الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرعية على عقولنا القاصرة فعندما لا تستوعب مثل هذه المسائل فما هو إلا أن يطرحها أرضًا بإنكارها.
أقول: عندنا أصول ثابتة يجب علينا أن نتعلمها، ونعلمها، ونسير عليها، منها:
منهجنا القرآن والسنة الصحيحة الثابتة بفهم سلف الأمة، فإذا ورد في الشرع في القرآن أو في السنة ننظر إلى الذين عايشوا الوحي عند نزوله؛ لأنهم كانوا أسرع الناس للعمل به، ما هو موقفهم تجاه مثل هذه المسائل؟ ولنضع نصب أعيننا أن كل واحد يؤخذ منه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، فالدليل هو الذي يحكمنا ليقودنا إلى الحق.
وصار أيضًا غير المسلمين يتفوهون ويطعنون في دين اللَّه تبارك وتعالى بسبب مثل هذه الأحكام الشرعية التي لا يدركون المغزى منها، ولذا كان لزامًا علينا أن نقدم بهذه المقدمة قبل عرض الوجوه التي تدحض هذه الشبهة.
وأحب أن أتطرق إلى مسائل مرتبطة برضاع الكبير ليتبين لنا الحق بعدها بإذن اللَّه عز وجل، وأُجمل ما أقول فيما يلي:
أولًا: مسألة التبني، وحال المُتَبَنَّي في الجاهلية والإسلام
.
ثانيًا: من سالم الذي أذن له في الرضاع وهو كبير؟
ثالثًا: سهلة المرضعة، من هي؟ وما ورد عن احتشامها وعفتها؟
رابعًا: أبو حذيفة زوج المرضعة، من هو؟ وكيف وصف بالغيرة؟
خامسًا: عائشة أم المؤمنين التي أفتت بجواز رضاع الكبير، وعفتها واحتشامها، وما وصفت به من أخلاق جليلة تستحق أن تكون فقيهة الأمة، وماذا عن اجتهادها إن جانبها الصواب؟
سادسًا: الظروف التي أحاطت بحالة رضاع الكبير، فما هو الحل الشرعي لمثل هذه المواقف؟
فأعرني قلبك يا من تريد أن تصل إلى الحق لنُفصل ما أجملناه في هذه المقدمة.
أولًا: مسألة التبني وحال المتبني في الجاهلية والإسلام.
لقد حرم القرآنُ التبني، وقضى على هذه العادة الجاهلية التي انتقلت إلى العرب عن طريق الرومان؛ وذلك لكي يردُّوا الأنساب إلى أصولها الحقيقية؛ ولكي يقيم بناء الأسرة
على دعائم قوية من الترابط والتماسك تحقيقًا لهذه القاعدة التي قررها {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (الأنفال: 75)
وقد جاء التحريم في أول سورة الأحزاب إذ قال اللَّه تعالى {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)} (الأحزاب: 4) وقد كانوا يعطون الابن من التبني حقوق الابن من الصلب في الميراث وحرمة النكاح، وتلك عادة فاسدة، فكيف يكون هذا الدخيل مثل الابن الحقيقي يخلو بزوجة من تبناه وهي ليست أمه؟ وكيف يخلو ببناته وهن لسن بأخواته؟ وبأي حق يزاحمهم في الميراث ويحرم بقية العصبة من الأعمام والأخوة، أو يزاحم الولد من الصلب إن وجد؟ وكيف يترك المتبنى أباه وأمه وينسب إلى غير أهله، ويلتحق بقوم آخرين؟
من أجل هذه المفاسد حرم القرآن التبني، وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك تطبيقًا عمليًا، فكان أول من هدم تلك العادة؛ لأنه القدوة للناس، فتزوج حليلة متبناه زيد بن حارثة بأمر اللَّه عز وجل، وقد صرح اللَّه -تعالى- في كتابه أنه هو الذي زوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش، وأوضح الحكمة من هذا الزواج حيث قال:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)} (الأحزاب: من الآية 37). (1)
وكانت هناك حالات أخرى متبناه عند بعض الصحابة كسالم مولى أبي حذيفة.
وإذا نظرنا إلى سالم وإلى حالته وجدناها حالة خاصة قد تكون فريدة، فسالم تربى في بيت أبي حذيفة، وكان متبني، فكان أولًا قبل ذلك مولى لثبيتة بنت يعار الأنصارية زوجة
(1) إبطال القرآن لعادة التبني د/ عبد العزيز صقر من مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية العدد (25/ 170: 172).