الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تدل القصة عليه؛ لأن تمام القصة بقوله صلى الله عليه وسلم "وإني لست أحرم حلالًا؛ ولا أحل حرامًا، ولكن واللَّه لا تجتمع بنت رسول اللَّه وبنت عدو اللَّه مكانًا واحدًا أبدًا". (1)
فهذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المبلغ عن اللَّه، والذي كلمته الفصل في بيان الحلال والحرام؛ يصرح باللفظ العربي المبين في أدق حادث يمس أحب الناس إليه وهي ابنته الكريمة السيدة الزهراء بأنه لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، ولكن يستنكر أن تجتمع بنت رسول اللَّه وبنت عدو اللَّه في مكان واحد.
قال الشيخ أحمد شاكر: وعندي وفي فهمي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع عليًا من الجمع بين ابنته وبنت أبي جهل بوصفه رسولًا مُبلّغًا عن ربه حكمًا شرعيًا بدلالة تصريحه بأنه لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، وإنما منعه منه منعًا شخصيًا؛ بوصفه رئيس الأسرة التي فيها عليّ ابن عمه وفاطمة ابنته؛ بدلالة أن أسرة بنت أبي جهل هي التي جاءت تستأذنه فيما طلب إليهم عليّ رضي الله عنه، وكلمة رئيس الأسرة مطاعة وخصوصًا إذا كان هذا الرئيس هو سيد قريش وسيد العرب وسيد الخلق أجمعين (2).
المبحث الرابع:
تعدد الزوجات في اليهودية
والنصرانية
.
تعدد الزوجات في اليهودية.
لقد جاءت التوراة مبيحة تعدد الزوجات دون أن تحدد عددًا معينًا، وكانت تذكر الأنبياء الذين عددوا الزوجات من غير قدر محدود كما تذكر غيرهم (3).
ففي سفر اللاويين (18/ 18): وَلَا تَأْخُذِ امْرَأَة عَلَى أُخْتِهَا لِلضِّرِّ لِتَكْشِفَ عَوْرَتهَا مَعَهَا فِي حَيَاتِهَا.
(1) روى البخاري في صحيحه (3110) عن المسور بن مخرمة: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب ابنة أبي جهل على فاطمة رضي الله عنها فسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ المحتلم فقال: "إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها. . . وإني لست أحرم حلالًا ولا أحلل حرامًا ولكن واللَّه لا تجتمع بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع بنت عدو اللَّه أبدًا".
(2)
عمدة التفسير لأحمد شاكر آية: 3 من سورة النساء، وانظر: جامع أحكام النساء للعدوي 3/ 450.
(3)
المرأة ومكانتها في الإسلام (157) نقلًا عن تعدد الزوجات في الأديان (11).
ومعنى هذا الكلام أن التعدد ليس حرامًا، ولكن المحرم هو أن يتزوج الرجل شقيقة زوجته أثناء حياتها معه في عصمته.
ثم هذه التوراة نفسها، تقول: إن النبي داود كان له تسع وتسعون زوجة من الحرائر وثلاثمائة من الجواري، وكان لعيسى بن إسحاق أكثر من زوجة كما في التوراة: فَذَهَبَ عِيسُو إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَأَخَذَ مَحْلَةَ بِنْتَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أُخْتَ نَبَايُوتَ، زَوْجَةً لَهُ عَلَى نِسَائِهِ. (التكوين 28/ 9).
وفي التوراة كذلك أن سيدنا سليمان عليه السلام كان له أكثر من زوجة: وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلَاثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ (الملوك الأولى 11/ 3)
وعلى هذا فتعدد الزوجات في الشرائع السابقة كان موجودًا، ولما بعث اللَّه موسى عليه السلام أقر بتعدد الزوجات بدون أن يحدد للرجل عددهن، حتى قرر بنو التلمود تحديد الزوجات؛ إلا أن بعض علماء بني إسرائيل منعوه وبعضهم أباحه، وتعللوا في ذلك إذا كانت الزوجة مريضة أو عقيمة أو للخيانة وغير ذلك وعلمًا بأن التلمود عند اليهود أباح تعدد الزوجات ولكن قيده بعدد محدد ومعين. (1)
ولقد جاء في التوراة ما يثبت هذا التعدد في نساء أعظم أنبيائهم وملوكهم كداود عليه السلام حيث تقول: فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: "أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ يَدِ شَاوُلَ، وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ سَيِّدِكَ وَنِسَاءَ سَيِّدِكَ فِي حِضْنِكَ، (صموئيل الثاني 12/ 7).
ثم وبخه على قتله لأوريا الحثي وأخذ زوجته فقال: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هذِهِ الشَّمْسِ (صموئيل الثاني 12/ 7).
وبهذا نرى أن تعدد الزوجات كان شائعًا ومنتشرًا عند اليهود من غير نكير، ولقد ظل اليهود طيلة العصور الوسطى يجمعون بين عدة زوجات؛ حتى منع الأحبار الربانيون تعدد
(1) المرأة ومكانتها في الإسلام لأحمد عبد العزيز (158).
الزوجات لضيق أحوال المعيشة التي كان يعانيها اليهود في تلك العصور، وقد صدر هذا المنع في القرن الحادي عشر وقرر المجمع الكنيسي في مدينة وارمس بألمانيا، وكان هذا المنع في أول الأمر قاصرًا على يهود ألمانيا ويهود شمال فرنسا، ثم عم جميع يهود أوربا، وقد أخذت قوانين الأحوال الشخصية لليهود بعدئذٍ بمنع تعدد الزوجات، وألزمت الزوج أن يحلف يمينًا حين إجراء العقد على ذلك، وإذا شاء الرجل أن يتزوج بامرأة أخرى فعليه أن يطلق زوجته، ويدفع إليها جميع حقوقها إلا إذا أجازته بالزواج وكان في وسعه أن يعيل الزوجتين، وقادرًا على العدل بينهما، وكان هناك مسوغ شرعي لهذا الزواج كعقر الزوجة. (1)
يقول ينيوفيلد صاحب كتاب قوانين عند العبرانيين الأقدمين:
إن التلمود والتوراة معًا قد أباحا تعدد الزوجات على إطلاقه، وإن كان بعض الربانين ينصحون بالقصد في عدد الزوجات، وإن قوانين البابليين وجيرانهم من الأمم التي اختلط بها بنو إسرائيل كانوا جميعًا على مثل هذه الشريعة في اتخاذ الزوجات والإماء. (2)
يقول ديشتر: لقد سمح الكتاب المقدس بتعدد الزوجات والمعاشرة الجنسية للإماء، وسبايا الحرب والعاهرات، وغير المتزوجات اللاتي خرجن من كنف آبائهن بل أكثر من ذلك، فقد كان يمكن للأب أن يعطي أبناءه عند وصول سن البلوغ إماءً للزوم الفراش، وأي علاقة جنسية خارج هذا الإطار للسيدة المتزوجة كانت تقابل بعقوبة الموت، كما كانت هذه سنة الأنبياء جميعًا، وانظر ما يلي: وَاتَّخَذَ لَامَكُ لِنَفْسِهِ امْرَأَتيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ، وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ. (تكوين 4 - 19).
فَأَخَذَتْ سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا، مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي
(1) تعدد الزوجات في الإسلام (13)، وانظر اليهود في تاريخ الحضارات الأولى لغوستاف لويون ترجمة عادل زعيتر (50، 51)، وأحكام الأحوال الشخصية لغير المسلمين من المصريين لتوفيق حسن (592)، وقانون الأحوال الشخصية للطائفة اليهودية في لبنان (98، 101).
(2)
في محكمة التاريخ (98) نقلًا عن إنسانية المرأة (261).
أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ. (تكوين 16 - 3).
وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ فَأَخَذَ زَوْجَةً اسْمُهَا قَطُورَةُ (تكوين 25 - 1).
تزوج يعقوب من أربعة على الأقل: ليئة وراحيل وبلهة وزلفة، وكان في المساء أنه أخذ ليئة ابنته وأتى بها إليه فدخل عليها (التكوين 29 - 23).
فعل يعقوب هذا فأكمل أسبوع هذه فأعطاه راحيل ابنته زوجة له (التكوين 29 - 28).
فأعطته بلهة جاريتها زوجة فدخل عليها يعقوب.
ولما رأت ليئة أنها توقفت عن الولادة أخذت زلفة جاريتها وأعطتها ليعقوب زوجة (التكوين 35 - 9).
كما تزوج موسى من اثنتين، ابنة يثرون وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان (الخروج 3 - 1).
وامرأة كوشية: وتكلمت مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها لأنه كان قد اتخذ امرأة) كوشية عدد (12 - 1)
ويقول سفر القضاه: إنه كان لجدعون 70 ولدًا: (وكان لجدعون سبعون ولدًا خارجون من صلبه لأنه كانت له نساء كثيرات وسريته التي في شكيم ولدت له أيضًا ابنًا فسماه أبيمالك) قضاة (8 - 30 - 31).
وتزوج رحبعام من 18 امرأة و 60 من السواري: (21. وأحب رحبعام معكة بنت أبشالوم أكثر من جميع نسائه وسرارية لأنه اتخذ ثماني عشرة امرأة وستين سريه).
من الجدير بالذكر أن تعدد الزوجات أباحته كل الأديان، ولم تفرضه، وكانت الكنيسة والدولة تقرانه إلى منتصف القرن الثامن عشر (18)، وكانت العلة من الاكتفاء بواحدة هي مهانة المرأة إذ عللوا ذلك بالاكتفاء بشر واحد، لذلك كانت الرهبنة عندهم وعدم الزواج من الأمور السامية التي يتخلصون فيها من الشر الذي هو الأنثى، فهل ظهر الآن أن تعدد الزوجات رفعة لشان المرأة فلو كان الرجل يحتقرها لاكتفى بواحدة أو زهد
فيهن، أضف إلى ذلك أقوال التوراة الصريحة بتعدد الزوجات.
إن اتخذ لنفسه أخرى لا ينقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها (أخبار الأيام الثاني 1: 21).
إذا كان للرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة فإن كان الابن البكر للمكروهة 16. فيوم يقسم لبنيه ما كان ليس له أن يقدم ابن المحبوبة بكرًا على ابن المكروهة البكر. . . (تكوين 26 - 34).
وأخذ داود أيضًا سراري ونساء من أورشليم بعد مجيئه من حبرون (صموئيل الثاني 5 - 13).
ويقول القمص أندراوس عزيز؛ وهو يتكلم عن تعدد الزوجات في اليهودية:
ولا يمكن أن تنسى في سياق هذا الحديث ذكر داود النبي والذي قال عنه اللَّه: (فتشت قلب عبدي داود فوجدته مثل قلبي)(صموئيل الأول 13/ 14).
نعم لقد أخطأ داود خطيئة كبيرة ضد الناموس الذي يقول: لا تزن ولا تقتل فزنى وقتل، وعاقبه اللَّه، وتاب وشملته رحمة اللَّه الواسعة، عاقبه اللَّه على الزنا ولم يعاقبه أو يؤنبه على تعدد الزوجات. . .، ثم قال: عاقبه على زناه مع امرأة أوريا الحثي، ولكنه لم يعاقبه على أخذ عدد كبير من النساء زوجات له يتراوح عددهن بين ثماني زوجات وعشر سراري (1). . . إلخ، ما كُتِبَ استدلالٌ على تعدد زوجات نبي اللَّه داود عليه السلام، وحتما ولابد لا نوافقه على أن نبي اللَّه داود زنى، ولا نستدل تأصيلًا على كلامه في تعدد الزوجات إنما نلزمهم بما في كتبهم.
يقول أندراوس عزيز بعد ذكر تعدد نساء الأنبياء:
فقد كان تعدد الزوجات شائعًا في العهد القديم، ولم يكن قضية خلاصية تعوق خلاص الإنسان أو تقوده إلى هلاك نفسه، ولم تكن مخالفة للوصية السابقة -لا تزن- (تثنية: 5 - 18)
وطبعًا هؤلاء جميعًا إبراهيم، أو يعقوب البطاركة الكبار الأبرار، أو داود، أو سليمان، أو غيرهم الذين تركوا للكنيسة الأولى تراثًا لا يقدر بثمن وكتبوا أسفارًا بأكملها وصلوات روحية عميقة كثيرة ترددها الكنيسة في كل عصر ومصر على مدى الأجيال، هؤلاء الذين
(1) الزواج المسيحي بين الدين والدولة (114).