الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2.
واحتجوا أيضًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الرضاعة من المجاعة"، وقالوا حجة لنا لأن شرب الكبير للبن يؤثر في دفع مجاعته قطعًا كما في الصغير. (1)
3.
احتجوا أيضًا بفعل عائشة رضي الله عنها كما سبق في حديث سهلة.
قال ابن حزم: "فصح أن عائشة رضي الله عنها كان يدخل عليها الكبير إذا أرضعته في حال كبره أختٌ من أخواتها الرضاع المحرم، ونحن نشهد بشهادة اللَّه عز وجل ونقطع بأنه تعالى لم يكن ليبيح سر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينتهكه من لا يحل له مع قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ، فنحن نوقن ونبتُّ بأن رضاع الكبير يقع به التحريم، وليس في امتناع سائرهن من أن يدخل عليهن بهذه الرضاعة شيء ينكر؛ لأن مباحا لهن أن لا يدخل عليهن من يحل له الدخول عليهن. (2)
وإليك الجواب على هذه الحجج
.
أما حديث سهلة فالإجابة عنه من وجوه:
1 - أن هذا الحديث منسوخ ذكره ابن القيم:
قال ابن القيم: قالوا: وأما حديث سهلة في رضاع سالم فهذا كان في أول الهجرة؛ لأن قصته كانت عقيب نزول قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (الأحزاب: من الآية 5) وهي نزلت في أول الهجرة، وأما أحاديث اشتراط الصغر وأن يكون في الثدي قبل الفطام فهي من رواية ابن عباس وأبي هريرة، وابن عباس إنما قدم المدينة قبل الفتح، وأبو هريرة إنما أسلم عام فتح خيبر، بلا شك كلاهما قدم المدينة بعد قصة سالم في رضاعه من امرأة أبي حذيفة. (3)
= عروة بن الزبير (1402)، ولكن قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 250): هذا حديث يدخل في المسند للقاء عروة عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وللقائه سهلة بنت سهيل، وقد رواه عثمان بن عمر عن مالك مختصر - اللفظ متصل الإسناد.
(1)
ذكره ابن القيم في زاد المعاد (5/ 583) واحتج به ابن حزم كما في المحلى (10/ 23، 24).
(2)
المحلى لابن حزم (10/ 24) وذكره ابن القيم في زاد المعاد (5/ 584).
(3)
زاد المعاد (5/ 581).
ونقل الحازمي عن بعض الشافعية قال: ما يدل على أن حديث عائشة منسوخ؛ وذلك أن قصة سالم كانت في أوائل الهجرة لأنها جرت عقب نزول الآية، والآية نزلت في أوائل الهجرة، والحكم الثاني رواه أحداث الصحابة وجماعة تأخر إسلامهم نحو أبي هريرة وابن عباس وغيرهما وهذا ظاهر في النسخ لا خفاء فيه. (1)
ويجاب على دعوى النسخ بما يلي:
قال ابن القيم: ولم يأتوا على النسخ بحجة سوى الدعوى، فإنهم لا يمكنهم إثبات التاريخ المعلوم التأخر بينه وبين تلك الأحاديث، ولو قلب أصحاب هذا القول عليهم الدعوى وادعوا نسخ تلك الأحاديث بحديث سهلة لكانت نظير دعواهم، وأما قولهم إنها كانت في أول الهجرة وحين نزول قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (الأحزاب: 5) ورواية ابن عباس رضي الله عنه وأبي هريرة بعد ذلك.
فجوابه من وجوه:
أحدها: أنهما لم يصرحا بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، بل لم يسمع منه ابن عباس إلا دون العشرين حديثا وسائرها عن الصحابة رضي الله عنهم.
الثاني: أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لم تحتج واحدة منهن بل ولا غيرهن على عائشة رضي الله عنها بذلك، بل سلكن في الحديث بتخصيصه بسالم وعدم إلحاق غيره به.
الثالث: أن عائشة رضي الله عنها نفسها روت هذا وهذا، فلو كان حديث سهلة منسوخا لكانت عائشة رضي الله عنها قد أخذت به وتركت الناسخ أو خفي عليها تقدمه مع كونها هي الراوية له وكلاهما ممتنع وفي غاية البعد.
الرابع: أن عائشة رضي الله عنها ابتليت بالمسألة، وكانت تعمل بها وتناظر عليها وتدعو إليها صواحباتها، فلها بها مزيد اعتناء، فكيف يكون هذا حكما منسوخا قد بطل كونه من الدين
(1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (445)، وانظر أيضًا نيل الأوطار (7/ 112).