الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصطلق فقضى عنها كتابتها وتزوجها، وكان بها طابع يمن وبركة على قومها إذ أعتق لهذا الزواج مائة رجل من أسراهم؛ لأنهم أصبحوا أصهارًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من آثاره المباركة كذلك إسلام أبيها الحارث بن ضرار، كما أنه صلى الله عليه وسلم تزوج بصفية بن حيي بن أخطب اليهودية إثر غزوة خيبر، وبنى بها في خيبر أو ببعض الطريق، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأسوة الحسنة، فقد توارى العتاب وانقطع الملام.
الوجه الثاني عشر: تحقيق موقف الصحابة من قتل خالد لمالك بن نويرة
.
أولًا: تحقيق موقف أبي قتادة وابن عمر وإصرارهما على إسلام مالك:
1 -
اختلاف الطابع النفسي للعابد (أي المشهور بكثرة العبادة) عن الطابع النفسي للقائد (صاحب المعارك الكثيرة): فأبو قتادة وابن عمر كثيرًا ما يأخذان باللين في كثير من حياتهما (وهو الطابع النفسي للعابد)، وشخصية القائد قد تستوجب الأخذ بالشدة (وهو الطابع النفسي للقائد).
2 -
عدم اعتراض جميع من كانوا مع خالد يُبين أنه موقف فردي من أبي قتادة في إسلام مالك وفرضية الأمان له: وخالف أبو قتادة جماعة السرية فأخبروا خالدًا أنه لم يكن لهم أمان، وإنما سيروا قسرًا، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض سبيهم، فركب أبو قتادة فرسه وسار قبل أبي بكر. فلما قدم عليه قال: تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد وأنه ادعى إسلامًا، وإني نهيت خالدًا فترك قولي وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم. (1)
3 -
بيان خالد لأبي قتادة أن هذا الأمر خاص بالقائد في اتخاذ القرار، وأن أبا قتادة أخذته العاطفة في حكمه، حتى أنه ظن أن الأعراب هم الذين أفهموا خالدًا ذلك لأنهم يُريدون الغنائم مع أن الجنود كان منهم عدد ليس بقليل من المهاجرين والأنصار: فعن الزهري أن أبا قتادة قال: فقلت: اتق الله يا خالد فإن هذا لا يحل لك، قال: اجلس فإن هذا ليس منك في شيء، قال: فكان أبو قتادة يحلف لا يغزو مع خالد أبدًا، قال: وكان الأعراب هم الذين شجعوه على قتلهم من أجل الغنائم وكان ذلك في مالك بن نويرة. (2)
(1) تاريخ الإسلام للذهبي (1/ 371).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (18722) عن معمر، عن الزهري به.
ففي قول خالد: (اجلس فإن هذا ليس منك في شيء)، دليل أن هذا الأمر خاص بالقائد في اتخاذ القرار.
وحلف أبو قتادة على أنه لا يغزو مع خالد أبدًا: هذا أمر خاص به، مع أن كثيرًا من الصحابة خرجوا مع خالد بعد ذلك، فهذا يُبين أن هذا اجتهادُ فردي من أبي قتادة مبني على اختلاف وجهة نظره مع خالد، ولا يُشترط اختلاف خالد معه في ذلك الموقف أنه سوف يختلف معه في باقي المواقف في المستقبل، فقد حَرَمَ أبو قتادة نفسه من الخير، لأن المعارك التي غزاها خالد بعد ذلك في العراق والفرس أكثر من غيره، ومع ذلك فإن خالدًا يرد مظالم ابن عمر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدًا لابْنِ عُمَرَ أَبَقَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَرَدَّهُ عَلَى عَبْدِ الله، وَأَنَّ فَرَسًا لابْنِ عُمَرَ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَرَدُّوهُ عَلَى عَبْدِ الله (1)، وعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ عَلَى فَرَسٍ يَوْمَ لقي المسْلِمُونَ، وَأَمِيرُ المسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ، فَلَمّا هُزِمَ الْعَدُوُّ رَدَّ خَالِدٌ فَرَسَهُ. (2)
ثانيًا: ما حدث بين عمر وخالد: فقد تحدثنا سابقًا ببيان رجحان قول أبي بكر على قول عمر في قضية قتل خالد لمالك، وهناك أيضًا مواقف أخرى تبين موقف عمر من خالد كان مرجوحًا لا راجحًا، وهذه آراء يُحترم فيها الرأي والرأي الآخر ولا نُسفه أحدهما: فهناك آراء لعمر تجاه خالد قد يُخالفه فيها الصحابة، فعَنْ نَاشِرَةَ بْنِ سُمَيٍّ الْيَزَني، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ، فِي يَوْمِ الجابِيَةِ، وَهُو يَخْطُبُ النَّاسَ: إِنَّ الله عز وجل جَعَلَنِي خَازِنًا لِهَذَا المَالِ وَقَاسِمًا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: بَلِ الله يَقْسِمُهُ، وَإِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكُمْ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، إِنِّي أَمَرْتُهُ أَنْ يَحْبِسَ هَذَا المَالَ عَلَى ضَعَفَةِ المهَاجِرِينَ، فَأَعْطَاهُ ذَا الْبَأْسِ وَذَا الشَّرَفِ، وَذَا اللَّسَانَةِ، فَنزعْتُهُ، وَأَمَّرْتُ أَبَا عُبَيْد بنَ الجرَّاحِ، فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ المغِيرة: وَالله مَا أَعْذَرْتَ يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ، لَقَدْ نَزَعْتَ عَامِلًا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَغَمَدْتَ سَيْفًا، سَلَّهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم،
(1) البخاري (3068).
(2)
البخاري (3069).
وَوَضَعْتَ لِوَاءً نَصَبَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ قَطَعْتَ الرَّحِمَ، وَحَسَدْتَ ابْنَ الْعَمِّ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّكَ قَرِيبُ الْقَرَابَةِ، حَدِيثُ السِّنِّ، مُغْضَبٌ مِنِ ابْنِ عَمِّكَ (1).
ومع ذلك فعمر يدافع عن خالد ممن هجاه من المرتدين، حتى بعدما أسلم هذا المرتد: عن عبد الرحمن بن قيس السلمي، قال أبو شجرة حين ارتد عن الإسلام:
فرويت رمحي من كتيبة خالد
…
وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
ثم إن أبا شجرة أسلم ودخل فيما دخل فيه الناس، فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم المدينة، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطني فإني ذو حاجة، قال: ومن أنت؟ قال: أبو شجرة بن عبد العزى السلمي، قال أبو شجرة: أي عدو الله ألست الذي تقول:
فرويت رمحي من كتيبة خالد
…
وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
قال: ثم جعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى سبقه عدوًا فرجع إلى ناقته فارتحلها ثم أسندها في حرة شوران راجعا إلى أرض بني سليم، فقال:
ضن علينا أبو حفص بنائله
…
وكل مختبط يوما له ورق. (2)
وتوفي خالد بحمص من الشام وقيل: بلى توفي بالمدينة سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب وأوصى إلى عمرو رضي الله عنه ولما بلغ عمر أن نساء بني المغيرة اجتمعن في دار يبكين على خالد قال عمر: ما عليهن أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة
…
ولما حضرته الوفاة حبس فرسه وسلاحه في سبيل الله. قال الزبير بن أبي بكر: وقد انقرض ولد خالد بن الوليد فلم يبق منهم أحد وورث أيوب بن سلمة دورهم بالمدينة (3).
* * *
(1) أخرجه أحمد (3/ 475)، والنَّسائي في الكبرى (8225) عن عبد الله بن المبارك، قال: أَخْبَرنا سعيد بن يزيد، وهو أبو شجاع، قال: سمعت الحارث بن يزيد الحضرمي، يُحدِّث عن عُلَي بن رباح، عن ناشرة بن سُمَي اليزني، فذكره.
(2)
تاريخ الطبري (2/ 494).
(3)
أسد الغابة (1/ 312). وقوله: نقع ولقلقة فالنقع: رفع الصوت، وقيل: أراد شق الجيوب. واللقلقة: الجلبة كأنه حكاية الأصوات إذا كثرت. واللقلق: اللسان.