الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا يرى بولس الطلاق في ظروف معينة، فهل هو في نظرك معتدٍ على المرأة وقدسية الزواج.
الوجه الرابع: لماذا يكون الطلاق بيد الرجل وحده
؟
وقبل أن نجيب على هذا السؤال نورد نحن سؤالًا آخر وهو: إذا كان لا بد من الطلاق وقد اعترفوا به وأباحته كنائِسُهم في كل بلادهم ودولهم وقوانينهم، إذا كان لا بد من الطلاق فما هي الصور التي يمكن أن تخطر في البال ليتم هذا الطلاق؟ ومن الذي يملك هذا الحق؟ : إما أن يكون حق الطلاق بيد المرأة وحدها، وإما أن يكون بيد الرجل وحده، أو بيدهما معًا، أو بيد جهة أخرى لا الزوج ولا الزوجة، ولا يتصور أن نلغي الطلاق نهائيًا وهذا ليس من المصلحة في شيء وقد ذاقوا وبال أمرهم حينما كانوا يحرمونه نهائيًا فلنتصور كيف يكون الأمر ولماذا جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل وحده وكيف نعالج بقية الصور التي ذكرتها؟ (1)
وبداية ينبغي أن يعلم أن إنهاء العلاقة الزوجية في الإسلام حق مشترك بين الرجل والمرأة لكن وسيلة الحصول عليه تختلف في الرجل عن المرأة.
على النحو التالي:
أولًا: بالنسبة للرجل وسيلة الحق مباشرة فيملك الزوج الطلاق من جانبه وحده.
ثانيًا: وبالنسبة للمرأة وسيلة غير مباشرة فيقع الطلاق من الرجل بناءً على طلبها في حالتين:
1 -
الخلع وهو مقابل ما تدفعه المرأة لزوجها، وقد يكون المقابل هو تنازلها عن حقها في النفقة ومؤخر الصداق.
2 -
أن يوقع الرجل الطلاق بناءً على طلب الزوجة تنفيذًا لشرط اشترطته في العقد كأن تشترط عليه عدم الزواج عليها، أو عدم السفر بها على موطن آخر ثم خالف الزوج الشرط.
ثالثًا: إذا كرهت الزوج ولم ترد الحياة معه وتعسف هو ولم يطلق ولم يقبل الخلع رفعت أمرها إلى القاضي فطلق عليه القاضي، وكذا التفريق للضرر والمرض المبيح لذلك
(1) إنسانية المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى (375 - 377).
كالبرص، والجذام، والعنة، . . . إلخ. (1)
إذا ثبت هذا فقد عرفت أن الطلاق بداية بيد الرجل. . . هذه واحد، وفي يد المرأة أحوال سبق ذكرها في الكلام الماضي ليظهر لك عدم التعسف ضد المرأة في هذه الشريعة لكن لماذا جعلت البداية بيد الرجل وحده؟ والجواب ما يلي:
1 -
جعله الإسلام بيد الرجل مع الإرشاد والتوجيه على الوضع المناسب للرجل والمرأة في ذلك وقد سبق بيان هذا (2).
2 -
أن القوامة في البيت بيد الرجل، ومن لوازمها أن يكون الطلاق بيد الرجل، وسبق أن ذكرنا أن القوامة لا تعني التسلط؛ إنما تعني الحفظ والرعاية والحماية من الانهيار والدمار. . . إلخ.
3 -
إذا جعل الطلاق في يد المرأة وحدها ففي ذلك فساد ذلك أن نظام الأسرة قام على المغانم والمغارم، فكل من غنم مغنمًا يجب أن يغرم مقابله مغرمًا، ويقدم شيئًا من التنازل حتى يقوم نظام الأسرة، فإذا كان الرجل وحده هو الذي يدفع من جيبه المهر كاملًا، إذًا كان الرجل وحده هو الذي يجهز بيت الزوجية تجهيزًا كاملًا فتتمتع به المرأة ويتمتع به الأولاد، وإذا كان الرجل وحده هو الذي ينفق على بيت الزوجية، وينفق على زوجته، وعلى أولاده؛ ولو كانت المرأة ثريةً جدًا فإنها لا تطالب في الإسلام أن تنفق قرشًا واحدًا على البيت؛ إنما الرجل ولو كان فقيرًا يجب عليه وجوبًا شرعيًا أن ينفق النفقة الكاملة على بيت الزوجية منذ اليوم الأول إلى أن يلقيا وجه اللَّه تعالى، فإذا كان الأمر كذلك وسلمت قضية الطلاق إلى المرأة فأي إنصاف هذا؟
فالرجل إذا أراد أن يطلق فإنه يحسب ألف حساب، فلو أنه طلق سيخسر هذا كله، وسيدفع مرة أخرى إذا أراد أن يتزوج؛ سيدفع مهرًا ويجهز بيتًا بنفقة جديدة، أما المرأة فقد
(1) مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية (211).
(2)
في الشبهة الخاصة بمشروعية الطلاق.
يهون عليها إذا غضبت وما أكثر ما تغضب المرأة، وإذا فقدت أعصابها وما أكثر ما تفقد أعصابها، إذا خطر لها أن تطلق فإنها لا تجد كابحًا من الكوابح، فإن الطلاق لا يكلفها شيئًا ماديًا بل إذا طلقت نفسها لو كان الطلاق بيدها فإنها مباشرة إذا سعت لزوج جديد فإنها تكسب مهرًا جديدًا ونفقة جديدة وبيتًا جديدًا وزوجًا جديدًا، فليس من الحكمة مما يراه أي عاقل أن يكون الطلاق بيد المرأة.
أولًا: لأن الطلاق والزواج لا يكلفها شيئًا فيسهل عليها الطلاق، فمع أول هجمة من الشيطان عليها تقوم بهدم بيت الزوجية أي مصلحة في جعل الطلاق بيدها مبدئيًا ومن أول الأمر؟ (1)
4 -
إن المرأة في الغالب سريعة الغضب سريعة الانفعال سريعة التأثر، وطبيعتها تدفعها غالبًا إلى الانقياد وراء عاطفتها، أما الرجل فالغالب فيه الأناه والتؤدة والتروي في عواقب الأمور وقياس ما يكون من المنفعة والضرر بمقياس حكيم. (2)
ويقرر الدكتور فروسية في دائرة المعارف له: أنه نتيجة لضعف دم المرأة ونمو مجموعها العصبي ترى مزاجها العصبي أكثر تهيجًا من مزاج الرجل، وتركيبها أقل مقاومة؛ لأن تأديتها لوظائف الحمل والأمومة والرضاع يسبب لها أحوالًا مرضية كثيرة أو قليلة الخطر (3).
والدكتور أليكسس كارل في كتابه (الإنسان ذلك المجهول)، يقرر بأن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة تنشأ من تكون الأنسجة نفسها ومن تلقيح الجسم كله بمواد محدده يفرزها المبيض، ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقن الجنسان تعليمًا واحدًا وأن يمنحا سلطات واحدة ومسئوليات متشابهة (4).
(1) مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية (212، 213).
(2)
الطلاق للحفناوي (13).
(3)
مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية (212، 213).
(4)
نفس المصدر السابق.
ثم قال: فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعًا لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الرجال، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجل، يجب عليهن أن لا يتخلين عن وظائفهن المحددة.
ولما كان اختلاف التكوين واختلاف الوظائف الطبيعية في الحياة هما سبب اختلاف الأحكام التشريعية بين الرجال والنساء فيما تماثلا فيه كالحدود، والمعاملات المالية، والعبادات بصفة عامة، ولكنه في أحكام الصلاة أعفى المرأة منها نهائيًا في مدة الحيض مراعاة لظروف النساء وما خصهن اللَّه به من وظائف الأمومة وما يتعلق بها، ثم اعفى اللَّه النساء من فريضة القتال والجهاد لعدم استعدادهن الفطري لذلك ولانشغالهن بوظائف الأمومة، وفي هذا أو غيره لم يجامل الإسلام المرأة فاللَّه خالق الرجال والنساء، فإذا خَصَّ الرجال بالقوامة، وفرق بين الرجال والنساء في أمور فلا مجال البتة للقول بالمساواة لأن المساواة؛ فيما تختلف فيه الوظائف الطبيعية ظلم وجهالة لا يرضى به ألو الألباب من الرجال والنساء، قال تعالى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (النساء: 32). (1)
5 -
إن الطلاق يُحَمِّلُ الزوجَ تبعاتٍ ماليةً كالمهر المؤجل، ونفقة العدة، وأجرة الرضاعة، والحضانة إن كانت له أطفال من زوجته المطلقة، وهذا يجعل الزوج يُحَكِّمُ عقلَه لا عاطفته حين الإقدام على الطلاق، وبهذا يظهر واضحًا جليًا أن اللَّه جعل الطلاق بيد الرجل، لا لأنه أقدر على إيقاعه ولكن لأنه أقدر على عدم إيقاعه. (2)
6 -
ومن خلال ما مَرَّ ترى أن من الخير للحياة الزوجية وللزوجة نفسها أن يكون البَتُّ في مصير الحياة الزوجية في يد من هو أحرص عليها وأضن بها، على أن الشريعة الإسلامية لم تهمل جانب المرأة في إيقاع الطلاق كما مر، ومن خلاله نرى أن في الإسلام خمس طرق للطلاق:
(1) المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية (213 - 214).
(2)
انظر: الفقه الإسلامي وأدلته (7/ 360)، الطلاق للحفناوي (13/ 14).
أ- الطلاق بيد الرجل.
ب- الطلاق بيد المرأة بأن تطلق نفسها من زوجها إذا فوض إليها.
ج- الطلاق بالاتفاق.
د- الخلع.
وكما رأينا فإن الإسلام أعطى للمرأة ثلاث طرق لتطليق نفسها من الرجل، وجعل طريقة بالاتفاق بينهما وبين الرجل، وجعل بيد الرجل وحده بدون الرجوع إلى غير طريقة واحدة وضع له فيها ضوابط، وضيق عليه فيها كما مر ذكره، فصح أنه ليس في جعل الطلاق بيد المرأة بداية ظلم المرأة. (1)
7 -
وبعد هذا نرى في الكتاب المقدس أن الطلاق بيد الرجل كما في سفر التثنية (إصحاح: 24 عدد 1): إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلَاق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ، 2 وَمَتَى خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ ذَهَبَتْ وَصَارَتْ لِرَجُل آخَرَ، 3 فَإِنْ أَبْغَضَهَا الرَّجُلُ الأَخِيرُ وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلَاق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ. . . إلخ.
فها هو الرجل الأول أبغضها وأعطاها كتاب طلاق وكذا الثاني، والسؤال أليس في اعتقادكم أن رب العهد القديم هو رب العهد الجديد؟
فهل كان ربكم في هذا الكلام متعسفًا ضد المرأة؟ !
* * *
(1) إنسانية المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى (376 - 377).