الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب عليه من وجوه:
الوجه الأول:
القصة المذكورة ضعيفة جدًا من هذا الطريق وهي بهذا اللفظ لا أصل لها -كما بينا في الحاشية-؛ وهذا يكفي في إسقاط الاستدلال بها، لكن ربما يقول قائل: إن علماء الإسلام أوردوها محتجين بها علي إباحة تبادل الزوجات. لكن النظر في سياق القصة يبين بطلان ذلك.
الوجه الثاني:
والسؤال الآن: هل في هذا السياق ما يدل على الإباحة أم يدل على التحريم؟
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن اللَّه حرم هذا، ووصفه بعد ذلك بالحمق.
الوجه الثالث: ماذا قال العلماء عن هذا الحديث بهذا السياق بعد إيراده
؟
أورده ابن كثير بإسناد البزار، وقال بعده: ثم قال البزار إسحاق بن عبد اللَّه: لين الحديث جدًا؛ وإنما ذكرناه لأنا لم نحفظه إلا من هذا الوجه، وبينا العلة فيه. (1)
وأورده القرطبي عند تفسير الآية ثم قال: وقد أنكر الطبري والنحاس وغيرهما ما حكاه ابن زيد عن العرب؛ من أنها كانت تبادل بأزواجها. قال الطبري: وما فعلت العرب قط هذا، وما روي من حديث عيينة بن حصن من أنه دخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة. . . الحديث؛ فليس بتبديل ولا أراد ذلك، وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول (2). وقال الحافظ في الفتح: حديث أبي هريرة في نكاح البدل ضعيف جدًا (3).
= على متونه، وهو بينُ الأمر في الضعفاء. وقال الخليلي في الإرشاد: ضعفوه جدًّا. وتكلم فيه مالك والشافعي وتركاه. وقال البزار: ضعيف. وذكره ابن الجارود، والعقيلي، والدولابي وأبو العرب، والساجي، وابن شاهين في الضعفاء. انظر التاريخ الكبير للبخاري (1/ 396)، تهذيب الكمال (2/ 446)، تهذيب التهذيب (1/ 210)، وتقريب التهذيب (1/ 102)، والكامل في الضعفاء (1/ 326)، والضعفاء والمتروكين للنسائي (1/ 19)، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (1/ 102)، والضعفاء للعقيلي (1/ 102).
(1)
تفسير ابن كثير آية الأحزاب (52).
(2)
تفسير القرطبي آية (52) من سورة الأحزاب.
(3)
فتح الباري (9/ 184)، عمدة القاري (20/ 123).
فبان بهذا أن منهم من أورده وبين ضعفه، ومنهم من أورده وبين أنه لا يدل على تبادل الزوجات ولا أراد ذلك عيينة. ومما يؤكد هذا الوجه ويدل عليه ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب فقال: فذكر سُنَيْدٌ حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: جاء عيينة بن الحصن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة فقال: من هذه وذلك قبل أن ينزل الحجاب قال: "هذه عائشة"، قال: أفلا أنزل لك عن أم البنين فتنكحها فغضبت عائشة وقالت: من هذا؟ فقال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "هذا أحمق مطاع" يعني في قومه. (1)
فانظر قوله: (أفلا أنزل لك عن أم البنين فتنكحها) وهذا واضح في أنه يعرض عليه أن يطلق زوجته حتى تستوفي عدتها ثم يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذكر فيه البتة لتبادل الزوجات الذي يدعيه صاحب الشبهة.
وهذا إسناد معلق ومرسل، ورواه الطبراني بنحوه موصولًا في الكبير، فقال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مُطِيعٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عَبْدِ الْمَلِكِ بن أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، أَنَّ عُيَيْنَةَ بن حِصْنٍ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ:"مَنْ هَذِهِ الْجَالِسَةُ إِلَى جَانِبِكَ؟ قَالَ: (عَائِشَةُ)، قَالَ: أَفَلا أَنْزَلُ لَكَ عَنْ خَيْرٍ مِنْهَا؟ يَعْنِي امْرَأَتَهُ، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: (لا)، قَالَ لَهُ النبي صلى الله عليه وسلم: (اخْرُجْ فَاسْتَأْذِنْ)، قَالَ: إِنَّهَا يَمِينٌ عَلَيَّ أَنْ لا أَسْتَأْذِنَ عَلَى مُضَرِيٍّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَحِمَهَا اللَّه-: مَنْ هَذَا؟ قَالَ (هَذَا أَحْمَقُ مُتَّبَعٌ) "(2).
وبنحوه أخرجه أبو زيد بن شبة في تاريخ المدينة عن إسماعيل عن قيس عن جرير (3).
وأخرجه ابن سعد من طريق الواقدي عن عائشة في الجزء المتمم للطبقات (4).
(1) الاستيعاب: ترجمة عيينة بن حصن.
(2)
المعجم الكبير (2269)، وفيه سعيد بن بشير؛ قال الدارقطني: تفرد بأحاديث لم يتابع عليها، وقال الشوكاني: مجروح وأكثر أهل العلم على أنه حافظ.
(3)
ويحيى بن محمد بن مطيع الشيباني روى عنه أبو زرعة، ومحمد بن عبد اللَّه الحضرمي، والحسين بن إسحق التستري -عند الطبراني في الكبير- ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وعلي بن سعيد بن بشير. وقال عنه الهيثمي: ثقة؛ الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/ 186)، والثقات لابن حبان، ومجمع الزوائد (7/ 357)، (8/ 89).
(4)
الواقدي: هو محمد بن عمر بن واقد الأسلمي المدني القاضي نزيل بغداد، متروك الحديث مع سعة علمه، من التاسعة.