الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسا قولهم: إذا ثبتت التهمة على عائشة سيحصل خلاف بين أبي بكر والنبي محمد صلى الله عليه وسلم مما سيؤدي إلى تفكك الحركة الإسلامية ولذا كان على النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يمارس كل ما يمكن للحصول على براءة عائشة
وللإجابة على ذلك نقم بطرح سؤالين:
1 -
هل ثبوت التهمة يترتب عليه وقوع الخلاف بين أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟
2 -
هل لو وقع الخلاف ينهدم صرح الدعوة الإسلامية كما زعم هؤلاء؟
وبالإجابة على هذين السؤالين يتجلى بطلان هذا الزعم:
أولا: إن الناظر في حياة الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم يرى أنه كان أولى الناس بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: "لَا يُؤْمنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". (1)
وإليك بعض المواقف من حياته توضح ذلك:
أ - صفاته التي قاربت إلى حد كبير صفات النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء على لسان ابنِ الدُّغُنَّةِ في وصف أبي بكر موافقًا لوصف خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم من غير مواطأة منهما على ذلك.
2 -
لقد هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وترك بيته وعياله وفيهم عائشة وكان أسعد الناس بذلك.
وها هو الحديث: عن عُرْوَة بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَايَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم طَرَفَي النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمّا ابْتُليَ المُسْلِمُونُ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الحبَشَةِ، حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ. فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ في الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ المُعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ. فَرَجَعَ وَارْتحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً في أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لهمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ المُعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِى الضَّيْفَ،
(1) البخاري (15)، ومسلم (44).
وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا لابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ في دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِى بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ في دَاره، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلاتِهِ، وَلَا يَقْرَأُ في غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجدًّا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ. فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ في دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجدًّا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ في دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِى بَكْرٍ الاسْتِعْلانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الذي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّى أُخْفِرْتُ في رَجُلٌ عَقَدْتُ لَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ الله عز وجل. وَالنَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بمَكَّةَ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ:"إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ -، وَهُمَا الَحرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لي". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ قَالَ:"نَعَمْ". فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِقتيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ - وَهْوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ -. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ في بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِى بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا - في سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَالله مَا جَاءَ بِهِ في هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِى بَكْرٍ:"أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أنتَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةُ - بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله إِحْدَى رَاحِلَتيّ هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بِالثَّمَنِ".
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجهَازِ، وَصَنَعْنَا لهما سُفْرَةً في جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجرَابِ - فَبِذَلِكَ سُقَيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ - قَالَتْ - ثُمَّ لحِقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ في جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ الله بْنُ أَبِي بَكْرٍ - وَهْوَ غُلامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ -، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ في رِسْلٍ - وَهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفهِمَا - حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ الليالي الثَّلاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهْوَ مِنْ بَني عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا - وَالخرِّيتُ المَاهِرُ بِالْهِدَايَة - قَدْ غَمَسَ حِلْفًا في آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِي، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ. (1)
3 -
كان أبو بكر على أتم استعداد لقتل ابنه عبد الرحمن في غزوة بدر؛ لأنه كان يقاتل مع المشركين، فقال له بعد أن أسلم: لو أهدفت لي ما صدفت عنك.
فعن ابن سيرين أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان يوم بدر مع المشركين فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدر فصرفت عنك ولم أقتلك، فقال أبو بكر: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك.
(1) البخاري (2175).