الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى- إياه عليهن بأن عاد ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم اختيارًا بعد أن كان قبل ذلك عليه واجبًا، فهذا أحسن ما وجدناه في تأويل هذين الحديثين، واللَّه نسأله التوفيق (1).
الوجه الرابع:
ومنهم من قال: هي محكمة ولكن لما حظر عليهن أن يتزوجن بعد موته حظر عليه أن يتزوج غيرهن. وهو قول أبي أمامة بن سهل بن حنيف.
الوجه الخامس:
ومنهم من قال: المعنى لا يحل لك النساء من بعد هذه الصفة يعني {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} . والمعنى: لا يحل لك النساء من بعد هذه الصفة؛ قول أبي رزين، وهو يروي عن أبي بن كعب؛ وهو اختيار محمد بن جرير.
الوجه السادس:
ومنهم من قال: لا يحل لك النساء بعد المسلمات ولا تتزوج يهودية ولا نصرانية.
والمعني: لا يحل لك النساء من بعد المسلمات؛ قول مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، قال مجاهد: لئلا تكون كافرة أما للمؤمنين. هذا القول يبعد لأنه يقدره من بعد المسلمات ولم يجر للمسلمات ذكر.
الوجه السابع:
ومنهم من قال: لا تبدل واحدة من أزواجك بيهودية ولا نصرانية. وهذا أبعد من ذلك؛ لأن نص القرآن: {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} . وليس في القرآن ولا أن تبادل، وحكى ابن زيد عن العرب أنها كانت تبادل بأزواجها، يقول: أحدهم خذ زوجتي وأعطني زوجتك. وهذا غير معروف عند الناقلين لأفعال العرب.
والوجه الثامن:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال اللَّه تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} (الأحزاب: 38) كان له أن يتزوج من النساء من شاء بغير عدد محظور كما كان للأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم، وهذا معناه: كان له حلال أن يتزوج من شاء من النساء ثم نسخ ذلك.
(1) مشكل الآثار (2/ 39).
قول محمد بن كعب القرظي قال: وكذا كانت الأنبياء قبله عليه السلام، تزوج سليمان عليه السلام سبعمائة امرأة حرة وكان له ثلاثمائة مملوكة فذلك ألف، وكان لداود عليه السلام مائة امرأة منهن أم سليمان امرأة أورياء بن حنان. وقال عمر مولى غفرة: لما قالت اليهود ما لمحمد صلى الله عليه وسلم شغل إلا التزوج فحسدوه على ذلك فأنزل اللَّه عز وجل {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} (النساء: 54)، وكان لسليمان عليه السلام ألف امرأة منها سبعمائة حرة وكان لداود عليه السلام مائة امرأة. (1)
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا أن تطلق أزواجك فتستبدل بهن غيرهن أزواجًا. فإن قال قائل: أفلم يكن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج امرأة على نسائه اللواتي كن عنده؟ فيكون موجهًا تأويل قوله: {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} إلى ما تأولت، أو قال: وأين ذكر أزواجه اللواتي كن عنده في هذا الموضع؟ فتكون الهاء من قوله {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ} من ذكرهن، وتوهم أن الهاء في ذلك عائدة على النساء في قوله:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} ؟ قيل: قد كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من شاء من النساء اللواتي كان اللَّه أحلهن له على نسائه اللاتي كن عنده يوم نزلت هذه الآية، وإنما نهي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يفارق من كان عنده بطلاق أراد به استبدال غيرها بها لإعجاب حسن المستبدلة له بها إياه إذ كان اللَّه قد جعلهن أمهات المؤمنين، وخيرهن بين الحياة الدنيا والدار الآخرة والرضا باللَّه ورسوله فاخترن اللَّه ورسوله والدار الآخرة؛ فحرمن على غيره بذلك ومنع من فراقهن بطلاق، فأما نكاح غيرهن فلم يمنع منه بل أحل اللَّه له ذلك على ما بيَّن في كتابه. وقد روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبض حتى أحل اللَّه له نساء أهل الأرض.
فتأويل الكلام: لا يحل لك يا محمد النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك في الآية قبل، ولا أن تطلق نساءك اللواتي اخترن اللَّه ورسوله والدار الآخرة فتبدل بهن من أزواج؛ ولو
(1) الناسخ والمنسوخ للنحاس (1/ 635).