الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثانيهما: تعويض آجل، وذلك بالإكثار من صلاة النفل بعد الطهر من الحيض، وهذا النوع الآجل يذكرنا بحرص عائشة على تعويض العمرة التي فاتتها بسبب الحيض، قالت عائشة: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: منعت العمرة - وفي رواية: قالت يا رسول اللَّه: "أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر قال: وما شأنك؟ قلت: لا أصلى، قال: لا يضرك أنت من بنات آدم كتب عليك ما كتب عليهن، فكوني في حجتك عسى اللَّه أن يرزقكها. قالت: فكنت حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب فدعا عبد الرحمن فقال: اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة"(1).
وورد في فتح الباري: هل تثاب المرأة على ترك الصلاة لكونها مكلفة بها، كما يثاب المريض على النوافل التي كان يفعلها في صحته، وشغل بالمرض عنها، أم أن هناك فرقًا، لأن المريض كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته، والحائض ليست كذلك؟ قال الحافظ ابن حجر: وعندي، في كون هذا الفرق مستلزمًا؛ لكونها لا تثاب، وقفة. أي: إن الثواب عند الحافظ ابن حجر محتمل، فتأملوا رعاكم اللَّه كيف يُحتمل أن تثاب المرأة الحائض برغم تركها الصلاة.
ومع ذلك يبقى نقص الدين واردًا من وجوه:
-
(أ) قد يعرض للمرأة ضعيفة الإيمان الاغتباط بعدم الصلاة، وكأنها تخففت من واجب ثقيل وذلك مما يحرمها الثواب.
(ب) أن النقص الناتج من عدم الصلاة ليس متعلقًا بأمر الثواب وحده، وإنَّما هناك نقص خشوع قلب المؤمن، لحرمانه من المثول بين يدي اللَّه، وخاصة عند غياب التعويض الذي أشرنا إليه.
(جـ) وهناك نقص القوة على مغالبة المنكر، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإذا لم يتم التعويض بعبادة أخرى تأكد النقص.
وعليه فالمراد: بنقص الدين يمكن أن يعني أحد أمرين: أولهما: نقص تدين الإنسان، أي: نقص تقواه للَّه وطاعته له، وثانيهما: نقص ما افترضه اللَّه على الإنسان من فرائض، أي: نقص
(1) رواه البخاري (1788)، ومسلم (2893).
ما يقوم به من نشاط عبادي، ليس عن تقصير، ولكن عن إلزام من الإله المعبود. والحديث هنا يستدل على النقص بأمرٍ كتبه اللَّه على المرأة وهو اجتناب الصلاة والصيام في أيام معدودات. على أن هذا النوع من النقص -أي: نقص ما افترضه اللَّه على المرأة- قد يثمر نقصًا في تقواها للَّه، وهذا يعني: أنه أمر يحتمل وقوعه من بعض النساء لا من جميعهن (1).
يقول الدكتور/ محمد سعيد رمضان البوطي (2): إن نقص الدين قد يطلق ويراد به قلة التكليفات السلوكية، لسبب ما، ولاشك أنها ليست مسئولية المكلف، أيًّا كان السبب وقد يطلق ويراد به التهاون، أو التقصير الذي يتلبس به المكلف بمسئولية واختيار منه.
فالطفل أو المراهق الذي لم يبلغ سن البلوغ بعد، يوصف بأنه ناقص الدين، ولا يعني ذلك أنه يتحمل جريرة، أي: تقصير أو تهاون فيه، بل ربما كان كثير القيام بالواجبات والفرائض والنوافل سريعًا إليها، نشيطًا في أدائها، أكثر من كثير من الرجال البالغين، غير أنه يوصف مع ذلك بأنه ناقص دين؛ نظرًا إلى أنه لم يكلف بعد بشيء من مبادئه وأحكامه، فهو يوصف بنقصان الدين بالمعنى الأول.
والإنسان المتهاون بأوامر اللَّه وأحكامه، المستهتر بحدوده، يوصف أيضًا بنقصان الدين، ولكنه هنا يعني التقصير في الالتزام بمبادئ الدين بعزم منه واختيار، فهو يتحمل جريرة تقصيره والمسئولية المترتبة على نقصان دينه، فهو يوصف إذن بنقصان الدين بالمعنى الثاني.
إذا تبين هذا؛ فإن الوصف الذي به وصف اللَّه المرأة من النقصان في الدين، إنما يصدق بالمعنى الأول، فهو عليه الصلاة والسلام يعني: أن المرأة خفف اللَّه عنها بعض الوظائف الدينية، وأسقطها عنها، فهي لا تكلف بالصلاة أثناء المحيض، كما لا تكلف بها أثناء النفاس، ولا تكلف بقضاء شيء منها بعد ذلك.
(1) تحرير المرأة في عصر الرسالة (1/ 285 - 286).
(2)
المرأة بين طغيان النظام الغربي، ولطائف التشريع الرباني (177 - 179).
ولكن دون أن ينقص شيء من أجرها بسبب ذلك؛ إذ إن الأمر ليس عائدًا إلى تقصير منها، ولكنه عائد إلى تخفيف من اللَّه عنها.
والمرأة توصف في هذه الحال بأنها ناقصة دين، أي: ناقصة التكاليف الدينية، ومعاذ اللَّه أن يكون المعنى أنها مقصرة في دينها، إذ ليس لها أي اختيار في أمر فرضه اللَّه عليها.
ومن أوضح الأدلة على ما نقول أن البيان الإلهي قرر في أكثر من موضع من كتاب - اللَّه عز وجل أن أجر الرجل والمرأة الملتزمين بدين اللَّه سواء، لا يعلو الرجل على المرأة ولا العكس، من ذلك قوله عز وجل:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} (آل عمران: 195).
ومن ذلك قوله عز وجل: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} (النساء: 124).
فإن قلت: فكلام اللَّه هنا مشروط بالعمل الصالح، والمرأة ممنوعة في النفاس والمحيض من أهم الأعمال الصالحة وهو الصلاة، فلم يتحقق الشرط الذي أنيط به الأجر لكل من الرجل والمرأة.
فالجواب: أن الاستجابة لأوامر اللَّه سعيًّا لمرضاته، هي مصدر الأجر والثواب والاستجابة كما تكون بالأفعال الإيجابية، تكون أيضًا بالالتزامات السلبية، فالمرأة التي كلفها اللَّه بعدم القيام إلى الصلاة مدة المحيض، لا شك أنها تثاب على النهوض بهذا التكليف، ما دام قصدها الاستجابة لأمر اللَّه، فإحجامها عن الصلاة في هذه المدة، كقيام الآخرين إلى الصلاة في المدة ذاتها كلاهما مصدر مثوبة وأجر. ما دام كل منهما مندفعًا إلى اتخاذ الموقف الذي كلف به، تحقيقًا لأمر اللَّه، وسعيًا إلى مرضاته.
إذن فقد وصف اللَّه المرأة بواقع، لا تبعة عليها فيه، وليس فيها أي منقصة لها أو مسئولية عليها.
يقول د/ مروان إبراهيم (1): أمَّا نقصان الدين فقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشير بأدب إلى العوارض الخلقية الطبيعية التي تنتاب المرأة، والتي لا شأن لها فيها؛ لأنها من خلق اللَّه تعالى، كالحيض والنفاس، اللذين يتسببان في إسقاط الصلاة وفي تأخير الصوم إلى حين. وهذه العوارض ليست علامات نقص في المرأة، بل هي علامات كمال، فالمرأة التي لا تنتابها العادة لا تحمل، والحمل من ضرورات استمرار الحياة على وجه الأرض.
وهناك ملاحظة لابد من التنبه لها، وهي إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قوة المرأة على الرغم مما ذكر في الحديث، وقوله أغلب لذي لب منكن يدل على ذلك بوضوح، وصاحب اللب هو صاحب العقل الكبير، فليس لأحد أن يعترض بعد ذلك.
* * *
(1) دراسات في الأسرة في الإسلام (121 - 123).