الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعاشرها بالمعروف، وأن يتحرى العدل بقدر المستطاع. (1)
وهذا واضح في عدم التسرع في أخذ قرار الطلاق من جهة المرأة والرجل بأمر الشارع الحكيم نظرًا لأنه مبدئيًا ليس من الأمور المرغب فيها.
وهذا كله تضييق في أمر الطلاق يبين لنا أن الأصل في الطلاق أنه يُكره لغير الحاجة - عند كثير من أهل العلم؛ وذلك لأنه عمل يهدم الصالح المترتبة على الزواج، وسبب لتشتت الأطفال، وسبب من أسباب القطيعة والوقيعة بين المسلمين، وسبب لتولد الضغائن بينهم ووقوع الشحناء، ولأنه عمل يسعد الشيطان كما تقدم ورب العزة يقول في كتابه الكريم {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (النساء: 128).
فلذلك يكره لغير الحاجة أما إذا دعت الحاجة فَحُكْمُهُ بحسب الحاجة الداعية إليه. (2)
ومما يبين ذلك ما أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ"(3) أي: نعم الفعلة التي صنعتها؛ وهي التفريق بين المرء وزوجه وهذا مما يحبه إبليس أنه شكر له صنعه. (4)
10. وبعد محاولات الصلح بين الزوجين، وبعد بعث الحكمين فإما أن تستقيم حياتهما فلا حاجة إلى الطلاق وهذا هو المطلوب، وإما أن تفشل عمليات الإصلاح ويستحكم الشقاق ويشتد النزاع بحيث يشعر كل من الزوجين أنه في سجن مع الآخر ويحتاج أن يحل قيده من هذا السجن وهنا نجد أن الطلاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك:
فهو في اللغة الترك مطلقًا والتخلية من القيد سواء كان هذا القيد حسيًا كترك الناقة
(1) تفسير المراغي (5/ 171 - 172)، وانظر تفسير المنار سورة النساء (128).
(2)
جامع أحكام النساء للعدوي (14/ 18).
(3)
مسلم (2167).
(4)
جامع أحكام النساء (4/ 13).
وإرسالها ترعى أو معنويًا كتطليق الزوجة وطلاق النساء لمعنيين:
أحدهما: حل عقد النكاح، والآخر بمعنى: التخلية والإرسال.
قال الجرجاني: الطلاق في اللغة: إزالة القيد والتخلية وفي الشرع إزالة ملك النكاح، والطلاق لفظ جاهلي جاء الشرع بتقريره، فهو ليس من خصائص الأمة الإسلامية، وإنما حلٌ شرعيٌّ لضرورة شرعية تقتضي حل لفظ النكاح بلفظ طلاق ونحوه.
وقال الشيزاري: والطلاق والإطلاق ضد الحبس، وهو التخلية بعد اللزوم والإمساك. (1)
وبهذا المعنى يفهم من وَصَلَ حالُه مع زوجته إلى ما ذكرنا أن الطلاق فرج وفرجة نحو الخير لكل من الزوجين طلبًا للغنى من عند اللَّه تعالى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} (النساء: 130).
فالشريعة الإسلامية إذا كانت تحض الرجال على أن يُبقوا على زوجاتهم وألا يفصلوا ما بينهم وبينهن من روابط، فإنها في الوقت نفسه لا تغلق الباب في وجوههم إغلاقًا، ولا تلزمهم أن يبقوا على الزوجات وهم كارهون عاجزون عن عشرة طيبة وعن علاج ما يدب بينهم وبين زوجاتهم من سوء، وهي تحض النساء أيضًا على أن يسمعوا لأزواجهن، ويحاولن مرضاخهم بما وسعه جهدهن، وهي في الوقت نفسه لم تجبرهن على الخضوع البغيض، بل جعلت لإحداهن الحق في طلب الطلاق إذا رأت أنها لا تطيق الصبر على أذى زوجها وكيده لها وإذا كانت هناك زوجات مصدر للشقاء، فهناك أزواج لا ينبض قلب الواحد منهم بقطرة من الرحمة والمودة اللتين هما أساس الحياة الزوجية قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21).
فإذا ما حل الخلاف والنفرة محل المودة والرحمة والمحبة انهارت أركان الزوجية، ولم
(1) لسان العرب مادة طلق، التعريفات للجرجاني (123)، المهذب للشيرازي (2/ 77)، وانظر: الفرقة بين الزوجين لسيد أحمد فرج (9).