الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن حجر: وهذا مصير منه إلى استمرار حكم عموم آية البقرة فكأنه يرى أن آية المائدة منسوخة.
وقد رد الجمهور على هذا القول بأمور:
1 -
أن المشركات لا يتناول الكتابيات لقوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} (البقرة: 105)؛ فقد عطف المشركين على أهل الكتاب والعطف يقتضي المغايرة. (1)
2 -
ما قالوه في النسخ ليس بصحيح؛ لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل؛ فالراجح هو قول الجمهور، أو أن آية المائدة خصصت عموم آية البقرة (2).
ثانيًا: حكم الزواج من الكتابية الحربية
تمهيد
الآية التي دلت على جواز زواج المسلم بالكتابية، لم تفرق بين أن يتزوجها في دار الإسلام أو في دار الحرب. ولكن دار الحرب تختلف عن دار الإسلام؛ بأن السيطرة في دار الإسلام للمسلمين الذين هم أهل الحل والعقد يحكمون بشريعة اللَّه التي أنزلها في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتظهر فيها شعائر الإسلام، واحتمال ميل الزوجة إلى دين زوجها المسلم وارد كما أن احترامها لآداب الإسلام وعدم مجاهرتها بما يخالفها أقرب؛ إرضاءً لزوجها الذي يغيظه مخالفة دينه في الأخلاق وارتكاب المحرمات، وهذا بخلاف دار الحرب التي تكون الهيمنة والسيطرة فيها للكفار الذين هم أهل الحل والعقد.
والحكم فيها إنما يكون بقوانينهم التي تخالف الإسلام، كما أن الشعائر الظاهرة فيها هي شعائر الكفر وليست شعائر الإسلام؛ والأخلاق السائدة فيها هي أخلاق الكفار،
(1) سيأتي هذا الكلام في التوفيق بين آية البقرة وآية المائدة.
(2)
فتح الباري 9/ 327.
ولهذا اختلف العلماء الذين أجازوا زواج المسلم بالكتابية في دار الإسلام في زواجه بها في دار الحرب. (1)
قال القرطبى: وأما نكاح أهل الكتاب إذا كانوا حربًا فلا يحل. وسئل ابن عباس عن ذلك فقال: لا يحل، وتلا قول اللَّه تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. . . إلى قوله. . . وَهُمْ صَاغِرُونَ} . قال المحدث: حدثت بذلك إبراهيم النخعي فأعجبه.
وكره مالك تزوج الحربيات، لعلة ترك الولد في دار الحرب، ولتصرفها في الخمر والخنزير. (2)
وسبب التحريم: أن المسلم مأمور بقتال الكفار المحاربين وفي زواجه بالحربية في دار الحرب ركون إلى تلك الدار وداع إلى سكناه بها وبقائه فيها، وذلك يعود إلى معنى قتاله مع إخوانه المسلمين بالنقض؛ بل إن في بقائه في دار الحرب مع ذريته تكثير لسواد الكفار المحاربين على المسلمين.
ولذا قال النووي: وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ ولَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ وَكَذَا ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وقال في الحاشية: لكن الحربية أشد كراهة منها. (3)
وقال الخرقي: ولا يتزوج في أرض العدو إلا أن تغلب عليه الشهوة فيتزوج مسلمة ويعزل عنها ولا يتزوج منهم ومن اشترى منهم جارية لم يطأها في الفرج وهو في أرضهم. (4)
وقال ابن القيم: وإنما الذي نص عليه أحمد ما رواه عنه ابنه عبد اللَّه قال: أكره أن يتزوج الرجل في دار الحرب أو يتسرى من أجل ولده، وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم: لا يتزوج ولا يتسرى الأسير في دار الحرب، وإن خاف على نفسه لا يتزوج. وقال في رواية
(1) حكم زواج المسلم بالكتابية د/ عبد اللَّه الأهدل.
(2)
تفسير القرطبي (3/ 73).
(3)
المنهاج مع الحاشية (2/ 187).
(4)
المغني (9/ 292).