الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربما أوهم عند بعض الناس أن الزوج ما طلقها إلا وقد رابه منها شيء، فإذا هو متعها متاعًا حسنًا تزول هذه الغضاضة ويكون هذا المتاع الحسن بمنزلة الشهادة بنزاهتها والاعتراف بأن الطلاق كان من قبله أَيْ: لعذر يختص به لا من قِبَلِهَا، أي: لا لعلة فيها لأن اللَّه تعالى أمرنا أن نحافظ على الأعراض بقدر الطاقة، فجعل هذا التمتيع كالمرهم لجرح القلب لكي يتسامع به الناس، فيقال: إن فلانًا أعطى فلانة كذا وكذا فهو لم يطلقها إلا لعذر وهو آسف عليها معترف بفضلها، لا أنه رأى عيبًا فيها، أو رابه شيء من أمرها.
ولما كان في الطلاق ظنونٌ تحوم حول المرأة أكثر ممن طلقت بعده، جعل بعض العلماء متعة المطلقة قبل الدخول واجبة على الرجل (1)، فما أكمل هذه الشريعة! وهذا الدين الذي يراعي حق الرجل؟ فيأذن له في الرجوع عما عزم عليه، أو حل ما دخل فيه من شركه، لكنها لا تنسى المرأة، فتعوضها في كل حال من الأحوال بما يناسبها.
هل يعجبك ويسرك أيها المدافع عن عقد الزواج أن يكون العقد مستمرًا بين زوجين
كل منهما له علاقة جنسية بغير زوجه، أم تذهب إلى ما تراه بعض المحاكم الأوربية من أن الطلاق لا يقع إلا بعد وقوع جريمة الزنا، فيضطرُ الزوجان إلى أحد أمرين: إما إلى أن يكذبا ويعترفا بالزنا ولم يزنيا، وإما أن تزني من أجل الحصول على الطلاق؛ فيكون طريق الخلاص في هذه المحاكم المتعصبة لما تراه هو الزنا: باللَّه ما هذا السفه والازدراء للآدمية والبشرية؟ !
إما أن يعيشا معًا وهي تزني، وإما أن تزني لكي يحصلا على الطلاق، وإما أن ينسبا الزنا من غير حدوثه لنفس الغاية، أليست الكرامة والستر في شريعة الطلاق خير من الإهانة والفضيحة في هذه التفاهات التي زعموا بها تقديس عقد الزواج؟ !
إن المرأة قد يصل بها الحال إلى طلب الطلاق، فيرفض الرجل:
(1) المنار (2/ 430).
فتطلب منه أن تفدي نفسها بالمال وهو الخلع، فيرفض كذلك، وترى أن الضرر الواقع عليها لا يُحتمل دنيًا ودينًا، فترفع أمرها إلى القاضي، فإذا ثبت الضرر طلق القاضي:
والسؤال: أين الظلم والاستهانة بالمرأة في مثل هذه الصورة؟ !
ومن خلال هذا ترى أن كل امرأة تستطيع شأنها شأن الرجل أن تنهي عقد الزواج؛ دون تعلل بأن المرأة التي تخلع نفسها تفقد حقوقها؛ على اعتبار أن الرجل الذي يطلق زوجته يفقد ما أنفقه عليها، كما يدفع كل التزاماته نحوها، بل ويفقدها هي نفسها، وعليها إذا شاءت إنهاء الزواج أن تتحمل نفس الأعباء التي يتحملها الرجل، أو مثلها على الأقل (1) وجوز الشرع الخلع دفعًا للضرر عن المرأة، والفقه أن الفداء إنما جعل للمرأة في مقابلة ما بيد الرجل من الطلاق فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا كره المرأة جعل الخلع بيد المرأة إذا كرهت الرجل. (2)
وقد حدث في صدر الإسلام فيما رواه ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أتردين عليه حديقته؟ "، قالت نعم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة"، وفي لفظ ولكني لا أطيقه.
وفي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عند ابن ماجه أن ثابت بن قيس كان دميمًا، وأن امرأته قالت: لولا مخافة اللَّه لبصقت في وجهه".
ولأبي داود والترمذي وحسنه: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة. (3)
(1) المرأة بين الدين والمجتمع (349).
(2)
الفرقة بين الزوجين وأحكامها في مذاهب أهل السنة للدكتور سيد أحمد فرج (128)، وانظر بداية المجتهد (2/ 81)، وانظر في هذه المسألة المغني (7/ 51)، ومجموع الفتاوي (32/ 282)، وفتح الباري (9/ 315).
(3)
البخاري (7/ 330)، وابن ماجه (1/ 663) باب المختلعة تأخذ ما أعطاها، وأبو داود باب الخلع (1/ 559)، والترمذي (3/ 491) باب ما جاء في الخلع (6/ 168).