الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدث ذلك، فهل ذكر خلاف في هذه المسألة عن أبي حنيفة في كتب الحنفية أو غيرها؟ !
وللإجابة على ذلك: نحتاج أن ننقل مسألة نكاح المحارم من كتب الحنفية لنقف سويًا على حقيقة الأمر، واللَّه الهادي إلى سواء السبيل.
قال المرغيناني: لا يحل أن يتزوج بأمه، ولا بجدته من قبل الرجال أو النساء لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (النساء: 23)، والجدات أمهات إذ الأم هي الأصل لغة، أو ثبت حرمتهن بالإجماع، ولا ببنته لما تلوْنا، ولا ببنت ولده وإن سفلت للإجماع، ولا بأخته ولا ببنات أخته، ولا بعمته ولا بخالته لأن حرمتهن منصوص عليها في هذه الآية، وتدخل فيها العمات المتفرقات، وبنات الأخوات المتفرقات، وبنات الإخوة المتفرقين؛ لأن جهة الاسم عامة، ولا بأم امرأته التي دخل بابنتها أو لم يدخل. . . . إلخ. (1)
الوجه الثالث: إن جميع العلماء على خلاف قوله في مسألة إقامة الحد على من عقد على محرم، حتى تلاميذه وأتباع مذهبه سوى الثوري وزفر ومن ذلك ما يلي:
قال السرخسي: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ أَوْ غَيْرَ عَالمٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَكُلِّ امْرَأَةٍ إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ.
(وَحُجَّتُهُمَا) فِي ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ هَذَا زِنًى، قَالَ اللَّه تَعَالَى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} وَالْفَاحِشَةُ اسْمُ الزِّنَا، وَفِي
(1) الهداية مع العناية للبدر العيني (5/ 20، 22)، وانظر كلام البدر العيني في الشرح على هذا المتن الذي نقلناه، وذكر السرخسي في المبسوط (4/ 198) مسألة المحرمات، ولم يذكر في الأمر خلافًا بين أهل العلم لا عن أبي حنيفة ولا عن غيره، وكذلك ابن نجيم في البحر الرائق (3/ 98) وما بعدها-، وفي سائر دواوين الإسلام لا يذكر في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، وإنما الخلاف في مسألة إقامة الحد بين أبي حنيفة والجمهور، والفتوى والصواب قول الجمهور في أنه يقام عليه الحد، ويقتل عند البعض في الكل، وعند البعض يقتل في حليلة الأب عملًا بالحديث.
حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ "مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلَى رَجُلٍ نَكَحَ مَنْكُوحَةَ أَبِيهِ، وَأَمَرَني أَنْ أَقْتُلَهُ"، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُهُ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَمَحَلُّ النِّكَاح هُوَ الْحِلُّ؛ لأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لمِلْكِ الْحِلِّ، فَالْمَحْرَمِيَّةُ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْحِلِّ، وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ لَا تَحِلُّ لَهُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَكَانَ لَغْوًا كَمَا يَلْغُوَا إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى الذُّكُورِ وَالْبَيْعُ إلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَقْدَ المُنْعَقِدَ لَوْ ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَبْقَ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ، فَالَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا أَوْلَى. (1)
قال ابن نجيم: قوله "وَبِمُحرَّمٍ نَكْحُهَا" أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةَ مَحْرَمٍ لَهُ عَقَدَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ، ثم قال: قَدْ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِقَوْلِهِمَا قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بِهِ أَيْضًا وَفِي الْخُلَاصَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلهِمَا (2).
وقال المرغيناني: وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ (3).
وقال الجصاص: قال أبو حنيفة والثوري: لا يحد وإن علم عزر، وقال أبو يوسف ومحمد: يحد إذا علم بتحريمها عليه، وقال مالك: يحد ولا يلحق نسب الولد وإن لم تعلم هي ذلك، وإن كانت علمت وهو لم يعلم ألحقت به، وأقيم عليها الحد، وقال الحسن بن حي والشافعي: عليه الحد. (4)
(1) المبسوط (9/ 85، 86).
(2)
البحر الرائق شرح كنز الرقائق (5/ 16).
(3)
العناية شرح الهداية (7/ 194).
(4)
مختصر اختلاف العلماء للجصاص الرازي (3/ 2960).