)
البخاري (130)، ومسلم (313).
(4)
ذكره البخاري معلقًا في كتاب العلم، باب: الحياء في العلم، ومسلم (332).