الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - شبهة حول: حديث الشؤم في ثلاث
.
نص الشبهة:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ".
فهم البعض أن الإسلام يصف المرأة بأنها شؤم لما ورد من الأحاديث الآتية:
1 -
عَنْ عبد اللَّه بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ (1).
2 -
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ، وَالْمَسْكَنِ"(2). يعني: الشؤم.
3 -
عَنْ جَابِر رضي الله عنه عَنْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الرَّبْعِ، وَالْخَادِمِ، وَالْفَرَسِ"(3).
والجواب عن هذه الشبهة ما يلي:
إن الطيرة والتشاؤم من عقائد أهل الجاهلية التي أتى الإسلام لهدمها، وإحلال الاعتقاد بالقدر، والتوكل على اللَّه مكانها، بيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مع اعتقاده بأنه لا تشاؤم ولا تفاؤل في الإسلام، بمعنى أنه لا أثر لهما في الضر أو النفع، كان يجب أن يسمع الكلمة الحسنة الطيبة، والاسم الحسن الطيب المبشر؛ لأنهما يبعثان على السرور والرضا، والبشر في السامع فحسب، فلهما أثر نفسي في الانشراح والطمأنينة لا ينكران، وقد دلَّ على ذلك الأحاديث الآتية:
عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ. قيل: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ. (4)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا طِيَرَةَ (5) وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ. قَالَوا: وَمَا الْفَأْلُ يَا رسول اللَّه؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ". (6)
(1) البخاري (2858)، (5753)، ومسلم (2225).
(2)
البخاري (2859)، (5095)، ومسلم (2226).
(3)
مسلم (2227).
(4)
البخاري (5756)، (5776)، ومسلم (2224).
(5)
الطيرة: بكسر المهملة، وفتح التحتانية، وقد تسكن، هي التشاؤم بالشين، وهو مصدر تطير مثل تحير حيرة، قال بعض أهل اللغة: لم يجئ من المصادر هكذا غير هاتين، وتعقب بأنه سمع طيبة، وأورد بعضهم التولة وفيه نظر، وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهيج الطير؛ ليطير فيعتمدها، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك، وكانوا يسمونه السانح بمهملة ثم نون، ثم حاء مهملة، والبارح، بموحدة وآخره مهملة، فالسانح ما ولاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك، والبارح بالعكس، وكانوا يتيمنون بالسانح، ويتشاءمون بالبارح؟ لأنه لا يمكن رميه إلا بأن ينحرف إليه، وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له؛ إذ لا نطق للطير ولا تمييز، فيستدل بفعله على مضمون معنى فيه، وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله، وقد كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير، ويمتدح بتركه، قال شاعر منهم:
ولقد غدوت وكنت لا أغدو على واقٍ وحاتم فإذا الأشائم كالأيا من والأيامن كالأشائم.
وقال آخر: الزجر والطير والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أقفال وكان أكثرهم يتطيرون، ويعتمدون على ذلك، ويصح معهم غالبًا لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين.
(6)
البخاري (5754، 5755)، ومسلم (2223).
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا غُولَ. (1)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ. فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ. وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. فتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ، فتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّه وَرَسُولِهِ، وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هُمْ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ، أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رسول اللَّه؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَ: سَبقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ (2).
(1) مسلم (2222).
(2)
البخاري (3410، 5752، 6472، 6541)، ومسلم (220).
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول اللَّه، أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ. قَالَ: فَلَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ قَالَ: قُلْتُ: كُنَّا نَتَطَيَّرُ. قَالَ: ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ. (1)
وظاهر هذه يمثل إشكالًا، فهذه كلها أحاديث صحيحة لا شك في شيء منها، قسم منها ينفي الشؤم مطلقًا بلا النافية للجنس، وقسم يثبته في هذه الأشياء الثلاثة: المرأة، الفرس، والدار، فكيف نفهم الأمور إذن؟
ومعلوم أن التعارض بين أدلة الشرع الصحيحة، إنما هو تعارض بين ظواهرها -وليس في حقيقتها- إذ إن الشريعة كلَّها تدور على أمور لا اختلاف فيها، ولا اضطراب، ولا تناقض، فكيف نفهم مجموع الأحاديث السابقة؟
والذي يظهر أن شؤم المرأة والدابة والدار ليس على ظاهره مما كان في الجاهلية، وإنما معناه عدم موافقة هذه الأشياء للإنسان، فشؤم الدار: ضيقها، وسوء جيرانها، وأذاهم.
وشؤم المرأة: سلاطة لسانها، وسوء خلقها، وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه.
ووجه الحصر في الثلاثة: هو بالنسبة إلى العادة، لا إلى الخلقة؛ لأنها لم تخلق شؤمًا في سوء أفعالهن، وما مسهن من الكوارث فيما كسبوه، كما قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} (الشورى: 30).
فالمرأة إذا كانت سيئة الخلق سليطة اللسان، ماذا نتوقع في معاشرتها لزوجها؟ لا شك أن زوجها سيعيش معها دائمًا في حال شجار وخلاف، وقد يترتب على هذا الخلاف شرٌ كبيرٌ من إضاعة المال وإهمال الرجل لعمله، وإتلاف أشياء من المنزل بسبب الغضب بينهما. . . إلخ.
(1) مسلم (537).
وقد بوب البخاري رحمه الله على هذه الأحاديث بقوله: باب ما يتقى من شؤم المرأة، وقوله تعالى:{إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} (التغابن: 14).
وقد علق الحافظ على تبوبيه فقال: كأنه يشير إلى اختصاص شؤم ببعض النساء دون بعض، مما دلت عليه من التبعيض. اهـ.
قال الشيخ مصطفى العدوي (1): ولعلَّ ما يفسر هذا الحديث هو حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أحمد (1/ 1168) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ: ثَلَاثَةٌ، وَمنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَة، مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ".
وهذا الحديث من طريق محمد بن أبي حميد، وقد أطبق أهل العلم على تضعيفه، إلا أن محمدًا قد توبع عند الحاكم (2/ 162) ولكن بلفظ: ثلاث من السعادة، وثلاث من الشقاوة، فمن السعادة: المرأة الصالحة تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطية فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاوة: المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفًا، فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركبها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق أخرجه الحاكم من طريق أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن بطة الأصبهاني، قال ثنا عبد اللَّه بن محمد بن زكريا الأصبهاني، ثنا محمد بن بكير الحضرمي، ثنا خالد بن عبد اللَّه أبو إسحاق الشيباني، عن أبي بكر بن حفص، عن محمد بن سعد، عن أبيه مرفوعًا، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد من خالد بن عبد اللَّه الواسطي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، تفرد به محمد بن بُكير عن خالد، إن كان حفظه فإنه صحيح
(1) جامع أحكام النساء (3/ 422).
على شرط البخاري، وقال الذهبي في محمد بن بكير: قال أبو حاتم: صدوق، يغلط. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة.
قلت: وقد توبع محمد بن أبي حميد أيضًا، تابعه عبد اللَّه بن سعيد بن أبي هند، عن ابن حبان (1232)، ولكن بلفظ: أربع من السعادة فذكر نحو الحديث وزاد عليه.
وأشار الحافظ في الفتح إلى أن الطبراني أخرج نحوه مع اختلاف يسير من حديث أسماء رضي الله عنها، فالحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى الحسن، وهو خير ما يفسره قول النبي صلى الله عليه وسلم: الشؤم في ثلاثة المرأة، والفرس، والدار واللَّه أعلم.
والذي يظهر لي من ترجمة الإمام البخاري، أنَّه خصَّ الشؤم بالمرأة التي قد تكون سببًا في فتنة زوجها، وذلك كأن يفتتن الزوج بحب زوجته فيطيعها في المعصية.
فقد تكون سببًا في دخوله النار، لذلك أعقب البخاري هذه الأحاديث بحديث: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء قال الحافظ في الفتح (9/ 41):
قال الشيخ تقي الدين السبكي: في إيراد البخاري هذا الحديث عقب حديث ابن عمر، وسهل بعد ذكر الآية في الترجمة: إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة، لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها، أو أن لها تأثيرًا في ذلك، وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء، ومن قال: إنها سبب في ذلك فهو جاهل، وقد أطلق الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكفر، فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل. اهـ
وأيًّا ما كان الأمر بالشؤم، وهو توقع الشر لا يكون خاصًا بالمرأة من حيث كونها امرأة، وإنما هو خاص ببعض النساء، وهي الزوجة السيئة الخلق، أو المرأة التي تكون سببًا في فتنة زوجها فيطيعها في المعصية، ولا شك أن هذا الشيء مشاهد ومجرب في الحياة، وعليه فالحديث ليس فيه انتقاص للمرأة كما يفهم البعض ذلك، واللَّه أعلم.
* * *