الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} (البقرة: 35) وحين أنكر -سبحانه- ما كان من مخالفة أمره، وجه الإنكار إليهما معًا:{أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} (1).
4 - التساوي في الحقوق المادية:
أكد الإسلام احترام شخصية المرأة المعنوية، وَسَوَّاها بالرجل في أهلية الوجوب والأداء، وأثبث لها حقها في التصرف، ومباشرة جميع العقود: كحق البيع، وحق الشراء، وحق الدائن، وحق الدين، وحق الراهن، وحق المرتهن، كذلك حق الوكالة، والإجارة، والاتجار في المال الخاص، وما إلى ذلك، وكل هذه الحقوق المدنية واجبة النفاذ.
(1) يقول د/ محمد البلتاجي في مكانة المرأة (88).
ونستطيع أن نقارن هذه المساواة بما في قانون العقوبات المصرى -الوضعى- المتأثر بالقانون الفرنسي - حيث ورد فيه: (مادة 273 - لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها، إلا أنه إذا زنى الزوج في المسكن المقيم فيه مع زوجته (كالمبين في المادة 277) لا تسمع دعواه عليها.
مادة 274 - المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليه بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، لكن لزوجها أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرته لها كما كانت.
مادة 275 - ويعاقب أيضًا الزاني بتلك المرأة بنفس العقوبة هذا فيما يتصل بزنى الزوجة، أما ما يتصل بزنى الزوج فقد تناولته المادة 277 ونصها:(كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازي بالحبس مدة لا تزيد عن ستة شهور).
والأمر أوضح من أن نعلق عليه! فليس في القانون حق اللَّه تعالى، وإنما فيه كرامة الزوج التي لا اعتبار لها أيضًا إذا لم يُقِم الدعوى ورضي بمعاشرة الزوجة الزانية وأصبح (ديوثًا) لا يغار على عرضه! وحتى في هذا النطاق الضيق فلم يُسوِّ القانون الوضعي بين الرجل والمرأة في العقوبة! ولا في إطلاق مكان الزنى بالنسبة للزوجة وتحديده بالنسبة للزوج بأن يكون زناه في (مسكن الزوجية)، فإن زني في هذا المسكن حقَّ عليه العقاب، إذًا الحكمة التي توخاها واضع هذه المادة (هي صيانة الزوجة الشرعية من الإهانة المحتملة التي تلحق بخيانة زوجها إياها في منزل الزوجية).
وواضح جدًّا أن منطلق التقنين هنا مختلف جذريًّا عن منطلق الإسلام السابق في التسوية بين الرجل والمرأة في العقوبة حين تتساوى الجريمة.
ولقد أطلق الإسلام للمرأة حرية التصرف في هذه الأمور بالشكل الذي تريده، دون أية قيود تقيد حريتها في التصرف، سوى القيد الذي يقيد الرجل نفسه فيها، ألا وهو قيد المبدأ العام: أن لا تصدم الحرية بالحق، أو الخير.
فلها أن تملك الضياع، والدور، وسائر أصناف المال بكافة أسباب التملك، ولها أن تمارس التجارة، وسائر تصرفات الكسب المباح، ولها أن تضمن غيرها، وأن يضمنها غيرها، وأن تهب الهبات، وأن توصي لمن تشاء من غير ورثتها، وأن تخاصم غيرها إلى القضاء لها أن تفعل ذلك ونحوه بنفسها، أو بمن توكله عنها باختيارها.
ويعلق الإمام محمد عبده على ذلك بقوله: هذه الدرجة التي رفع اللَّه النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق، ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أمة من أمم قبل الإسلام ولا بعده، وهذه الأمم الأوربية التي كان من تقدمها في الحضارة أن بالغت في احترام النساء، وتكريمهن، وعنيت بتربيتهن، وتعليمهن الفنون والعلوم، لا تزال دون هذه الدرجة التي رفع الإسلام النساء إليها، ولا تزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حق التصرف في مالها بدون إذن زوجها، وغير ذلك من الحقوق التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية من نحو ثلاثة عشر قرنًا ونصف قرن، وقد كان النساء في أوربا منذ خمسين سنة بمنزلة الأرقاء في كل شيء، كما كن في عهد الجاهلية عند العرب، بل أسوأ حالًا. . إلى أن قال:(وقد صار هؤلاء الإفرنج الذين قصرت مدنيتهم عن شريعتنا في إعلاء شأن النساء ويفخرون علينا، بل يرموننا بالجهل في معاملة النساء، ويزعم الجاهلون منهم أن ما نحن عليه هو أثر ديننا (1).
ومن المعلوم أن الأمم القديمة لم تكن تعترف للمرأة بأي أهلية، ومن ثم فلم تكن تتمتع بأي من الحقوق المدنية. . وإذا كانت تلك الأمم ترى أن الرجل هو المالك لشخص المرأة، وأن بوسعه أن يفعل بها ما يشاء، فإنَّ من الطبيعي أن ترى أن العبد أو المستعبد، وما ملكت يداه ملك لسيده.
(1) الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة (24).